الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخطئ سعد الحريري

عاصم بدرالدين

2008 / 5 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يخطئ النائب سعد الحريري، وكل إنسان يخطئ، حين يقول في مؤتمره الصحفي الذي عقده مؤخراً في قريطم :"ما حصل في لبنان اليوم هو أكبر خطر على كل لبناني. فماذا لو حصلت حرب من قبل إسرائيل لا سمح الله، إلى أين سيذهب أهل الجنوب؟ أليس إلى بيروت؟ من سيحتضنهم؟ كيف سنضمد الجراح اليوم؟ هل المسألة مسالة ربح المعركة على الأرض؟ هذا ما حصل ولكن ماذا بعد؟ كيف سيهدئون نفوس الناس؟ ماذا عن الشهداء الأبرياء الذين سقطوا اليوم وبالأمس وقبله من الطرفين؟ في النهاية "فلت الملق" وكانت الفوضى. كيف سنضمد هذه الجراح والى أين نحن ذاهبون؟ إلى أين يأخذون البلاد؟ أريد أن أفهم. هل نتحدث بالوحدة الإسلامية ونعمل ضدها؟ لا نتحدث مع تيار المستقبل ولا نتهجم إلا عليه؟ كيف أنت للمواطن اللبناني أن تنسى هذه الجراح؟".

خطأ فادح وخطير، يرتكبه النائب الحريري، في حق نفسه، وفي حق أهالي الجنوب، وبيروت المدينة المغتصبة. هذا الكلام لن يفيد، لا بل سيعمق الجراح أكثر، ويزيد من الشرخ المذهبي، الذي -أصلاً- قد وصل إلى أعلى المستويات والمراتب بعد الأحداث الأخيرة، حيث أصبح بمقدورنا أن نقول مع قليل من التحفظ الخجول، أننا وصلنا إلى اللاعودة، على الأقل على المستوى الشعبي المنفصل عن السياسي الملتزم بالتسويات شتى. أن يصدر هذا الكلام عن القيادات السياسية المعتبرة واعية ونبيهة وحاذقة، فهذه مشكلة. لا نفاجئ حين نسمع هذا النوع من الأحاديث في الشوارع، من حكي الناس العاديين أي المواطنين-أهالي بيروت. أما القيادات، والتي من المفترض أن تسعى لوأد أشكال الفتنة فلا يجوز أن تفكر، مجرد التفكير فيه.

يخطئ سعد الحريري ومن معه، وخاصة أن هذا الكلام تكرر كثيراً في الآونة الأخيرة. يخطئ حين يعتقد بأنه بهذا الكلام يخيف الناس -أهل الجنوب-، ويهدأ النفوس المشتعلة -أهل بيروت-. هذا الكلام المنطوق، يثير أهالي الجنوب والشيعة في شكل عام. ويدفعهم للإختباء سريعاً في جبة حزب الله، والوقوف مرصوصي الصفوف إلى جانبه كي يحتموا من خطر الأخر المتربص بهم. هذه كارثة، أن يقال هذا الكلام، لما يشكله من إهانة للشيعة ويزيد من تعصبهم ونفورهم وإلتحامهم تحت قيادة الحزب الإلهي، وهذا الأخير لن يتوانى أبداً عن الإستفادة من هذه الهفوة! مثلها، مثل فكرة الباخرة في حرب تموز 2006، حيث قيل حينئذ أنها ترسوا في عرض البحر لكي تأخذ الشيعة إلى أي مكان في العالم وربما لترميهم في عرضه. هو صراع طائفي دامي، لا يقتل إلا أهله والمدينة.

هذا الكلام، الذي قيل بإسم بيروت، يجهل بيروت وطبيعة بيروت وأهلها. بيروت لا ترد أحداً. لا تترك أحداً. بيروت حاضنة للجميع وكذلك أهلها، كما أنها ليست لأحد. في هذا الكلام الكثير من المبالغة، صحيح أن النفوس مجيشة وغاضبة، لكن في الأزمات تتوحد، أو على الأقل تعض على الجرح، حتى تنتهي. أما إذا تغيرت بيروت وسكانها، ولم نعلم بعد، فهذه كارثة حقيقية في حق مدنية بيروت وإنسانيتها وحضارتها الثقافية، ويتحمل مسؤولية هذا التبديل في طباعها أولاً وأخيراً، من يحملون إسم عاصمتنا ويدافعون عنها وعن أهلها.. وأولا وأخيراً حزب الله المجتاح للمدينة. السيد سعد الحريري في كلامه هذا، وكأنه يلمح لأهل بيروت كي يرفضوا الناس في حال حصول أي حرب. وفي الوقت عينه يخوِّف أهالي الجنوب بأن لا حامي ولا ملجأ لكم بعد الآن. وفي الحالين، وإن صحا، هناك إنعدام للحس الإنساني الذي تمتاز به بيروت. وهناك إحساس بالذل والإهانة لدى الجنوبيين.

المشكلة أن حزب الله يمسك برقاب العباد، وفي الأخص الشيعة. ويستغل هذا النفور الكلامي ويطوعه خدمةً له، من أجل تحقيق المزيد من التضامن والإلتفاف حوله، لأنه المستهدف بالتالي فإن الشيعة هم المستهدفون. حزب الله الحاكم في كل شيء، هو من يملك الأمن والمال والإجتماع والسياسة. والناس تخاف. تخاف من إسرائيل، ومنه (أي حزب الله)، والآن صارت تخاف من أهالي بيروت. يهدد الحريري بطريقة غير مباشرة أهالي الجنوب بالموت، فيزيد من خوفهم وبعدهم عن الكيان والإلتحام الوطني، ويؤكد لهم ويثبت بالأدلة اللفظية نظرية المؤامرة التي يتغنى ويستخدمها بشكل سافر وسافل وحقير حزب الله. في هذا الكلام، لم يسعَ الحريري إلى تهدأت النفوس بل إلى إشعالها أكثر فأكثر. وهذا يعود إلى خطأ تكتيكي، فهذا الكلام أتى رداً على سؤال صحفي، بالتالي لم يكن معداً سلفاً، والنائب الحريري حتى الآن لم يستطع أن يفهم اللعبة. هذه خطيئة!

الجنوب وأهله، وعموم أهالي الشيعة، ليسوا بالضرورة موافقين على ما يفعله حزب الله في إستباحته لبيروت والجبل والشمال، وجعله الوطن برمته على كفِ عفريت دون أن يأبه بالتوازن الطائفي المقيت. لذا على سعد الحريري الزعيم اللبناني، أن لا يصب الزيت على النار، وأن لا يحذو حذو حزب الله في الضرب على الوتر الغرائزي لدى مؤيده. على الحريري وهو الذي يدعي أنه يملك مشروعاً وطنياً جامعاً موروثاً عن والده، أن يعمل جاهداً على تأمين أليات إندماج الشيعة في الإجتماع اللبناني في ظل غياب السلطة الحقيقية التي من واجبها أن تقوم بهذا العمل، لا أن يرهبهم ويبعدهم. وهذا لن يحصل في ظل قوة حزب الله هذه، وفي ظل هذا الكلام السخيف الغبي.

الجنوب كجغرافيا وسكان، دفع أكثر من طاقته، وبإسم الجميع.. وفي قضايا لا تعنيه ولا تهمه وما زال حتى الآن الساحة التي يستخدمها حزب الله تلبيةً لحاجات سيِّديه الإيراني والسوري. ويأتي الحريري وقوى الرابع عشر من آذار من بعده، بكثير من البلاهة والسذاجة، ليدَّفع الجنوب وناسه المزيد من الفواتير والحسابات فيسقط الجنوبيّ في شباك حزب الله الأبدية. أخطئ سعد الحريري.. حقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بذكاء وتخطيط محكم نفذ اكبر سرقة بنك في بريطانيا


.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????




.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر


.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن




.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس