الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام القبض على الدكتاتور( الأخيرة) ثلاثة قوانين للموت

حمزة الحسن

2004 / 1 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تاريخ هذا الدكتاتور هو تاريخ الدولة الفاشية وهو كذلك الصورة النمطية المعيارية للسياسي العراقي أمس واليوم، أي السياسي الداعية الموكول، حسب قناعته، من التاريخ، ومن المجتمع، ومن الغيب، بإعادة رسم الحياة على  صورته وهي صورة ممسوخة بلا أدنى شك.

ومن الجهل تجاهل أن هذا الدكتاتور هو أفق مسدود، وهو ثقافة غير مفحوصة، وهو شخصية الجلواز العراقية الشهيرة التي تعيد طرح نفسها في كل مرحلة بصورة مغايرة. فتاريخ السياسة العراقية المعاصرة هو تاريخ الجلاوزة بتعبير المرحوم علي الوردي!


هذا الدكتاتور ليس واحدا في كل الحقب بل تعدد وتنوع واختلف مع  تطورها: إنه بعبارة موجزة تاريخ تغوّل الدولة. ولا أعني بأن الدكتاتور (ليس واحدا) هو تحوله من ملاك إلى شيطان حسب فكر الثنائيات التافه، بل المعني هنا تنوع أشكاله وممارساته بناء على قوة الدولة.

لذلك فلقد اعتمد على ثلاثة قوانين للقمع حسب كل ظرف وحاجة وجهة وعدو وزمن وسلسل الأسبقيات في ضوء عوامل حسبها أول الأمر بدقة.

هذه القوانين الثلاثة استعملت مسلسلة كالتالي:
أولا: قانون الاستدراج:
 أي استدراج الخصم إلى تحالف ثم تنفيذ القانون القمعي الثاني حسب الظروف والأحوال.

ثانيا: قانون التشهير:
 وهذه القانون يستعمل حين تصبح عملية ( تصفية) الخصم أي القانون الثالث، حاجة ملحة وضرورية وسنرى ذلك عبر الأمثلة الواقعية من تاريخ قريب.

ثالثا: قانون التصفية:
وهذا القانون استعمل مع خصوم أقوياء حين صارت الدولة الفاشية عاتية ومعبأة بترسانة من الأسلحة والحلفاء والأموال وفائض هائل من الثروة مع مؤسسات ونقابات منظمة تنظيما بوليسيا.

لكن متى يستعمل قانون الاستدراج؟ ومتى يستعمل قانون التشهير؟ ومتى يستعمل قانون التصفية؟ وهل هذه القوانين تعمل بهذا التسلسل؟ ألم يقفز في ظرف أو حالة من قانون إلى آخر كأن يقفز مثلا إلى التصفية بدون المرور بمرحلتي الاستدراج أو التشهير لأن هامش الوقت لا يساعد أو في أضيق حال ولأن العدو ناضج لقطع الرأس في مناخ سياسي محلي ودولي مساعد؟

في محاولة تفكيك ذهنية الدكتاتور يجب، كما في كل علم، معايشة أو الاقتراب من الظاهرة وهنا من طريقة تفكيره وفحص المقدمات والنتائج عن قرب دون اللجوء، كما هو سائد في لغة الخطاب السياسي اليوم وقبله إلى الشتم السياسي لأن هذا لا ينفع في تحليل ظواهر سياسية ونفسية مركبة ومعقدة وهو يصلح في كتابة أعمدة صحفية بائسة لا أكثر ربت الجمهور منذ عقود على أن فن الخطاب السياسي هو فن شتم السلطة: وخطاب من هذا النوع هو خطاب سلطوي مهما تظاهر بالعداء لسلطة لأن السلطة هي الأخرى خطاب أجوف وهي لغة وشرك.

قانون الاستدراج  استعمل يوم كانت الدولة في بداية تأسيسها كفاشية نامية مستترة تعمل في قبو من خلال رمزها الأول. وقد استعمل يوم كانت الدولة تحتاج إلى حلفاء في الداخل والخارج وإلى مال وإلى تكوين أجهزة. وبعد تأميم النفط سنة 72 انتقلت الدولة( والدكتاتور الخفي) من مرحلة استدراج الخصوم  إلى مرحلة التشهير: أول من وقع في الفخ هو الحركة الكردية التي استدرجت في اتفاقية 11 آذارعام70 في ظروف ضعف الدولة ثم  تم الانتقال بعد ذلك إلى قانون( التشهير) بحجة عدم وفاء والتزام الحركة بهذه الاتفاقية، ومن الطبيعي أن يتم الانتقال فورا إلى القانون الثالث وهو: التصفية. حدث ذلك في سنوات 74،75.

كنت يومها في مضيق برسلين في لواء عسكري هجومي بعد أن خضنا في الشتاء معارك دامية  على جبال  زوزك وتاتان وسري حسن بيك وقبلها نواخين ومضيق كلي علي بيك وانتظرنا موسم الربيع لاستئناف الموت. وكان مقرنا يومذاك هو بلدة ( ديانا) الفاتنة الواقعة في سهول راوندوز، تحت القصف اليومي، وهي بلدة خربت تماما في ذلك الوقت. وحين أعلنت حالة التأهب في ربيع آذار عام 75 كنا على موعد مع  معارك ضارية خاصة وأن الطريق هذه المرة سيكون الدخول في قتال شرس خطوة خطوة من خلال مضيق هو مضيق برسلين المؤدي إلى مدينة كلالة وجومان ورايات وحاج عمران.

وحين توغلنا أول الأمتار في المضيق أعلنت اتفاقية الجزائر في 5 آذار فشعرنا كجنود بفرح عاصف بعد أن تخلصنا من عذابات كثيرة محتملة. أتذكر جيدا كيف أن المرحوم اليوسفي عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي قد سلم نفسه في المكان الذي تواجدت فيه وكيف قام  آمر الوحدة  المقدم يحيى الإمارة بأداء التحية له في بادرة لطف وحساسية وأدب ورجولة لقائد ومناضل خذلته مصالح دولية وأجهضت ثورته. فهل تعلم الأكراد شيئا من هذه المأساة؟!

ولا أريد الوقوف طويلا عند الجانب الشخصي من هذه القضية( هل هو حقا شخصي؟! وهل عندنا سيرة شخصية خارج تلك السلطة؟!) ولكني أريد أن أشير فقط إلى حادثة قد تكون لها دلالة: دخلت مقر الحزب الشيوعي العراقي ـ القيادة المركزية، جماعة إبراهيم علاوي ـ وهو قائم في قاع جبلي أسفل جبل يسمى جبل السلام قريبا من كلالة رغم أن الأوامر تشدد على منع الدخول إليه وهو مهدم . وجدت وأنا أبحث خلسة بالأوراق منشورا سياسيا عن تأميم النفط الذي احتفل به "الحزب الشيوعي العراقي!".

يقول العنوان العريض للمنشور: ما هو الفرق في أن يكون النفط بيد شركات استعمارية وبيد سلطة وحشية؟!

شعرت بغصة بكاء وخرجت وأنا ألتقط الهواء بيدي لأني كنت أختنق: إلى أولئك البواسل أصحاب الحس النقي الثاقب المجهولين الذين عادوا للعمل اليوم في العراق ( أبطال القيادة المركزية) أعمق تحيات الود من الجندي الذي راح ينبش في أوراقهم لكي  يحفظ لهم ما نسوه أو ما تركوه للأجيال ومنها رسالة من رفيق  بخط اليد إلى المرحوم زكي خيري يعاتبه كثيرا على مواقف!

والآن جاء الدور( لتصفية) الحزب الشيوعي العراقي المحتفل بالتأميم  بعد أن تم استدراجه في تحالف عام 73 .ولكن ذلك لن يمر إلا من خلال قانون القمع الثاني وهو (التشهير): وهنا أعلن عن ضبط تنظيم للحزب الشيوعي في الجيش كمقدمة للتصفية التي بدأت من سنة78 وشملت الحزب والأصدقاء: وكما وجدت نفسي أحارب على جبال كورك وتاتان وهندرين ضحية سياسات لا ناقة لنا فيها ولا جمل وجدت نفسي مرة أخرى في السجن بعد تلك الحملة الضارية على الحركة الوطنية: وكنا معا في غرفة واحدة في زنازين الأمن العامة في 23 /5/79 الشاعر عريان السيد خلف، والمناضل المرحوم صفاء الحافظ، والدكتور المختفي كبة، والأخ سمير الحلواني شقيق جاسم الحلواني عضو اللجنة المركزية للحزب، والمهندس على شمة النعماني( أصيب بخرس من إثر التعذيب وفقد النطق من حسن الحظ لأني كنت في حوار معه قبل يوم واحد في بار سرجون!) وكفاح الجواهري ـ ابن الشاعر ـ وأنا الأعزل الذي يدخل  إلى الحروب والسجون لحسابه الخاص بلا حزب ولا أيديولوجيا ولا قبيلة ولا حتى ملابس محترمة ويخرج الجميع أبطالا إلا هو فيخرج إلى المنفى ثم العزلة كذئب جريح يلعق جراحه وذكرياته بصمت!

حاول النظام مع الحركة الإسلامية فلم ينفع قانون الاستدراج لأن موقف هؤلاء على اختلاف أطيافهم كان حازما من هذه السلطة بناء على قناعة لا تتزعزع. ولأنه يعمل في مناخ دولي مساعد لتصفية الحركة فقد قام فورا بأسلوب التصفية حتى بدون العودة إلى قانون التشهير إلا في الحد الأدنى.

وهذه القوانين لم تستعمل فقط، بمرونة، ضد الأحزاب المعارضة، بل ضد أفراد من الحزب الحاكم نفسه. وحين انتهى الدكتاتور من  تصفية خصوم الداخل أحزابا وأفرادا، انتقل لتصفية خصوم الخارج:إن اتفاقية 5 آذار مع  ملك الملوك الإيراني هي نوع من( الاستدراج) المحكم لدولة حسب ذهنية الدكتاتور وأنه بذلك أراد تقليد لينين في تنازله بداية الثورة لألمانيا في صلح "بريست" وهو تنازل محسوب بدقة. وبعد مجيء الثورة الإسلامية أعلن الدكتاتور أن الجارة الصديقة أخلت( قانون التشهير!) باتفاقية الجزائر وهي تحشد جيوشها على الحدود وهو هراء فلم أشاهد جنديا واحدا في قصر شيرين!

وكالعادة وكما لو أن الأقدار قررت أن لا تكون لنا سيرة ذاتية شخصية بل سيرة تلك السلطة، أخذت طريقي مع أجيال إلى الحرب حتى الهروب قبل نهايتها بعدة أشهر لكي أمضي إلى السجون الإيرانية والباكستانية في رحلة قرمزية من الحرب( 74،75) إلى السجن(79) إلى الحرب 88،89، إلى المنفى اليوم!

قوانين الموت والقمع الثلاثة التي تأسست عليها تلك الفاشية هي المعمول بها اليوم في السلطة الجديدة من قوى (محددة!) تعيد إنتاج نفس قوانين الموت، ومدعومة هذه المرة، وأيضا،  بتحالف من بعض القوى التي شاركت في صعود أقذر فاشية في التاريخ كأن كل ذلك البحر من الدم لم يكن أكثر من خروج من  المقهى والعودة إليه بعد دقائق!


نحن، إذن، على عتبة خراب جديد! 
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!