الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
القفار سردا: لطالب المعمري : سينمائية الواقع حين تكتب بالحبر السري للذات
فاطمة الشيدي
2008 / 5 / 21الادب والفن
إضاءة خافتة :
تقع مجموعةُ "القفار سردا" لطالب المعمري، في 77 صفحة من الحجم المتوسط، وتحوي ثمانية نصوص، وهي من إصدارات كتاب نزوى 2006.
مدخل :
إن النموذج الأدبي المطروح أمام المتلقي هو الذي يحدد له النقطة المناسبة لولوج ذلك النص سواء للتلذذ به، أو لتفجير طاقاته، ولملمة أفكاره الماورائية التي قصد المؤلف بدءا أن يقولها بشكل حر أو موارب.
وفي النص السردي الذي يمثل جسرا من العلامات بين الرسالة (النص) والمتلقي فإنه من الحتمي لأي قراءة ضرورة تتبع منبهات اللاوعي المتأثرة بالإجتماعي والنفسي من الكاتب، لكشف حالات الفرض والاحتمال أوالتأويل التي تمثل فكرة التلقي الأساس، أو تبرير رموزها وعلاماتها التي قد لاتخفى أثارها في بعض النصوص التي تعتمد منهج المعنى المكشوف والذي اعتمدته هذه المجموعة.
إن قراءة النص السردي من خلال البعدين أو المعيارين السوسيولجي،والسايكولوجي هي قراءة داخلية تبعد فكرة التصلب حول وجودة هوة بين المتلقي والمرسل، وأن العمل الأدبي يمثل إشارة مستقلة ليست قصدية، وليست نشاطا موجها من قبل ذات أو مجتمع، كما تبعد فكرة تأويل النص من قبل المتلقي.وتزيحه نحو فكرة تحليل النص الأدبي لغويا، وتتبّع علاماته السيميائية لتحديد مساراته في مدارات الفكرة والفنية، وبذلك يظهر أن إقامة الهدف الجمالي للنص يتم من خلال تصالحات نفسية بين النص والناص، والنص والمتلقي ، والمتلقي والناص.
الملامح السردية لمجموعة (القفار سردا) :
يعرف سعيد يقطين السرد بأنه " فن الحكي أو القص في قالب مثير، جذاب، ذكي، جميل، ومتناسق لأحداث وقعت بالفعل (أحداث تاريخية)، حركات اجتماعية وسياسية، علاقات بين رجال ونساء، حكايات معينة لأشخاص خصوصيين، إلخ، أو حكايات وأفكار نابعة من الخيال(تأملات، استيهامات، استحضارات، أحلام، خواطر، الخ). أو خليط من هذا وذاك.. "
ويمكننا قراءة ملامح هذا النص/ المجموعة من خلال :
1. العنوان عتبة النص :
"القفار سردا" لقد أختار الكاتب هذا العنوان بكل وعورته، فكأنه منذ البدء أراد أن يوجز وجع النص، وأن يختبر قدرة المتلقي على الولوج في هذا القفر بعافية الألم وشدة الرغبة لسبره، إلا أنه استدرك فكرة الاشتباه في ذهن هذا المتلقي ليلقي له بشطر العنوان الآخر "سردا" أي : فكرة، حكي، كلام فقط، كي يفر من فكرة التخيّل الساذجة عن إمكانية أخذ القفر كحالة حقيقية .
2. فن الحكاية:
تستند نصوص المجموعة الثمانية في تمظهراتها الفنية على ذات البعد التشكيلي/ النحتي للشخصيات، أو فن البورتريه تحديدا، فالكاتب وقف على بعد معين من كل شخصية، ليبدأ بعينه الخارجية عن النص، برسم ملامحها وتدوير أفق الحكاية حولها، لكنه قبل ذلك، وضع للمتلقي إشارة سيميائية بالغة الخطورة في بداية النص (المجموعة)، فقد وضع نصا قصيرا يقول فيه "ممشى طويل بمحاذاة شارع عام، تحفه أشجار تقاوم فناءها، الشارع مبلط بطوب أكلت الأحذية لونه، شيئا فشيئا يتحول الممشى نفقا، ستستدرجك إضاءته
ستستدرجك إضاءته
س ت س ت د ر ج ك "
هذا التقدمة الحية والتي تمثل أفق النص تماما، ليست عبثية في منطقة التأويل والتلقي للنص، فالكاتب أراد أن يهب للمتلقي ضوءا أنه "أي الناص" واقع ضمن هذه المنطقة مكانيا أو شعوريا، فكأن الحكاية مربوطة بخيط هذا الشارع/النفق(الذي ليس بالضرورة أن يكون مظلما) وأن النصوص جميعها ماهي إلا حالة متصاعدة من التخييل من شخص يعبر نفقا ويتأمل جانبيه، ويرسم ذهنيا تلك الحالات والشخصيات التي يعبرها والتي تشكل النص الأكبر.
هذا النفق قد يكون الحياة، وقد يكون المكان، وقد يكون الكون، وقد يكون ممرا في الذاكرة فقط.
ويحتاط الكاتب لنفسه من شهوة الحكي بضمير المتكلم "الأنا" فيغلّب الحكاية عنـ.. ، ويستخدم ضمير الغائب ( غالبا) ليكون الحكي أكثر مواربة وتمويها، وربما أكثر صدقا وحيادية وموضوعية.
* في القصة الأولى "موت في اتجاهين" تكون الحكاية عن شخص مجنون تلذذ الكاتب "ببهجة" في رسم جنونه " الجنون كحالة شعرية ربما" ملَّ الحياة، لكنه أراد أن ينهيها بطريقة عظيمة أو مختلفة، تليق بجدارة الجنون الذي عاشه، ويعرض لنا الكاتب الذي ينتمي لهذا الرجل بطريقة ما "رغم أن له حكايات مع الموت إلا أنه كان يعود لنا كما كان" طريقة موته التي رأى فيها مايصلح أن يكون فيلما غرائبيا أو رواية عالمية.
وهي حالة جمعية فكلنا نرى في قصصنا الصغيرة، وحكاياتنا مشاريع تصلح للعالمية، كما أن قصة أبي خالد (إلا من النهاية) هي قصة متكررة وكثيرة.
وتنتهي الحكاية باحتمالات ذهنية مشوشة بمدلولات الإشاعة التي تفضي لاتجاهين بشكل فنتازي.
* والقصة الثانية هي (جوع)، وهي ببساطة صورة لحالة تتكرر حين يملّ الكائن من نفسه، ويجنح للتمرد عليها، صورة لصرخة موظف صرف كل راتبه في ليلة أنس، ليرجع في نهاية ذات الليلة جائعا. كحالة تمرد قصوى على الخوف والترقب والحسابات، وغيرها من تراتبية الكائن اليومي المطحون والمسحوق في الروتيني دون أدنى فسحة للخروج عليه، وانسياب كلي مع فكرة الحلم الأساس مهما كلفت من أثمان باهضة وجب دفعها لاحقا كالجوع.
* أما القصة الثالثة فهي (خوف) وهي رسم دقيق لتصاعدات الخوف في ذهنية كائن وحيد، في مكان منعزل، كحالة نفسية لاتجدي معها كل الأفكار التي تستهدف إبعاد ذلك الخوف حتى الهروب.
* أما القصة الرابعة(هكذا) فهي رسم لصورة نفسية لكائن، مرتعب من أن يدخل مجتمعات القطيعية، التي يبدو أنه كان لايزال خارجها، وحالة الارتباك الأولى، ثم التسليم بالسقوط في فخاخ التماثل إلا من بقية اختلاف تتمثل في عين ترى وقلب يشعر .
* ولاتخرج القصة الخامسة (لوحة ..لن) عن ذلك الرضوخ للخارجي من الكائن كالمجتمع والوظيفة، ووصف تلك الندوب التي يخلفها الترويض الجمعي العنيف لخصوصية الكائن الملتذ بخصوصيته وارتباكاته، وبحقيقته المشتبه بها، وبروحه التي تتوق للعبث الساخر أحيانا، والتمرد الذهني كثيرا، إلى تأثير كل الانحناءات على قامة الفرح داخله، وأثر تحجيم الخطوات على مساحة السير، وأفق التغيرات الراغبة، والإيماءات إلى انحسار مستويات اللغة إلى جزر أخرس، وبذلك ذبول زهرة الروح خارج الانبلاج والتميز، وهي حقيقة الكائن الفلسفية.
* أما القصة السادسة فهي قصة( الراحل) وهي تحمل بعدا فلسفيا إنسانيا وجوديا، حول تأثير الموت كفكرة، في الكائن المرعوب منه أصلا، أكثر حتى من حقيقة حلوله أو حدوثه، فهذا الكائن المحاصر بالموت ضمن قدريته، يشعر بالموت أبدا في حالة مناورة ومداورة له، إيماء وتلميحا، ويشاهده كلما قبض على روح ما، ويشعر به يمهله بسطوة الأعظم، ويتهدده في القادم لامحالة، فيجعله ضمن فكرة الانتظار فقط، ليصبح الموت مع الوقت ما إلا شكلا من أشكال الحياة المرعبة يعيشها حتى حين، الحياة التي هي أصلا حالة تأرجح قصوى بين كفتيها المشرقة والمظلمة، لذا فكثيرا مايتمنى الموت ليحاصر فكرة الانتظار، ويلغي فكرة الترقب لهذا الكائن البشع (الموت) الذي يشعر أنه يسخر منه بتجاهله له.
*أما القصة السابعة (الرأس) فتحكي عن رجلين غيبهما الشراب في ليلة قمراء حتى ظنا الحجارة ذهبا، وحملا منها مايستطيعا حتى خذلتهم الحقيقة صباحا، ولاشك أنها في رؤيتها الأبعد، تحمل كل تأويلات الوهم في المنظورات غير الموجهة، وكل الالتباسات بالمقاييس التدميرية المختلفة للمعاني والأشكال، وبذلك يمكن أن تسير بنا في اتجاهات تأويلية وتفسيرية عديدة تجعل من (الرأس) معادل العقل والوعي في حالة الارتباك واللاوضوح يرى الأوهام حقيقية.
* وتشترك القصة الأخيرة "فاسكو .. في بلاص بتري" في ذات الفكرة، حيث حمل بطل القصة سيدة عجوزا إلى بيته وهو يراها شابة جميلة، مستيقظا على طقم أسنانها في فمه.
3. الشخصيات :
ركز النص على شخصنة "الرجل" فقط ، فجميع نصوص المجموعة رسم لحالة نصية لرجل ، في حين تظهر صورة المرأة في القصة الأخيرة وهي صورة جزئية وباهتة جدا، وضمن تصاعد مستويات السرد فقط ، وليس كحالة سردية أو شخصية محورية.
4. خلفية النص :
وهو البعد السوسيولجي " الاجتماعي" للنص، فقد ركز النص على القراءة المجتمعية، شخصيا ولغويا، فالشخصيات عناصر مقتنصة من بيئات اجتماعية عُمانية متباينة الحضور والمكان والفكر، ويمكن أن تجدها حاضرة في أكثر من بيئة، كما أن النصوص تضمنت بعض المفردات اللهجوية مثل "البيذام"، " صحلته" على سبيل المثال وغير ذلك.
5.اللغة :
يرى باقر جاسم محمد أن "لغة السرد أحد أهم تجليات النص الروائي المعبرة عن كل ما يتضمنه النص الروائي من معالم شكلية أو بنيوية أو مضامين و أفكار" .
ونجد هذا في " القفار سردا" حيث كتبت النصوص بلغة تعين المتلقي على الوصول لحالة الكشف، التي ابتغاها الكاتب، كما أنها لغة محايدة لم تتقارب مع الشعرية( التي هي لغة الشاعر طالب المعمري)، بل كانت لغة نثرية ماهرة في ترتيب ذاكرة وأفكار النص دون أن يدفع المتلقي ثمن أن يقرأ نصا سرديا لشاعر، ودون أن يسقط في فخاخ جاهزة يلجأ إليها البعض لجذب المتلقي كالجسدية مثلا .
لقد فتحت اللغة للنص إمكانيات متنوعة ليقول مايريد فقط، وفق تقنية تقنية الحوار الداخلي"المونولوج" والذي يمثل البعد السايكولوجي للشخصية الرئيسة لكل قصة والتي هي غالبا ورائية، أو غير مرئية، بل يظهر لنا نتاجها الحكواتي فقط ، وقد تلبس بها راوٍ، ليقول لنا على لسانها مايريد أن يبثه لنا من معانٍ متعددة، يمكن لنا أن نجدها خارج النص، في السياق النفسي أو الاجتماعي لنا كمتلقين .
كما استخدم الحوار بين الشخصيات، إلا أنه كان ذا طابع وظيفي، وضمن إطار التنظيم السردي للنص، أي ليس مقصودا في حد ذاته، بل لايمكن أن يعتبر تقنية سردية دقيقة، لأن الكاتب لم يعتنِ به ليكون شاهدا على نصيته، أو لخدمة النص.
أخيرا : القفار سردا، هي حالة سرد راصدة داخليا للتصاعدات النفسية لشخصية واحدة متوزعة في قصص المجموعة، منطلقة من تماسها الموسوم بالألم (غالبا) مع شخصيات مجتمعية، غير جانحة للثبات الإنساني القطيعي الراكد، مما سبب لها تشوهات افتراضية كتبها النص،لا ليقول "لا" من خلالها، بل لتدويرها على مائدة الحكي فقط، وربما لجعلها حالة جمعية يتمنظر الجميع صورهم فيها، التي سيجدون ملامح مشتركة كثيرة جدا بينهم وبينها.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. هاني خليفة من مهرجان وهران : سعيد باستقبال أهل الجزائر لفيلم
.. مهرجان وهران يحتفى بمرور عام يوما على طوفان الأقصى ويعرض أفل
.. زغاريد فلسطينية وهتافات قبل عرض أفلام -من المسافة صفر- في مه
.. فيلم -البقاء على قيد الحياة في 7 أكتوبر: سنرقص مرة أخرى-
.. عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا