الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفاعل النووي السوري بين الحقيقة والوهم..

نبيل علي صالح

2008 / 5 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أثير مؤخراً لغط كبير حول موضول المفاعل النووي السوري المزعوم، وانفتحت شهية الإعلام العربي والدولي مؤخراً للحديث الواسع عنه حيث أكدت الولايات المتحدة الأمريكية –سيدة العالم الحر!- أنه كان على وشك البدء بإنتاج مواد يمكنها أن تدخل في صناعة القنبلة النووية. وأن فنيين وخبراء من كوريا الشمالية شاركوا وساعدوا سوريا في بناء وإنشاء المفاعل المفترض.
وقد جاء هذا الاتهام لسوريا في سياق حملة دعائية مبرمجة انطلقت منذ أيلول الماضي عندما قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بضرب موقع عسكري مهجور بالقرب من دير الزور شمال شرق سوريا، وانتهت بنشر أمريكا مجموعة صور جوية للموقع السوري المفترض أنه كان سينتج مواد نووية. وما بين البداية والنهاية سرت شائعات وبنيت ملفات وسال حبر غزير للتكهن بحقيقة تلك الضربة، في محاولة للإجابة عن جملة أسئلة انحصرت حول طبيعة الموقع السوري المستهدف، ودرجة أهميته، وأسباب قيام إسرائيل بضربه بالرغم من معسول كلامها عن السلام مع سوريا.. الخ..
وقد اطلع خبراء دوليون كثيرون من وكالة الطاقة الذرية –ومن غيرها أيضاً- على الصور المنشورة، ودرسوا ما نشر من معلومات وتفاصيل في الملف الخاص بها، ولكنهم لم يقتنعوا بأن يكون الموقع المشار إليه هو فعلاً موقع مفاعل نووي، وذلك بسبب أنه لا يوجد أي شكل من أشكال الحماية حول الموقع. أما الباحثون الأميركيون في الشأن النووي، من أمثال ديفيد البرايت من المعهد الدولي للعلوم والأمن الدولي، فقالوا بأن سقفاً يغطي المكان مما يصعب قراءة الصور بشكل واضح، ولكن ليس هناك دليل مقنع ومتماسك بأن المفاعل كوري الصنع. أي أن الأميركيين في تلك الفترة لم يحسموا الأمر في قصة المفاعل، مثلهم في ذلك مثل خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين شككوا بصحة وتماسك الملف من أساسه.
والسؤال الذي يطرح نفسه رداً على كل ما قيل ويقال حول هذا الموضوع الي تم تضخيمه إعلامياً وسياسياً، هو: كيف يمكن لدولة عضو في وكالة الطاقة منذ عام 1963، وسبق لها أن وقعت على معاهدة عدم انتشار الأسلحة عام 1968، وصدقت عليها عام 1969، كما وقعت عام 1987 على اتفاق الإنذار المبكر عن الحوادث النووية، كيف يمكن لها أن تبني مفاعلاً نووياً مخالفة بذلك التزاماتها وتعهداتها التي وقعت عليها مع المؤسسات الدولية خصوصاً في عالم اليوم حيث لا أسرار يمكن أن تبقى طي الكتمان على أي مستوى كان؟.
ثم هل يعقل أن دولة ذات سيادة موقعة على اتفاقيات دولة ومنتمية إلى الأسرة العربية والدولية، وتقع جغرافياً وسياسياً في قلب الصراعات والتوترات الإقليمية والدولية، تلتف على التزاماتها تلك، ثم تقوم بإنتاج سلاح نووي من دون أن تؤهل ذاتها، وتعمل على تدريب كوادرها لكي تمتلك في المدى الطويل التكنولوجيا أو المهارات البشرية التي قد تصل بها إلى مستوى تطوير الأسلحة النووية.
وبالإضافة إلى ما تقدم نؤكد هنا بأن طريقة تعامل وتعاطي الدولة السورية مع كل المنظمات والهيئات الدولية المعنية بهذا الشأن، فيما يخص القضية النووية يوحي بوجود عامل الثقة والاطمئنان بينهما، حتى أنه عندما أرادت سوريا البحث عن بديل منتج للكهرباء في سبعينيات القرن الماضي، بادرت من فورها للاتصال رسمياً بوكالة الطاقة الذرية الدولية لكي تتساعد معها في إعداد دراسة حول إمكانية استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء. وقد تم يومها بالفعل وضع دراسة علمية لبناء ست مولدات بقدرة 600 ميغاوات لكل مولد.. ولكن الدراسة لم تتحول إلى واقع حي، والخطة العلمية بقيت مجرد خطة في أدراج المكاتب.
كما أن دولة بحجم سوريا –لها موقعها الجيواستراتيجي المهم والحيوي في قلب حركة الصراع التاريخي في المنطقة، وعندها فائض قوة نوعي مؤثر، وتشكل كتلة حضارية مستقرة ومتراصة وثابتة تاريخياً واجتماعياً- لا تحتاج إلى قنابل نووية في مواجهة العدوان الخارجي المتربص بها من إسرائيل على وجده التحديد.. وهي أصلاً لا تمتلك الخبرة الفنية ولا الإمكانات التقنية للبدء بهذا الموضوع، كما أنها ليست راغبة في دخول اللعبة النووية، وليس لديها هاجس أن تصبح من أعضاء النادي النووي.. لسبب بسيط هو أنها دولة تريد بناء قاعدة تنموية صلبة لمستقبل أبنائها، ومحاولة التغلب على تعقيدات وتحديات التنمية ومعيقات نموها الاقتصادي والاجتماعي.. وأما الدخول في عالم النوويات والذريات فإنه سيحولها مع الأيام إلى دولة فقيرة ومتخلفة، لأنه سيفتح باباً للتكاليف الباهظة لن تقوى على سده في مدى طويل، بالإضافة إلى أن استخدام هذا النوع من السلاح سيلحق الأذى والضرر بها كما يلحقه بالعدو.. أي أنه (السلاح النووي) سيتحول مع تقادم الزمن إلى عبء حقيقي عليها، في حال عدم استخدامه وإبقائه كسلاح ردع موازن لقوة العدو. فالسلاح النووي مكلف وله استحقاقات هائلة علمياً وتقنياً، كما أن تخزينه والحفاظ عليه وتأمينه مكلف أكثر. ولذلك لا تحتاج سوريا إلى هذا النوع من السلاح، ولا هي بحاجة إلى تشييد مفاعل تأسيسي له.
والجدير ذكره هنا أن سوريا سعت –منذ وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى السلطة في العام 1970م- إلى بناء توازن عسكري استراتيجي مع العدو الإسرائيلي، ولم تخف هذا المطلب الحيوي لأمنها وسلامتها أبداً، ولكن الموضوع النووي العسكري لم يكن وارداً في ذهنية وتفكير القيادة السياسية والعسكرية السورية حتى هذه اللحظة. بل بقي التوازن العسكري التقليدي هو الذي يتحكم بالمعادلة على طول الخط الزمني منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ويبدو لي أن الهدف الرئيسي من وراء تسريب هذا الخبر الإعلامي –غير المطبوخ جيداً في دوائر الاستخبارات الأمريكية والصهيونية- هو ممارسة نوع من الضغط على إسرائيل لمنع حدوث أية محادثات تسوية مع سورية خصوصاً بعد أن أبدت بعض القيادات الإسرائيلية رغبتها في إعادة الجولات المحتل لسوريا وعقد اتفاقية سلام دائم وشامل معها. وربما تكون القضية أيضاً استهدافاً جديداً لسوريا (على خلفية مواقفها القومية الثابتة في رفضها للاحتلالات والانتهاكات الأمريكية في العراق والمحيط المجاور) في محاولةٍ من الأمريكان بناء ملف صدامي متشابك ومتدرج ضد سوريا ينضاف إلى باقي الملفات الشائكة العالقة بينهما، ويمكنه المساهمة –كما يزعمون ويتوقعون- في ممارسة سياسة إنهاك متواصل لسوريا وذلك بهدف جلبها خائرة القوى إلى مذبح التنازلات السياسية هنا وهناك في غير ملف مشتعل في منطقتنا العربية.
وفي الختام نؤكد على أن محاولة بناء مفاعلات نووية أو شراء أسلحة نووية وغيرها مما يضر الإنسانية ويلحق بها الدمار الماحق هو أمر مدان ومرفوض حتى من قبل السوريين أنفسهم قبل غيرهم، وهو انتهاك صريح وواضح للقانون الدولي، ولكن جوهر الموضوع أن سوريا تعرضت منذ البداية لانتهاك خطير لسيادتها، وربما سقط ضحايا وشهداء أبرياء عندما قامت الطائرات الإسرائيلية باختراق الأجواء السورية وضرب الموقع النووي المزعوم، في سابقة دولية (هي بلطجة إسرائيلية معهودة) تمس سيادة دولة مستقلة في زمن السلم.. ولم نسمع يومها –ولا حتى فيما بعد- عن إدانات واضحة وصريحة حتى من أقرب العرب إلينا. كما لم تبادر الجامعة العربية الكريمة إلى تشكيل ملف صلب حول هذا الانتهاك والخرق الفاضح للقانون الدولي مدعوماً بالمعلومات والحقائق لا بالشعارات والخطابات التي لا يفهمها العالم.
وإذا كان قيام دولة ما ببناء أو إنتاج سلاح نووي ونشر أسلحة دمار شامل أمراً مداناً وانتهاكاً واضحاً للقوانين والأنظمة الدولية، فإن قيام دولة عنصرية -كإسرائيل- بالاعتداء السافر على أمن وسيادة دولة عضو في المجتمع الدولي هو أمر خطير أيضاً وينبغي أن يكون –بالحد الأدنى- موضع استنكار واستهجان عربي ودولي وهذا أضعف الإيمان.
وأخيراً بقيت هناك إشارة لا بد منها، تتعلق بكيفية تعاطي وسائل إعلامنا العربية مع هذا الموضوع، حيث أنني أريد أن أتقدم بنصيحة ودية لإعلامنا العربي الحريص جداً -كما يقول!- على العلاقات الأخوية "العربية-العربية" بأن يكون أكثر عقلانية ومهنية ومصداقية في تناوله لهكذا مواضيع حساسة وخطيرة تتصل –في العمق- بالأمن القومي العربي، لأننا مهما اختلفنا كعرب مع بعضنا البعض، لا ينبغي علينا الانخراط في مثل هذه اللعبة الدولية لنسجل نقاطاً سلبية على بعضنا البعض، بغض النظر عن حجم ودرجة خلاف العرب مع سوريا أم درجة خلافها معهم، ففي النهاية سوريا دولة عربية أصيلة وعزيزة على العروبة والإسلام، وهي جزء أساسي من الأمة العربية والعالم الإسلامي، وتتموضع في موقع القلب النابض منهما، وأية اخطار أو تداعيات سلبية محتملة يمكن أن تصيبها –لا قدر الله- ستنسحب نتائجها الكارثية إلى كامل المحيط العربي..وقديماً كانوا يقولون –وهم محقون في ذلك على ما نعتقد- إذا ذلت الشام ذل العرب وإذا عزت الشام عز العرب.

*كاتب وباحث سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني السابق يقع في فخ قانون أقر في عهده


.. -إنسان الغاب- يستخدم نبتة طبية كضمادة لجروحه




.. وفاة نجل البرهان متأثراً بإصابته في حادث مروري بتركيا


.. أردوغان يعلن إغلاق باب التجارة مع إسرائيل وتل أبيب تبحث فرض




.. شاهد: خلال لقاء جمعه مع ناجين من المحرقة النازية.. نتنياهو ي