الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تسلل الشيطان

سعدون محسن ضمد

2008 / 7 / 11
دراسات وابحاث قانونية


الأكل بحد ذاته ليس جريمة يستحق عليها الإنسان حرمانه من الجنة، عليه لم تكن رغبة آدم بالتفاحة هي المسؤولة عن هذا الموضوع، ولا اغواء حواء. فقد كانا بشريين وأرادا فقط اختبار الرغبة والتنفيس عن الغريزة، وهاتان الفعاليتان طبيعيتان جداً بل مقدستان، فلولا الرغبة وتحقيقها لا يمكن للإنسان أن يستمر بالبقاء ويعمر الأرض.
لكن المغزى من قصة النزول هو الاشارة لضرورة مراقبة الغرائز البشرية وتقنينها. فما لا يمكن التنازل عنه هو القانون الذي يجب أن يحكم تصرفات البشر. وهذا ما دفع الإنسانية وخلال رحلتها التاريخية والحضارية إلى سن الأعراف والشرائع. التي هي تعبير مباشر عن المسموح وغير المسموح به من عمليات تحقيق الرغبات.
كل عملية يتم خلالها مخالفة القانون هي جريمة، مهما كانت تافهة أو صغيرة، ومهما كانت المبررات التي تقف خلفها. فالعبرة لا تكمن بمقدار الجرم الناتج عن مخالفة القانون، بل بنفس عملية المخالفة التي يمكن لها في حال حظيت بشرعية ما أن تتحول لسيل لا ينقطع من المخالفات. وهذا هو السبب الذي نزل بالعراق إلى جحيم الاقتتال الداخلي.
في بداية التغيير حدث أول تجاوز على القانون يوم هرع الناس ـ ومن مختلف الطبقات والمشارب والقطاعات ـ نـحو سرقة الأموال العامة. وكانت الجريمة أن حظيت هذه السرقة بشرعنة بعض المؤسسات وأهمها الدينية وسكوت البعض الآخر وأهمها سلطة الاحتلال التي كانت تمسك بزمام الأمور آنذاك. ثم تبع عملية خرق القانون هذه عملية أخطر. أي تلك التي تمثلت بالجرائم العشوائية الجماهيرية التي كانت تستهدف اغتيال أتباع النظام السابق. كانت تلك الاغتيالات تجري بشكل دموي تجاوز كل القوانين والشرائع والأعراف. فمهما كان نظام البعث وصدام بشعين إلا أن ذلك لا يبرر أن يترك حملة السلاح وكثير منهم مراهقون يقيمون المحاكم وينفذون الاعدامات كيفما اتفق. المشكلة أن هذه العملية حظيت باسناد فتاوى صدرت بشكل غير مفهوم من قبل بعض المرجعيات المستقرة في إيران.
هكذا انفتحت علينا أبواب الجحيم. أي يوم ضرب القانون في أكثر مناطقه حساسية (السرقة والقتل) ولو أن المؤسسة الدينية كان لها موقف آخر من هاتين الجريمتين لهان الأمر إلا أن وقوف (بعض) ممثليها مع هذا الخرق شكل سابقة خطيرة على مستقبل الشعب العراقي.
المهم في هذا الموضوع ليس محاكمة المؤسسة الدينية بل السياسية، التي وقفت ـ إذا لم تكن اشتركت ـ بشكل عجيب بل ومحموم بصف جرائم الاغتيال العشوائية التي تعرض لها أفراد البعث المنحل ورجال النظام السابق. وكان يفترض بهذه المؤسسات (الأحزاب) أنها تمتلك تجربة سياسية وميدانية تمكنها من معرفة مخاطر السماح بمثل هذه الظاهرة. هذا بالإضافة إلى أن أغلبها أحزاب دينية ما يفترض أن يشكل عامل ردع أمام عمليات القتل التي لا تستند لمحاكم مدنية أو على الأقل شرعية. لكن يبدو أن احزابنا لا تؤمن بضرورة تطبيق القانون على جميع الأصعدة وفي مختلف الظروف، بل تؤمن بأن القانون وسيلة لتحقيق غايات الحزب فقط. لا ضابطة يتم الاحتكام إليها باعتبارها فوق جميع الآيديولوجيات والشخصيات. وهذا ما يدعونا لمراقبة سلوك الحكومة وهي تطبق القانون بحذر شديد، فقد تخترقه خلال قيادتها لحملة تطبيقه.
كانت عمليات الخرق تلك والسكوت عنها، هي التفاحة التي أدخلت الشيطان لأرض العراق. وقد ذهبت جميع تحذيرات المثقفين والمراقبين من خطورة تلك الظاهرة. ومن خطورة شرعنتها أدراج الرياح. فقد كانت الرغبة بالانتقام جامحة حد أنها أعمت أعين أهم رجالات السياسة العراقيين عن خطورة انتهاك القانون.
ما حدث قد حدث، وثقافة الاستهانة بالقانون تمكنت من شرائح كبيرة من المجتمع بفضل تواطؤ أهم مؤسستين تتأثر بآرائهما تلك الشرائح وهما المؤسستان الدينية والسياسية. عليه يجب علينا أن نراقب عمليات الالتزام بالقانون داخل هاتين المؤسستين، إذ يبدو واضحا أن الكثير من ملاكاتهما لا يعرفون المغزى الحقيقي له ويفتقرون بالتالي للحد الأدنى من الثقافة الاجتماعية التي تحميه وتساعد على تطبيقه.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من


.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز




.. مأساة إنسانية في غزة.. أكثر من 37 ألف قتيل ونصف مليون تُحاصر


.. مسؤول إسرائيلي لـ-أكسيوس-: حماس رفضت مقترح بايدن لتبادل الأس




.. سرايا القدس: لا نعلم إن كانت المعاملة الطيبة مع الأسرى ستستم