الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثلما النسمة من بردى!

إكرام يوسف

2008 / 5 / 17
كتابات ساخرة


"مر بي يا واعداً وعداً مثلما النسمة من بردى، تحمل العمر تبدده، آه ما أطيبه بددا". .صوت فيروز ينساب ملائكيا من مذياع بيتنا القديم.. طفلة كنت لم أزل دون العاشرة، صيغت مشاعرها ضمن جيل تربى على أناشيد وأشعار، وشعارات ملخصها "بلاد العرب أوطاني"!.. سوريا بالذات حظيت بمكانة خاصة في القلب.. امتزجت بطعم الحسرة في صوت مدرسين.. على حلم قالوا لنا أن "الأعداء" أجهضوه قبل دخولنا المدرسة!.. عندما تلوح الفرصة بعد أربعة عقود لزيارة دمشق، تصحو عصافير الأحلام وتزقزق فرحة مهللة..توق لا حدود له للتعرف عن قرب على "سوريا الشقيقة" كما تعلمنا، و"القطر الشمالي" كما كان يردد من سبقونا إلى المدرسة بسنوات قليلة. استعيد صوت فيروز" أنا حبي دمعة هجرت إن تعد لي أشعلت بردى".. لم تستطع دروس الجغرافيا أن تطبع في ذهني وروحي صورة نهر "بردى" ملثما فعل صوت فيروز..
في التاكسي الذي أقلنا من المطار، اكتشفت تشابها يصل إلى حد "التوأمة" بين شوارع دمشق والكثير مع شوارع القاهرة.. نمر من شارع إلى شارع فأشير إلى زوجي "هذا شارع قصر النيل، وهذا ميدان روكسي، أما هذا فشارع الجيش".. بالطبع لم تكن هذه أسماء شوارع دمشق لكنني كنت أقصد مدى التماثل بين هذه الشوارع مع شوارع القاهرة مع اختلاف في سعة الشوارع ونسبة الازدحام.. صدق السائق على ملاحظاتي قائلا أنها ليست المرة الأولى التي يسمع فيها هذا الكلام من مصريين يقلهم من مطار دمشق في زيارتهم الأولى.. لم نستطع مقاومة الفضول، فما أن وضعنا حقائبنا في الفندق حتى انطلقنا خارجين.. الإثارة مع جو المدينة الدافيء في بداية الشتاء شكلا معا دافعا قويا لتفضيل التمشية على الأٌقدام.. قيل لنا أن الفندق يطل على النهر.. وما أن لامست أقدامنا رصيف الشارع حتى صفعتنا المفاجأة التي لم تخطر على بال..ليس هناك بردى!.. مياه النهر في دمشق جفت!، ولم يعد باقيا من آثاره سوى سورين متقابلين، كانا يقفان قبل خمس عشرة عاما على ضفتيه!.. اعتصر القلب حزن محبط.. لذت بمشاعر الفرحة التي اختزنتها للقاء الشام لأبعد عن ذهني التفكير فيما شعرت به "فيروز" عندما بلغها نبأ حفاف نهر بردى..
اكتشفت أيضا تماثلا كبيرا بين الدمشقيين والقاهريين، ابتسامة مرحبة ترتسم تلقائيا على وجه من تستوقفه لتسأله عن الطريق، نفس التعاطف الودود مع "الضيوف".. لاحظت أن دمشق ـ الآن ـ تشبه كثيرا القاهرة في متصف السبعينيات، مظاهر انفتاح أولية، تبدت في أسماء أجنبية تلوح على استحياء من هنا وهناك على لافتات بعض المتاجر.. وكافيتريات غربية المظهر يجلس فيها شباب حرصوا ـ لتوهم ـ على مجاراة صرعات أجنبية في الملابس وتسريحات الشعر، واستخدام مفردات لغات مختلفة بلا داع في معظم الأحيان.. قيل لنا أن هناك بوادر لتشجيع رأس المال العربي والأجنبي تذكرت الراحل أحمد بهاء الدين وتعبيره اللماح "انفتاح السداح مداح".. أشفق من تأثير سنوات الانفتاح القادم على "دور" الشام القديمة، التي تحولت إلى مطاعم فولكورية، مازالت تحمل عبق ماض تليد، بزخارفها المميزة وطابعها شديد الخصوصية، بل وحتى طريقة تقديم الأطعمة السورية شهية المذاق، وبأسعار معقولة.
أغنية صباح "م الموسكي لسوق الحميدية"، تحث خطانا إلى السوق الأشهر، نفس زحام الموسكي، ونفس المعروضات تقريبا، منتجات يدوية صنعت بأيد وطنية ماهرة توارثت الصنعة عن الأجداد.. والمدهش أن بعض المعروضات جاءت بالفعل من الموسكي لتعرض في سوق الحميدية!.. حتى أسلوب الباعة في "اصطياد" الزبائن لم يختلف.. كان الإرهاق قد بلغ بنا منتهاه حين قررنا العودة للفندق متغلبين على جميع محاولات الباعة جذبنا.. نجح بعضهم في التخمين، فخاطبنا بلهجة مصرية "مش لازم تشتروا.. اتفرجوا بس".. "خدوا فكرة".. يا الله.. نفس طريقة اعتراض الزبائن، ونفس الإلحاح.. أطبق علينا أحدهم بإلحاح لم نستطع معه فكاكا.." تعبت من السير سأعود غدا".. "خدي فكرة بس".. "تعبانة مش قادرة أقف".. ظهر مقعد خشبي صغير في لحظة "استريحي واتفرجي"..في ثوان، كان يعرض علينا مفارش سفرة.. أبديت إعجابي بأحدها قائلة "سأحضر غدا لأراه بالنهار".. بلهجة صياد لمح ضعف الفريسة "هو بثمانية آلاف ليرة خذيه بسبعة ونصف".. "باقول لك تعبانة وحاجي بكرة".. "خلاص خذيه بستلاف".. ظللت أكرر اعتذاري بالتعب، وهو "يفاصل" نفسه ..إلى أن وصل بالثمن إلى ثلاثة آلاف ليرة فقط.. عند هذا الحد قرر زوجي إنهاء الموقف بالشراء.. وعدنا للفندق ونحن نضحك.. فأنا وهو لانجيد بالمرة فن التعامل مع الباعة، ونعرف أننا لو كنا ذهبنا وفي ذهننا الشراء لكنا قبلنا السعر منذ أن قال أنه سيعطينا المفرش بسبعة آلاف ونصف، وكنا سنفرح لأننا حصلنا على خمسمائة ليرة خصما!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟


.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و




.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا


.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف




.. فرحة الفنانة أمل رزق بخطوبة ابنتها هايا كتكت وأدم العربي داخ