الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن يدرك الشعب أن الدكتاتورية إحتلال أيضاً وأن يؤمن بحقه في ما هو أفضل منهما

صائب خليل

2008 / 5 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا أشك في صدق مشاعر غالبية العرب تجاه إخوانهم العراقيين الرازحين تحت نير الإحتلال، وأؤمن بأنه حتى إن كان البعض قد دافع عن صدام مستفيداً، فإن الغالبية مقتنعة فعلاً بأنه مهما كان الدكتاتور سيئاً فهو خير للشعب من الإحتلال: أنظر كم يقتل في أيام الإحتلال وكم كان يقتل في زمن صدام!

ولا أرتاب أيضاً في حماس غالبية المؤيدين للبقاء الأمريكي من العراقيين، فلا أتهمهم بدوافع خيانية للوطن، ولا حتى حب الأمريكان. إنهم يقولون: مهما كان الإحتلال سيئاً فالدكتاتورية أسوأ: أنظر، على الأقل هناك بصيص ديمقراطية وبصيص حرية رأي وتعدد صحف وقنوات تلفزيون وانترنيت، وهناك أمل بأن تصبح ديمقراطية أفضل!

هذا الخلاف ليس مقصوراً على العرب مقابل العراقيين، بل وأهمّ من ذلك أنه يقسم العراقيين أنفسهم إلى فريقين. كلا الفريقين يمتلك حججا ً تبدو معقولة تماماً، ولا تصعب رؤية تماثل منطقهما. والحقيقة إنهما وإن اختلفا على السطح لكنهما يتشابهان ويتشابكان في العمق فيثبت الواحد منهما الآخر، غالباً دون وعي منه.

عندما تعب الإستعمار البريطاني في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى ورأى كلفة إدامة جيوشه المحتلة في مستعمراته، إخترع أو اكتشف أن وضع حكومات "وطنية" عميلة أسهل وأقل كلفة وأكثر كفاءة في تحقيق أهدافه، وأقل تحميلاً للمسؤولية عليه من التواجد الفعلي المباشر في البلاد المستعمَرة، فنصّب بنفسه الحكام عليها من أهل البلد. ألم يحن الوقت، بعد قرن من الزمان، أن تكتشف الشعوب أن الحكام الذين ينصبهم أعداؤهم عليها ويحميهم منها، وهي حال معظم الدكتاتوريات، ليسوا إلا استعماراً آخر قد يكون أشد وطأة من الإستعمار المباشر؟ ألم يحن الوقت أن ترى أن سلب إرادتها وسلطتها على بلادها واحد، سواء كان سارقه أجنبياً أو من أبناء البلد؟

عندما زار رئيس الحكومة العراقية تحت الإحتلال، نوري المالكي، واشنطن للمرة الأولى، ألقى اللوم على إسرائيل في العدوان على لبنان، بينما كان رؤساء وملوك كل من مصر والسعودية والأردن الدول "الحرة" يتسابقون في كيل اللوم لحزب الله، وكان السنيورة يتآمر عليه و"يرفض وقف قصف إسرائيل" لبلاده "حتى يتم الإتفاق على حل كامل"! هكذا تعاون الأربعة على "توفير الوقت للقتل" لينجز مهمته. أي من هؤلاء الدول كان يسير على الضد من رغبة أبنائه أكثر من غيره؟ أي منها إذن كان "تحت الإحتلال" أكثر من غيره؟

قد يكون الإستعمار المباشر أكثر إثارة للحس، فيتحمس أبناء البلد حتى للموت في سبيل التخلص منه، بل أن أشقاء من بلدان مجاورة يبدون استعدادهم لأجل ذلك، لكن استعمار الدكتاتورية أقل وضوحاً، رغم أنه قد لايكون أقل أذى، ولذلك لاتجد إنتحاريين ضد الدكتاتورية مثلما تجد ضد المستعمرين المباشرين. فرؤية الجنود الأجانب أكثر إثارة للحس من رؤية الحرية تذبح على يد دكتاتور، لذا توجب على العقل أن يصحح تقييم الحواس.

أرجو أن لايفهم المؤيدون للإحتلال أني بهذا أؤيدهم أو أدافع عنهم أو حتى أدعو إلى التخفيف من احتقار الناس لهم. على العكس، إني أضعهم بالمساواة المبدئية مع مؤيدي الدكتاتوريات وأتهم الطرفين بالتخلف في الوعي إن لم يكن في الأخلاق.

يبدو للمراقب العجل، أن الفريقين يقفان بالضد من بعضهما البعض، لكن الحقيقة هي أن كلا ً منهما يلعب دور "المحفز" والمنشط لوجود الآخر - ألأول يقول:"الدكتاتورية بديل أفضل من الإحتلال". وعندما يسمع من رأى ظلم الدكتاتورية وفضائعها بأن الدكتاتورية المخيفة هي البديل المطروح، فإنه لايزداد إلا إيماناً بأنه يجب أن يدافع اكثر عن الإحتلال. وبنفس الطريقة سيثبت في رأس من رأى هول الإحتلال أن الدكتاتورية هي "الخيار الأفضل".

إن أهم ما يتشابه به فريقا القبول بالدكتاتورية والقبول بالإستعمار هو النقص الحاد في الإحساس بقيمتهم الإنسانية. إنهما يتعاونان بلا تنسيق مسبق، على تثبيت هذا النقص ليس فيهما فقط، وإنما في كل من تصل إليه أصوات نقاشهما، فيترسب في نفسه أن خياراته الوحيدة الممكنة هي أن يتنازل عن سيادته للمعتدين عليها من الأجانب أو المعتدين عليها من أبناء بلده.
النقاش يعطي لمن يستمع إليه إحساساً بمدى وحدود الخيارات الممكنة بغض النظر عن نتيجة النقاش. مثلاً، في مفاوضات "الصداقة" العراقية الأمريكية الجارية، حتى لو انتهى الجدل بشأن مطالبة الأمريكان بحق قتل العراقيين بلا محاسبة إلى الرفض، فأن العراقي سيشعر بالإهانة والدونية وعدم الأمان، مهما كانت نتيجة تلك المفاوضات. إحساسة بالأمان والمساواة والكرامة تتطلب أن يكون مثل هذا الأمر بعيداً تماماً عن تفكير أي جهة، ولايجب أن يكون موضوع نقاش على الإطلاق.

بنفس الطريقة فيجب أن لايكون هناك حوار ونقاش وجدال حول الجهة التي يجب أن يتنازل لها الإنسان عن حريته وسيادته على قراراته وسياسة بلاده، ويجب على المواطن الواعي أن لايسمح بمثل هذا النقاش، فهو مهين ومؤذٍ بغض النظر عن نتيجته. يجب على الإنسان أن يدرك بأن الدكتاتورية احتلال أيضاً، وأن ليس هناك فرق مبدئي بينهما، وأن يجبر نفسه على أن يبقى يتذكر حقه في ما هو أفضل منهما، مهما وجهت إليه الضغوط لإقناعه بالعكس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه


.. الوصل يحقق انتصارا تاريخيا على النصر ليتوج بكأس رئيس دولة ال




.. لماذا تخاف إسرائيل من مخيم جنين؟


.. شهيدان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم بربرة وسط رفح جنوب




.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية