الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلة الاستيعاب في صحافة الاعراب

جهاد الرنتيسي

2008 / 5 / 22
السياسة والعلاقات الدولية


"ضعف الاستيعاب" او "الاستيعاب المتأخر " في الصحافة العربية ظاهرة موغلة في القدم ، ومتعددة الاوجه لدرجة استحالة سبر اغوارها ، او الاحاطة بها ، او حتى تحديد بداياتها.

وفي تربة هذا الضعف تنمو دعوات الارتداد عن خط الاعتدال التي دخلت في سباق محموم مع تداعيات انقلاب حزب الله في بيروت ، وتراجع احتمالات تسوية القضية الفلسطينية قبل رحيل الرئيس الاميركي جورج بوش عن البيت الابيض ،وانخفاض وتيرة توقعات حرب تعيد ترتيب المنطقة .

فلسفة هذا الطرح تتمحور حول البحث عن اليات للسير بين بؤر التوتر في المنطقة دون الاقتراب من اطراف النزاعات .

وقد يكون وضع هذا الطرح على سكة التنفيذ ممكنا لو جاء في زمن ما قبل العولمة حيث كان التقوقع خيارا ، او ظهر في منطقة اخرى تفصلها عن منطقتنا مئات الاميال ، ولها ثقافة مختلفة ، ومشكلات اخرى ، وتركيبة سكانية اهتماماتها بعيدة عن اهتمامات المواطن العربي وهمومه .

فالبيئة الشرق اوسطية ـ اذا اخذنا بعين الاعتبار مقومات دول المنطقة ، وتداخلاتها الديموغرافية ، وتياراتها الفكرية ، والقواسم المشتركة بين مشكلاتها السياسية ، والتأثيرات المتبادلة لازماتها ، وفعاليات اليات الفرز ـ لا تترك هوامش كافية للانكفاء على الذات .

ولاي محاولة في هذا الاتجاه مضاعفاتها التي تتجاوز تهميش الدور السياسي للدول الراغبة في الانتحاء جانبا ، و تقليص قدراتها على حماية امنها الداخلي ، غير المعزول عن العوامل المؤثرة في سياسات وامن دول الاقليم .

اخطر ما في دعوات التخلي عن الاعتدال السياسي ضعف مخيلة اصحابها الذي تظهره رؤيتهم للعلاقة مع ايران .

فمن الممكن حسب وجهة نظرهم الاطمئنان للدور الايراني في المنطقة الى درجة تسمح ببناء علاقات طبيعية مع طهران المتورطة حتى النخاع في ازمات تعاني منها دول الاعتدال بشكل او بآخر .

كما غاب عن اصحاب دعوة الخروج من تيار الاعتدال تاريخ السياسة الايرانية منذ طرح نظرية تصدير الثورة حتى تحويل العراق ولبنان وفلسطين الى ساحات لتصفية الحسابات .

ومثلما غابت فصول التاريخ الدموي الممتدة حتى اللحظة الراهنة تلاشت من الحسابات حقيقة الاحتلال الايراني للجزر الثلاث ، والتهديدات الايرانية لدول الخليج ، وعدم الاكتراث الايراني بسيادة الدول العربية .

وفي حسابات الربح والخسارة لا توجد اية مكاسب من الانفتاح على ايران نكاية بالخذلان الاميركي .

فالمؤشرات تتجه نحو انهيارات ايرانية مقبلة على الصعد السياسية والاقتصادية حيث صراعات اجنحة النظام ، والاحتجاجات اليومية على الاوضاع المعيشية ، التي لا يجد النظام حلا لها سوى الاندفاع نحو سياسة التسلح النووي التي يترتب عليها المزيد من العزلة الدولية .

وظروف التجربة السورية في الانفتاح على ايران لم تترك مجالا للتفكير في تكرارها ، حيث فقدت دمشق عمقها العربي ، واوغلت في عزلتها الدولية ، وتتزايد صعوبات ترتيب بيتها الداخلي .

كما ان حساسية الاصطفافات الاقليمية والدولية بين قطب كوني وحيد وطرف اقليمي متمرد تظهر الخروج من دائرة الاعتدال والانفتاح على ايران وكانها عملية نقل للبندقية من كتف الى اخر .

وعلاوة عن السلوك الانتهازي لمثل هذه الخطوة ، يترتب عليها فاتورة ، سيتم تسديدها من رصيد العلاقة مع الولايات المتحدة وبقية عواصم الاعتدال العربي .

فالانتقال بين المعسكرين الاميركي والايراني يختلف عن الانتقال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة ، لعدة اسباب ، اهمها غياب الندية بين الولايات المتحدة وايران ، وعدم استعداد واشنطن لتقبل ظهور اقطاب جديدة سواء كانت دولية او اقليمية رغم جميع اخفاقات السياسة الاميركية في المنطقة ومناطق اخرى من العالم .

والتطورات المتلاحقة تفقد دعوات القفز من تيار الاعتدال مبرراتها التي يتمثل بعضها في ما اعتبر مظاهر قوة يتمتع بها محور الممانعة عبرت عن نفسها بقدرة حزب الله اللبناني وداعميه على المبادرة لاقتحام بيروت .

فالعملية العسكرية التي نفذها حزب الله لم تنته باستسلام الاكثرية واملاء الحلول السياسية عليها .

وتفاصيل المفاوضات التي جرت في الدوحة تؤكد فشل السلاح في تهشيم ارادة وحضور الشريك اللبناني في تيار الاعتدال السياسي العربي .

وحركة حماس التي يجري تصويرها باعتبارها احد مظاهر قوة محور الممانعة تمر بازمات سياسية حادة ابرز ملامحها العزلة الدولية التي تعيشها ومحاولات استجداء التهدئة مع اسرائيل .

قد يكون تراجع فرص خيار الدولتين وراء المراهنة على حماس باعتبارها الخيار الاخر ، الا ان غياب الرؤية الحمساوية الواضحة للحل النهائي يظهر بؤس هذا الرهان ، ويفتح الافاق امام رهانات اخرى من قبيل الدولة ثنائية القومية .

وبالتالي تاتي دعوات الخروج من تيار الاعتدال ترجمة لصدمات وعي ، وخيبات امل ، اكثر مما هي نتاج تطور تفكير سياسي ، واحاطة بالمشهد ، ونضوج الخيارات البديلة .

وكان من الاجدى للمصدومين الابتعاد عن الكسل الذهني ، والتعامل بشكل اكثر عقلانية مع الواقع من خلال السعي لتحويل الاعتدال السياسي الى قوة دفع لاصلاحات داخلية تشمل الصعد السياسية والاقتصادية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة