الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد الغريب.. ضمير جيل

كاظم غيلان

2008 / 5 / 23
الادب والفن


(ايموت شاعر.. يعلك السلطان شمعه )
علي الشباني من قصيدته(خسارة)

السلاطين وحدهم يحتفلون بموت الشعراء، هذه المعادلة ارددها مع نفسي كلما رحل شاعر عراقي عن الدنيا، لأنه يرحل وفي نفسه غصة تسبب بها السلاطين، انهم اعداء لحريته واحلامه وعشقه المطلق للحياة والوجود الفعلي كانسان .. محمد الغريب رحل عنا بصمت يشبه قامته الصامتة ولا ادري لماذا اضع الآن صورته الى جانب صورة محمد الحمراني الروائي الذي رحل عنا على عجالة ، انها حيرة حقاً فلربما تقاربا بالسن والقامة الابداعية، الا ان الغريب تعذب أكثر في رحلة المرض التي انهكت قواه وهو الذي لايقوى على تحمل العذاب للحد هذا، فقد تعذب من قبل كثيراً وروى لي العديد من الاصدقاء كيف تغيرت ملامحه مع انني على يقين بذلك فهذا ابسط ماتفعله اللوكيميا بالانسان، وأي انسان، انه شاعر رقيق كالنسمة العذبة .
استرجعت شريط ذكرياتي الطويل المثقل بالخسارات ، وتوقفت عند محطة أثيرة في روحي اسمها ( الباب المعظم) أيام عملي في مكاتب الاستنساخ، كانت أيام .. لا سنوات غابرة قاهرة، وكان يزورني معظم ان لم أقل جميع اخواني الشعراء الشباب حتى أصبحت محطة لهم، نسر بعضنا البعض مآسينا وويلاتنا، واتذكر ان الغريب كان يصغي لما اقوله أكثر من الجميع، فارتبطنا مهنياً حين غدت ثقافة الاستنساخ المحظورة في اوج مراحلها، كنت ازوده بالكتب الممنوعة التي نقوم باستنساخها وايصالها بواسطة العديد من الاصدقاء الى سوق المتنبي، كان الغريب يقطر كدحا وشرفاً وشعراً
أطل ابو سمر ذات مساء علي كالعادة وهو يحمل مظروفاً فهمس لي أن مجموعة شعرية بداخل هذا المظروف يتمنى صاحبها ايصالها للشاعر مظفر النواب، حين فتحت المظروف وجدتها مجموعة الصديق الشاعر علاوي كاظم كشيش(تدوين الدم كربلائيا) وقد ثبت اهداءها للنواب.. طمأنته: (ابو سمر اعتبرهه وصلت).. وحققت له ما اراد اذ ارسلتها بواسطة حسام شقيق مظفر. هكذا كان أمينا دافئاً صادقاً مع ذاته ومع قضية الشعر، ولأنه هكذا فقد خسرناه. محمد الغريب من نتاج واحدة من اخطر مراحل الحياة العراقية، مرحلة عاصفة، يبدو الخلاص منها قريباً من المستحيل، انها الحرب الدامية التي دارت طواحين الموت فيها وهرست الآلاف من الشباب العراقيين، خاصة الذين في عمر الغريب، واسقطت ثقافة العنف فيها قوافل من الكتاب والفنانين، وشوهت ملامحهم ، وكانت طرق التخلص من هكذا ورطة شبه مستحلية أيضاً، الا ان الغريب نجا بأعجوبتين، الاولى نجاته من الموت، والأخرى تخلصه من طوابير المداحين والرداحين، مع انه عاش في وسط يضج بالمؤامرات الدنيئة، وسط ابتلي بالمخبرين وكتبة التقارير وباعة الضمائر، لكن انحيازه للحقيقة وولعه الدائم بها كان السبيل الوحيد أمامه لهكذا تخلص، وولعه بالمعرفة.. هنا اتوقف قليلاً، لربما هنالك من يسأل عن علاقة المعرفة بالتخلص، وهنا اشير لمسألة غاية في الأهمية، الغريب شاعر يكتب العامية ومن جيل الشباب، ومعظم هذا الجيل اتهم بقلة الوعي وأحياناً بالجهل والأمية، وهكذا احكام لايمكن ان تنطبق علي جميع ابناء قافلة هذا الجيل، كان الغريب من الاستثناءات النادرة، فهو لم يتقوقع شأنه شأن الآخرين داخل دائرة الشعر العامي، بل راح يعيش في قلب وسط ثقافي، يقرأ فيديم وعيه، ويقرأ المحظور فيزداد صلابة لأنه يكتشف طبيعة تكون دولة فاشية اجهزت على العراق أرضاَ وشعباً، فأسهمت كل هذه العوامل بنجاته ونجاحه الشعري، هذا الأمر ينطبق تماماً على محمد الحمراني المجايل للغريب والفقيد الآخر.برهن الغريب تفوقه من خلال منجزه الشعري الذي بتنا الآن مطالبين باظهاره ليبقى بيننا، فالنواح ماعاد مجدياً في تقاليد الوفاء، الى ذلك حري بنا أن نخضع هذا المنجز لدراسة نقدية من شأنها أن تنجز لنا كشفاً عن البنى الابداعية في شعر محمد الغريب. وأخيرا.. هل سنكون اوفياء حقاً.. هذا ماسنراه لاحقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي