الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا مدفيديف 00 قراءة في تحديات المرحلة القادمة

محمد بن سعيد الفطيسي

2008 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


أدى الرئيس الروسي الجديد ديمتري مدفيديف يوم الأربعاء الموافق 7 / 5 / 2008 م , اليمين الدستورية ليتولى بعدها رئاسة البلاد ، خلفاً لبطلها القومي الوطني الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين , والذي حكم روسيا الاتحادية لمدة ثماني سنوات خلت , استطاع فيها وبكل جدارة أن يعيد للإمبراطورية الروسية الكثير من مكانتها الدولية الإستراتيجية التي فقدتها بانهيار الاتحاد السوفيتي , وكما توقع الجميع فقد عرض ديمتري مدفيديف على البرلمان الروسي تعيين بوتين رئيسا للوزراء , ليبقى هذا الأخير في دائرة الضوء من جديد 0
وبالفعل فقد أقر مجلس الدوما الروسي " مجلس النواب " يوم الخميس 8 / 5 / 2008 م ترشيح فلاديمير بوتين لمنصب رئيس الحكومة ، وقد أيد ترشيح بوتين لها المنصب 392 نائبا , في الوقت الذي يتطلب فيه إقرار الترشيح تصويت 226 نائبا ، وعارض ترشيحه 56 نائبا ، في الوقت الذي لم يمتنع فيه أي نائب عن التصويت , لتدخل روسيا الاتحادية بعدها مرحلة جديدة من التحديات والتحولات , يتوقع لها أن تكون سنوات قاسية و صعبة للغاية من جهة , وخصوصا كونها - أي – روسيا الاتحادية , تعيش فترة من التقدم والنهوض والاستقرار المخيف للبعض , ورائعة من ناحية أخرى , كونها ستشكل بقية الرؤية القومية للإمبراطورية الروسية , كما أراد لها ذلك مؤسسها الحديث فلاديمير بوتين 0
لذا فإننا ومن خلال هذا الطرح سنحاول قدر المستطاع استشراف تلك المرحلة المستقبلية , وما قد يتخللها من إشكاليات وتحديات على الصعيد العالمي , وعلى وجه التحديد في بعدها الجيواستراتيجي والجيوبوليتيكي , الذي قد تواجهه الإمبراطورية الروسية في عهد قيصرها الجديد ديمتري مدفيديف , ورئيس حكومتها فلاديمير بوتين , وعلى وجه الخصوص من خلال استشراف مستقبل العلاقات الروسية الاميركية , وما قد يتخللها من تحديات وإشكاليات جديدة , نتصور أنها ستشكل طبيعة تلك المرحلة المستقبلية القادمة للإمبراطورية الروسية 0
وبداية وقبل الخوض في تفاصيل أبعادها الدولية , كان من الضروري ذكر بعض النقاط التي ستشكل البعد المحسوس للمرحلة القادمة لسياسات الإمبراطورية الروسية الإستراتيجية , ومن أبرزها على الإطلاق , الدرع الصاروخي الاميركي في أوربا الشرقية والوسطى , والذي تصر روسيا على رفضها له , كونه يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي الاستراتيجي , وتوسيع حلف الناتو ليقترب من حدود روسيا وذلك بضم كل من أوكرانيا وجورجيا , والذي ظلت روسيا تعارض امتداده منذ أول فكرة لاتساعه في عام 1999 , ولنفس السبب الأمني السابق , انظر مقالنا " نحو سيناريو شبيه للحرب الباردة " 0
المهم في الأمر أن روسيا الاتحادية اليوم تدخل مرحلة جديدة , لا يمكن اعتبارها مرحلة للبناء فقط , بقدر كونها مرحلة للمحافظة على ما تم بناءه من انجازات عظيمة في الفترة الماضية , وخصوصا على مستوى السياسة الداخلية , والتي تخطت فيها روسيا عقبة الانكسار والإحباط والتبعية , فما تم انجازه على يد القيصر فلاديمير بوتين خلال سنوات حكمه , ليعتبر بحق وسام تميز لرجل استطاع أن يعيد الحياة لشرايين جسد الإمبراطورية الروسية الميت , فعلى سبيل المثال لا الحصر , شهد الاقتصاد الروسي في عهده نموا سنويا تجاوز 7 % ، عدا عام 2005 عندما شهد اجمالى الناتج المحلى نموا بنسبة 6.4 % , وارتفعت النسبة الى 8.1 % عام 2007 , كما انخفض معدل الباحثين عن العمل في روسيا الى 6.1 % مع نهاية العام 2007 م ، وارتفع الدخل النقدي الحقيقي للمواطنين بنسبة 10.4 % من نفس العام , مقارنة بعام 2006، وفقا لما ذكرته هيئة الإحصاء الفيدرالية الرسمية 0
لذا فان المحافظة على هذه الانجازات الداخلية , سيكون الهم الشاغل للقيصر الجديد ورئيس حكومته ووزرائه فلاديمير بوتين , وهو ما أكده ميدفيديف الذي قال في أول تصريح له عقب انتخابه , الى أن روسيا تملك الآن ما يكفي من الموارد اللازمة والفهم الدقيق لتحقيق مصالحها القومية ومواصلة نهوضها وازدهارها , مركزاً بصورة خاصة على ضرورة الالتزام بمبادئ القانون التي تعتبر شرطاً مهماً لتنمية الاقتصاد والمجال الاجتماعي ومكافحة الفساد، وهذا ما يخدم بصورة لا تقل عن ذلك قضية تعزيز دور روسيا في الأسرة العالمية ويسهم في انفتاحها على العالم وحوارها الإيجابي المتكافئ مع الشعوب الأخرى , والفكرة ذاتها أكدها أيضاً الرئيس السابق فلاديمير بوتين والذي اعتبر، عند نقل مقاليد السلطة الى الرئيس الجديد، أنه من المهم للغاية الاستمرار في خط تنمية روسيا الذي برر نفسه تماماً في غضون السنوات الماضية انطلاقاً من وجهة نظر مصالح المواطنين.
أما على مستوى السياسة الروسية الخارجية , وهو ما يهمنا في هذا الطرح , فان الواضح هو استمرار النهج الذي سارت عليه روسيا الاتحادية خلال عهد الرئيس السابق ورئيس الحكومة الحالي فلاديمير بوتين , حيث انه اعتبر- أي – ذلك النهج والتصور القومي إلي انتهجه بوتين خلال فترة حكمه , من أهم ثوابت السياسية الخارجية المستقبلية الروسية الحديثة , وليست فكرا شخصيا حمله فقط ولابد أن يسير عليه مدفيديف من بعده , انظر مقالنا " في ظلال الهيمنة " وبالتالي فانه من الصعوبة أن يتغير ذلك الثابت وان لان في بعض الأوقات , وذلك بهدف تسيير سفينة العلاقات الدولية , كونه قد أصبح يجسد مكانة روسيا الجديدة في الداخل والخارج 0
ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض تلك الثوابت السياسية التي نتصور استمرارها خلال فترة حكم ميدفيديف لروسيا " 2008 – 2012 " , وهو ما قصدناه بالبعد الجيواستراتيجي والجيوبوليتيكي المحسوس للمرحلة القادمة لسياسات الإمبراطورية الروسية الإستراتيجية , وأبرزها على سبيل المثال لا الحصر , بقاء الطابع القومي الوطني المتشدد على جل السياسات الروسية الخارجية , وان كان ذلك سيتسبب باستمرار البرود السياسي وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية وأوربا , والذي سيؤكده استمرار الرفض الروسي للدرع الصاروخي الاميركي , ووقوف روسيا في طريق توسع حلف الناتو , مع استبعاد اتساع إطار الخلافات الروسية الاميركية الى درجة الخصام الاستراتيجي في الوقت الآجل على اقل تقدير , كما يشير الى ذلك وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر – من وجهة نظره الشخصية - , حيث أشار هذا الأخير وفي لقاء بثته القناة التلفزيونية الروسية روسيا اليوم , على انه لا يصدق بأن الولايات المتحدة وروسيا ستتحولان إلى خصمين استراتيجيين , وأكد ثقته بأن مسألة الدفاع الصاروخي لن تصبح مصدر خطر على العلاقات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا إذا ما جرى الالتزام بالاتجاه العام لبيان " بوتين – بوش " المشترك الموقع في سوتشي 0
ولكن وفي نفس السياق يعرب الرئيس الروسي السابق ميخائيل جورج باتشوف وفي مقابلة نشرتها صحيفة " ديلي تلجراف " بتاريخ 7 / 5 / 2008 م , عن خشيته من أن تتسبب الولايات المتحدة الاميركية بحرب باردة جديدة بنشرها لصواريخ إستراتيجية في أوربا الشرقية والوسطى , واعتبر هذا الأخير انه لا يمكن قبول موقف واشنطن القائل بان الدرع الاميركية المضادة للصواريخ في بولندا والجمهورية التشيكية و يهدف الى الرد فقط على خطر دول مارقة مثل إيران , مؤكدا الى أن الدفع العسكري الاميركي في أوربا الشرقية وهي المنطقة التي تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي السابق يهدف الى احتواء نهضة روسيا , ويتابع جورج باتشوف قائلا :- اشعر أحيانا أن الولايات المتحدة ستخوض حربا على العالم اجمع , وأكد أن نشر تلك الصواريخ يعتبر تحولا الى مرحلة اعلي في السباق نحو التسلح العالمي , تشبه تلك التي كانت أثناء الحرب الباردة 0
ونتصور – من وجهة نظرنا الشخصية – بان المرحلة القادمة تؤكد توجه الطرفين الى المواجهة السياسية ومنها الى ما يشبه سيناريو الحرب الباردة , وخصوصا في حال استمر الطرفين في سلك طريق التحدي وعرض العضلات ورفع مستوى التسلح التقليدي , كما نشاهد ذلك من قبل الولايات المتحدة الاميركية من خلال النقاط سالفة الذكر وغيرها , وهو ما دفع الطرف الروسي الى السير على نفس المنوال , وذلك من خلال عدد من النقاط , والتي كان أخرها تصريح بوتين بتاريخ 8 / 5 / 2008 م , أمام مجلس النواب بضرورة زيادة العتاد العسكري الروسي , ورغبته في تطوير عدد من الأسلحة الإستراتيجية وغيرها , وذلك بهدف مواكبة التطورات العالمية في هذا الجانب الهام , مع التأكيد على دخول عدد من الحلفاء مع كلا الطرفين الى دائرة ذلك الصراع المحتمل كالصين وعدد من الدول الأوربية , وبعض دول أسيا وأميركا الجنوبية 0
ومما يثير تلك المخاوف ويؤكدها , بروز بعض صور ومظاهر المواجهة النفسية والإعلامية بين الطرفين خلال الأيام الماضية , كرغبة القيادة الروسية عودة العروض العسكرية الى الساحة الروسية الحمراء بموسكو , ولأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي , لتضم عددا من الأسلحة الروسية المتطورة من بينها صواريخ "توبول أم" العابرة للقارات القادرة على حمل رؤوس نووية ، في دلالة على تعافي القوة العسكرية الروسية , كذلك من خلال تهديد روسيا بزيادة قواتها العسكرية في إقليم أبخازيا الانفصالي إذا واصلت جورجيا تعزيز وجودها العسكري على حدود المنطقة ، وذلك عقب تأكيد القيادة الجورجية عزمها الطلب من الاتحاد الأوروبي إرسال قوة سلام أوروبية إلى الإقليم , وأخيرا من خلال دعوت عدد من المشرعين الامركيين الكبار كالسناتور الجمهوري نورم كولمان والسناتور الديمقراطي ايفان بايه للرئيس الأمريكي جورج بوش إلى تعليق معاهدة التعاون في المجال النووي المدني مع روسيا حتى يتم حسم المخاوف بشأن علاقات روسيا النووية مع إيران , و- باختصار شديد – فان فترة مدفيديف ستكون مرحلة التحدي الحقيقية للإمبراطورية الروسية في السنوات المقبلة 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة