الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-رغيف- الدمار الشامل

عبد اللطيف المنيّر

2008 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


هناك حروب أخرى أشد فتكا من الحروب العسكرية، تلك التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية حاليا، وتؤثر في العديد من بقاع الأرض، مثل حرب المواد الغذائية، والموارد الأولية كالحديد وبقية المعادن، وحرب ارتفاع أسعار النفط، وحرب انخفاض سعر الدولار مقابل عملات العالم.

ولا نستطيع تسمية المشكلات الاقتصادية الآنية العالمية "بأزمة"، بل هي حروب حقيقية تتأثر بها معظم بلدان العالم، ولكل منها حربها التي تناسبها فتكاً أوتفكيكاً. وما يواجهه العالم اليوم، من حرب اقتصادية ضروس، لهي أوسع تدميرا من الحرب العسكرية، حتى وإن كان قوامها القنابل العنقودية، بل نستطيع تسميتها بالحرب الذكية، والدمار الشامل على المدى البعيد، ذلك كله لجعل العالم يرضخ لمطالب وسياسات الولايات المتحدة، والتي تفرضها عليه (منظمة الأوبك مثالا).

أميركا تقود حربا اقتصادية تجويعية على العالم بمفردها. الصين واليابان ومعهما الدول الصناعية الكبرى يواجهون اليوم حرباً من جراء انخفاض سعر الدولار وارتفاع سعر الحديد، إذ ارتفع الأخير سعره في خلال الربع الأول من العام الجاري إلى أكثر من 65%، ومعه النفط الذي وصل إلى أرقام قياسية، وأثر لديهم سلباً على الصادرات التجارية والإستهلاكية، نتيجة ارتفاع التكلفة الصناعية، إذ أن التصدير للصين واليابان هو بمثابة عصبهما الاقتصادي. وللحد من اجتياح المواد الصينية الإستهلاكيه والمقلدةReplica ، فقد تمكنت هذه الحرب من كبح جماح هذه الصادرات التي غزت العالم، حتى أنه زاد الطلب على المنتجات الأميريكية، وأصبحت توازي أسعارها قيمة تلك السلع والمنتجات الصينية في الأسواق العالمية، بل في بعض الأحيان أقل سعراً ! كذلك صناعة السيارات اليابانية التي فاق سعرها ثلاث أضعاف الأميركية، وكان على اليابان أن تسرح 65 ألف عامل من المصانع اليابانية من جراء تلك الحرب. لتنقل هذه الحرب رحاها أيضا إلى شمال كوريا وتهدد مواطنيها بالمجاعة المعلن عنها رسميا.

بيد أن سياسة أو حرب تخفيض سعر الدولار، أحدث نوعا من الانكماش الاقتصادي في أميركا، حيث لكل حرب آثارها التي تطال صاحبها، تماما كما توقع الحرب العسكرية الضحايا بين صفوفها من الجنود والعتاد، مما دفع الحكومة الأميركية بدفع 650 دولار للفرد في هذا العام، جراء التضخم المعيشي الذي أصابها، ولو أن المراقبون يرون أن هذا الانكماش لن يدوم طويلاً. وبالمقابل، زادت نسبة العائدات في القطاع السياحي، وقلت في أوروبا نظرا للغلاء الذي أصابها من فروق صرف اليورو.

أضف على ذلك، حرب المواد والسلع الغذائية الرئيسية وعلى رأسها الأرز والقمح. حيث أن الحكومة الأميركية دفعت 10مليار دولار خلال العشر سنوات الآخيرة وسوف تدفع أيضا 700 ألف دولار سنويا ولغاية عام 2015 كتعويض لمزراعي الأرز، كما ذكره موقع CATO Institute وهو من أهم مراكز الدراسات للسياسات التجارية. والغاية الخفية من دفع هذه االتعوضيات، هو استهلاك المخزون العالمي أولا! إذ أن هذه الاستراتجية وهذه الحرب موجهة خصيصا لدول الجنوب، أو دول العالم الثالث، والتي كانت تسمى سابقا بالدول النامية . هذه الحرب سوف تهزّ الكيان السياسي لتلك الدول، وتقمع آخرى، بل وقد تقضي على الأصوليات الدينية والتيارات المذهبية والأحزاب الإلهية التي ليس لديها خطط اقتصادية ومعيشية، وذلك ليزداد فقر هذه الدول، ولربما لتفكيك بعضها، بأقل الأسعار ودون عناء، ولا حاجة لاستعمال السلاح آنذاك. بل يكون الدمار الشامل في اختفاء مادة الأرز، وفقدان الرغيف كغذاء رئيسي في تلك الدول، ذلك العنصران الأساسيان في حياة تلك الشعوب عامة، والشرق الأوسط خاصة.

ما نهتم به اليوم هي تلك الحرب التي سميناها حرب الغذاء، حرب التجويع، بل حرب قهر لتلك الشعوب بامتياز، والتي لا يلزمها قرارات أممية ولا تحالفات عسكرية. ونذكر هنا الشرط الأساسي للبنك الدولي عند تقديم القروض والمساعدات لدولة السودان خلال العقد الماضي، وهو عدم السماح لها باستخدام تلك القروض في الأغراض الزراعية!

ولا نستغرب من سياسات زعماء الوطن العربي التي لم تَعُدّ دولها لمثل تلك الحروب الاقتصادية، بل ساهمت في دعم تلك الحرب وعن غير دراية، من خلال هدر مياه الأنهار العزبة في مياه البحار المالحة، كالفرات ودجلة في العراق، والنيل في مصر، إذا كان بإمكان تمديد خطوط مياه من شط العرب إلى الدول الخليجية المجاورة، ولن تكون هذه الأنابيب أكثر تكلفة من خطوط النفط، بل أقل تكلفة أيضا من بناء محطات التحلية على الخليج العربي. وكان يمكن الإستفادة وما زالت، من نهر النيل في شكل روافد رّي على كلا طرفيه، وبناء أكثر عددا من السدود عليه. اضف إلى ذلك عدم الإستفادة من مياه الأمطار وهدرها في الصرف الصحي، حيث الكل ساهم منهم بتدني المحاصيل الزراعية بطريقته. علما أنه في ولاية واحدة في أمريكا وهي ولاية واشنطن، وعلى نهر اسمه كولمبيا، يوجد 15 سد لخدمات الطاقة والري، ناهيك عن زراعة الثروة السمكية فيه.

ثمة خطط خمسية اقتصاديه لتحديث البنية التحتية، لم تكن كافية ببعدها الإيجابي الضيق على البلاد، والتي اتبعتها حكومات الدول العربية، وإن نجحت بنسب ضئيلة في أكثر من مكان ، فقد كانت لمصلحة جماعات فئوية وشخصيات نافذة في السلطة. وإذا سلمنا أن الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط تتقدمها المصلحة الخاصة والفساد، فهل قدمت المجموعات ممن يعتبرون أنفسهم الوجه السياسي المضيء (المعارضات)، حلولا لتلك المشاكل؟

إن غياب التأسيس للبنية الاقتصادية على حساب تخزين السلاح وتكديسه إلى "يوم المعركة المشهود"، والإبقاء على خطط تحصين الجبهات، لم يعد مجديا، ولانفع فيه مستقبلا! بل سيأتي يوما يباع فيه سلاح العالم العربي وحتى سلاح المقاومة ومعهم الأحزاب الإلهية، بأرخص الأثمان لأميركا، حتى تعيد الأخيره صهره وتصنيعه من جديد لتُحف تُزين بها جُدران ذَاكرتها ، وتبقى هي الدولة العظمى بلا منافس.
إنها أميركا التي تفكر لمئة عام إلى الأمام، فهل فكرنا نحن أن نترك صدامنا الفردي، والسياسي الفوضوي، من أجل تحقيق منافعنا الشخصية الضيقة؟. وهل نستطيع التفكير ليوم واحد في تأسيس تيارات إصلاحية، لتعمل بشكل جمعي Teamwork لوضع الدراسات والبرامج المستقبلية والسريعة قبل فوات الأون واندلاع حروب المجاعات الكبرى؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح