الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقيد القذافي

ناجح شاهين

2004 / 1 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كان العقيد معمر القذافي قد توصل إلى الفوز بالسلطة وهو في سن مبكرة أكثر من المعتاد. فقد نجح انقلاب متقن في إحضاره إلى أعلى قمة هرم السلطة وهو لم يكمل العقد الثالث من العمر. وقد أبدى الشاب " الملهم " حماسة منقطعة النظير لمشاريع الثورة والقومية على السواء. وليس ذلك بمستغرب بالنظر إلى أن الشاب كان ناصرياً من الألف إلى الياء. ولذلك فقد سعى على الفور إلى عقد وحدة اندماجية مع مصر. ولكن موت عبد الناصر المفاجئ قلب الأمور عاليها سافلها، وبعثر الأوراق السياسية بشكل غريب. وسرعان ما سيقع القذافي فريسة خلافات لا تنتهي، خصوصاً مع خلفاء عبد الناصر في القاهرة. وفي الوقت الذي يسلك فيه هؤلاء نهجاً براغماتياً ذو صبغة تغريبية تؤمن من البداية أن أوراق الحل في يد الولايات المتحدة – وهو ما قادهم في خاتمة المطاف إلى توقيع اتفاقية صلح شهيرة مع إسرائيل – فإن القذافي ركب موجة الثورية إلى درجة المزاودة على الاتحاد السوفييتي راعي حركات التحرر في ذاك العصر، بل وحتى على منظمات الرفض الفلسطينية ذاتها. لقد كان زماناً غريباً يوفر للمرء الفرصة لأن يشتم الشيوعية ويتشدق بعدائه لها، ومع ذلك يتمتع بكل الحماية التي يوفرها توازن القوى والمصالح الذي تفرضه طبيعة قواعد التنافس بين المعسكرين أثناء الحرب الباردة التي استمرت زهاء أربعين سنة، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى تفكك الاتحاد السوفييتي قبل عشر سنوات على وجه التقريب.
في ذلك الزمن كان يمكن لعشرة أفراد أن يؤسسوا منظمة تستعصي على سي.آي. اي بفضل توازن القوة الذي كان يسمح لبلدان أصغر من الفاتيكان بالتمتع بحد عال من الاستقلالية عبر اللعب على الحبال وعلى التوازنات. وقد كان للقذافي مثل غيره حق التمتع بهذه النعمة حتى عام 1986. وفي غضون سنوات طويلة بالنسبة لعمر الفرد تمكن القذافي من توزيع البضاعة الثورية عبر إذاعاته الكثيرة دون خوف أو وجل. بل إنه على الأرجح قد تورط بالفعل في عدد من الأعمال التي لا ندري أين نصنفها على وجه الدقة.
ولعل من أبرز مشاريع العقيد في تلك الأزمنة إضافة إلى مشروعه الفاشل بامتياز بخصوص الوحدة بالعربية مشروعه المشهور " لشراء " قنبلة ذرية. ومن المعروف أن العقيد بعد نجاح انقلابه الذي تسميه إذاعة ليبيا " ثورة الفاتح من أيلول"  بوقت قصير أرسل الرجل الثاني في " الثورة " عبد السلام جلود إلى الصين ليبتاع قنبلة نووية صغيرة. وقد فوجئ " نظيره " الصيني شوإن لاي بذلك. وبكل التهذيب وطولة البال الصينية حاول الرجل أن يوضح أن القنبلة ليست للبيع. وأن على ليبيا أن تنتج قنبلتها بنفسها. ولكن القذافي لم يفهم، وظل يسعى على امتداد السنوات التالية لشراء العلم والعلماء والأسلحة معتمداً على كنز علي بابا الذي ظهر في أرض العرب ليكون نقمة لا نعمة.
لابد أن مخابرات الولايات المتحدة مثلما مخابرات غينيا وكل أجهزة التجسس في العالم وخصوصاً صاحبة الاهتمام " الموساد " تعلم علم اليقين أن البرنامج الليبي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل سيئة الصيت في حالة العرب دون غيرهم لم يتجاوز مستوى الكلام. وفي أحسن الأحوال توصل إلى مستوى البحث النظري، أي مرة أخرى بقي في مستوى الكلام. لكن العقيد الليبي طلع علينا مؤخراً برغبة مسيحية طيبة تتمثل في نيته " التخلي " عن أسلحة الدمار التي للأسف نقول لا يمتلكها أصلاً. وهو أمر مضحك بالفعل لأن أحداً في العالم لا يرغب في تصديقه وهو يقول بأعلى صوته: هلموا لتشرفوا على تفكيك برنامج الأسلحة الليبي. وعلى الرغم من الحمار الذي ركبه الرجل بالمقلوب والطبل الذي يحمل ويؤذن به في القبائل أن لديه سلاح أي سلاح، فإن أولاد اللئام يكتفون بالابتسام من كل القصة. وقد يبدو للبعض أن ما يحدث هو جزء من جنون العقيد المعروف. لكن الرجل، والحق يقال، وعلى الرغم من سذاجته التي تصل حد الغباء أحياناً إلا أنه في الواقع في هذه الحالة ليس غبياً تماماً، بل لعله ليس غبياً أبداً. ألم يوضح صدام حسين ألف مليون مرة أنه لا يمتلك أسلحة دمار شامل. ألم يقبل الرجل أن تفتش الأغراض الشخصية لزوجته وبناته وأولاده بل وحتى أغراضه الشخصية بما في ذلك غرف النوم ذاتها؟ فماذا كانت النتيجة ؟ لقد كان على صدام أن يظهر أسلحة الدمار لتي لديه وإلا.. وقد شاهدنا جميعاً عواقب ذلك التهديد والذي انتهى باحتلال العراق واعتقال صدام حسين نفسه وتشتت أسرته، وبقية تفاصيل القصة المأساوية التي غطت على كل المآسي من جلجامش وأوديب وحتى سياتل ونورييغا.
لقد تعلم القذافي على حساب غيره ودفع الفاتورة عنه آخرون. وعلينا في الواقع أن نقر بأن القذافي من هذه النواحي كان دائماً رجلاً ذكيا.ً ويستطيع عبر التضحية ببعض الكباش أن يحافظ على رأسه في أصعب الظروف. وهي في كل الأحوال لعبة يتقنها الزعماء العرب جميعاً، لكن القذافي للإنصاف من أحذقهم. وهو يمتلك تلك الروح التي تجعله يلتقط الاتجاه الصحيح للبوصلة وفي الوقت المناسب تماما. وهو لا يضيع طريق النجاة أبداً. وربما أن علينا أن نتذكر كيف تراجع بسرعة شديدة عندما قصف منزله ومقره في طرابلس عام 86 من قبل الطيران الأمريكي الرابض في الأسطول السادس أحد سكان البحر المتوسط. لقد انخفض إيقاع القذافي إلى العشر تقريباً وتحول إلى رجل هادئ لا يحب الضوضاء والانفعالات على الرغم أن طموحاته كان لا يحدها حد ولا قيد. فقد كان لديه طموح توحيد العرب تحت رايته القومية وضم أرجاء واسعة من أفريقية وكذلك وربما من نافل القول إبادة إسرائيل. أما تدمير الشيوعية فقد كان هدفاً معلناً تشاركه معه أيضاً الرئيس صدام على الرغم من أن "إمبراطورية  الشر" تلك كانت توفر لهما الحماية اللازمة لقول ما يشاءان على أقل تعديل.
 لقد كان عالماً مليئاً بالأحلام التي لا ينقصها الإخلاص، وإنما ينقصها بالطبع الوعي بالإمكانات الحقة. وعندما يكون هناك وجود معقول لمصادر القوة ويحدث السقوط فإن ما يحدث هو المأساة كما في حالة عبد الناصر وبدرجة أقل صدام، ولكن عندما يكون البون شاسعاً بين الحلم والواقع فإن الأمر يغدو ملهاة، وربما كما في حالة العقيد تهريجاً صريحا. ولأن الأمور هي على هذا النحو نستطيع أن نفسر كيف ينتقل العقيد من موقع إلى نقيضه بسهولة تامة. وكيف تصغر الجماهيرية الشعبية الاشتراكية العظمى التي تريد كل شيء بما في ذلك تقديم نظرية تتجاوز النظرية الماركسية و" الرأسمالية " على السواء، أقول تصغر الجماهيرية إلى مستوى عميل صغير يريد الرضا ويريد الإقرار بالذي لا يطالبه به أحد فيركله السادة متضاحكين، لأنهم ليسوا في حاجة إلى أدواره الصغيرة بعد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل مؤلمة! | نادين الراسي


.. قصف عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نحو عشرة ملايين تونسي مدعوون للتصويت في انتخابات رئاسية تبدو


.. تساؤلات عن مصير قاآني.. هل قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس




.. بتقنية -تايم لابس-.. توثيق لضربات إسرائيلية عنيفة على بيروت