الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما نبحث عن الوطن في الجهة اليسى من القلب

تغريد كشك

2008 / 5 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


عزيزي

قد يكون الصمت طال بنا؛أو اقترب من أن يطول، ولكني كنت قد فكرت بأمور كثيرة في تلك الشهور الخرساء التي مرت بدون خطاب ولا جواب، غير أنني للآن لم أفهم الأسباب الحقيقية التي دعتنا إلى الانقطاع عن الحديث!

بكل أسف أقول أنني حتى الآن لا أجيد الحديث عبر الأسلاك أو الأوراق أو رقائق السيليكون، لا تصلني احساسات هذه التكنلوجيا، قد تعتقد أنني امرأة تهذي، لكنك تفهم أن هذياني يعني أنني امرأة من جنون، امرأة قد لا ترحل إلى مرآتها ولكنها حتماً إلى تفكيرها تعود، تعود لا لتعانق وجهها في مرآة الأفول خوفاً من موافقة أو اعتراف، لكنها حسب اعتقادي تعاني الذهول من واقعها ثم إليه تعود.

ولكنها حين تعود، تلملم أطراف ثوبها وترحل إلى مرآتها من جديد، قد تختلط أمامها الألوان، قد تختلط الأصوات وقد تختلط انفعالاتها بألوان المطر.........

أما زلت تذكر أنني اعتدت في زمن المطر أن أُخرج أوراقي من جيوب الزمن، وأن كأسي يكون حينها نصف مملوء وأنني أبقى هادئة خلف جدران الزمن؟

ألم أقل لك قبل الرحيل أن حبي لمشروع استعادة اليسار ما زال يعادل حبي للوطن؟ ألم أقل لك أنه حب هادىء ولكنه يفتعل القلق ما بين النافذة والمدخل، وأنني أحاول دائماً أن ألملم في داخلي أجزاء متناثرة لأشياء، لأسماء، لأوقات أو لأماكن وكلمات تشكل بالنسبة لي وعداً كان قد سقط سهواً في أذني وأنني ما زلت أصنع منه طوق نجاة لأهرب بيعداً عندما يحيطني الظلام من جهات الوجع الأربع؟

لقد كاد الصمت أن يغلف كل خطابات اليساريين والتقدميين في وطني، وبدأت أنا منذ ذلك الحين أتخيل كل الأصوات وقع أقدامهم الهاربة من مواجهة الوطن، في حين أنني ما زلت أبحث عن وطن خاص بي أنا.

أبحث عنه فوق مقاعد كبار المسؤولين، أبحث عن بصمات يديه على أبواب مؤسسات حكومية وأهلية وضعت لنفسها مقاييس العمل والتوظيف وجمع الأموال واحتكار الأمل بغدٍ قد لا يكون الأفضل أبداً.

أتعرف أننا ما زلنا إلى الآن نجهل أن عدونا الأول أصبح يعشعش داخل صدورنا وبيوتنا، يستنشق أنفاسنا الضائعة، يخنقنا، بل ويحاول أن يمتص دماءنا.
أصبح منذ الآن يعيش معنا، يشاركنا أنفاسنا، طعامنا وحتى صلاتنا للإله.

كم مرة قلت لك أنني قررت الرحيل عند الفجر صوب أمة أخرى لا تفكر دائماً بصلبي فوق أخشاب النسيان، لكنني كنت دائماً أعود، يحملني الخوف على هرطقات بالية لم يعد لها مكان سوى داخل عقولنا وفوق كراسينا اللاصقة البالية.

أنظر إلى رفاقي بصمت، أنتظر أن يتغير فيهم شيء ما، يربكني انتظار عقارب الساعة في يد الرفيق الكبير، نبضي يطارد عقارب ساعتي، يستمر في مطاردة أحلامي الباقية وكأن شراييني لم تعد سوى قبضات سجان قاسية.

الآن، أحاول قتل الوقت بأن احرق سيجارة في يدي، ثم أعود لأبحر في فنجان قهوتي الباردة بحثاً عن خطوط صغيرة قد تخبرني بأن الأمل قادم من خلف زنازين الشوق.
بحثت في مدينتي عن مقهى مزدحم بالمثقفين، أو بأولئك التقدميين البعيدين جداً، لكني لم أجد سوى دخانا وأبخرة تتراقص خلف زجاج شتاءِ باردٍ وصيفٍ شديد الحرارة، وهناك على طاولة المقهى لم أجد سوى قصيدتي تراقص أنغام عازف بيانو حزين يرسل لي غمزات باردة بين الحين والآخر، تسير على عكازين من نغمات غبية باردة ترقص على بوح اللغة الدارجة.

ما زلنا في منتصف الطريق إلى البكاء، وقد سلبنا الحكام أوتاد طموحنا، نتشاجر مع الليل مستنجدين بصباحِ أجمل.
كنت أعتقد أننا كطائر الفينيق نستنجد دائما بغدٍ أفضل، نرنوا إلى المستحيل مشياً على أقدامنا العارية، نبعث الحياة من موتنا؛ أو من لاشيء، ولكني وجدت أن قادة قافلتنا كانوا وما يزالون عمياناً، وأننا ما زلنا نتساءل ببلاهة كيف يمكن للأعمى أن يقود عمياناً.
فقدنا خصوصيتنا كيسار ضمن حركة يقودها يمين، قد يكون ذلك لجهلنا أنه وبحسب النظرية الماركسية التي قالت بأولوية الواقع وفهم حقيقته من أجل تغيره؛ كان يجب علينا أن نستنبط مقولاتنا ومفاهيمنا من الواقع الذي ينتجها، ولكن فصائلنا فعلت العكس؛ إذ حاولت دائماً تطويع الواقع ليطابق وصفات النظرية الجاهزة، بل كانت في أحيان كثيرة تلوي رقبة الواقع الفلسطيني ليتماشى مع تركيبة أدبيات الأحزاب الشيوعية العالمية.

تاهت فصائلنا وفقدت بوصلة الاتجاه ومنارة العودة، تقوقعت حول ذاتها بعد أن فقدت الفعل والتأثير الجماهيري الذي تحتاجه للاستمرار، انخرطت في لعبة الفناء بعد أن انشغلت في البحث عن القوة الأقوى في اليسار الفلسطيني، وبذلك اتخذت من التنافس الفصائلي والتنافس الداخلي منهجاً لها، صراع نظري طفولي فاشل ما زال يلقي بظلاله القاتمة على واقعنا فأفقد اليسار الفلسطيني قدرته على التحليل اللازم للواقع المحيط، وجعله ينسى أو يتناسى أن الشارع الفلسطيني يتوق في هذه الأوقات الصعبة إلى قوى يسار حقيقية تعيد بعث طائر الفينيق الفلسطيني وتقف بقوة في وجه الفساد والانقسام بدل أن تجعل من نفسها أتوناً لحرق ما تبقى من العدم.
في معظم الأحيان كانت أخطاؤنا تُعزى إلى الغير، أو إلى قوى الانشقاق والانحراف في تنظيماتنا، وأحياناً أخرى نعيدها إلى نقصٍ في الإمكانات المالية متناسين عدم قدرتنا على إدارة مواردنا.

أعرف أنك الآن تلوم صراحتي وتتهمني بالهروب بدل محاولة الاصلاح، أعرف بأنك الآن ستبدأ بإلقاء اللوم على المد الأصولي وانحراف النخب المثقفة وعلى ثقافة الاستهلاك والتمويل التي بدأت تغزو عقولنا، ولكن لماذا لا تدعني أنتقد أو أقيّم المنهج الذي تدير به فصائلنا شؤونها التنظيمية والنقابية وكيفية قراءتها للواقع وتنشئة الكوادر؟ لماذا لا تسمع انتقادي للدكتاتورية البيروقراطية المتأصلة التي تكبح أخلاقية كوادرنا الشابة وتقمع أطرنا النسائية، مما يدفعها إلى الابتعاد ومن ثم نلعن حظنا العاثر لعدم قدرتنا على تعويض هذه الكوادر وتجديد بنائنا التنظيمي؟
أم أننا حتى الآن لم ندرك أن الوضوح الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي هو الأهم، وأن الوقوع في الوهم السلطوي النخبوي خطر كارثي علينا العودة عنه، وأنه علينا منذ الآن أن نبدأ بصياغة خطاب وطني تحرري جديد قادر على استيعاب شعبنا والتعبير عن حاجاته؟
حاولت أن أنقذ حديثنا من سكوت دام أكثر من شهرين ولا أريده أن يتحول إلى عتاب أو مناظرة, لأني أقبل بكل ما تقول لاعتقادي بأنه لا يَحسُن بي أن أضيف إلى مسافة الأميال التي تفصل بيننا مسافة أخرى بل أن أحاول دائما تقصيرها بودٍ كبير لأخ وصديق يكفيه ما في الغربة من أوجاع كان يعتقد أنها قد تنسيه أوجاع الوطن، إذا فلنضع خلافاتنا ـ كما يقول جبران ـ وأكثرها لفظية، في صندوق من ذهب ولنرمي بها إلى بحر من الابتسامات.

أفتقدك دائما

احترامي ومودتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيديو مجتزأ من سياقه الصحيح.. روبرت دي نيرو بريء من توبيخ


.. الشرطة الأميركية تشتبك مع المتظاهرين الداعمين لغزة في كلية -




.. حشود غفيرة من الطلبة المتظاهرين في حرم جماعة كاليفورنيا


.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس




.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب