الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهزومون في زمن البيع .... سائرون نياماً في الحاضر

سليم النجار

2008 / 5 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


نعم نحن سائرون نياماً في الحاضر ، هذا هو حال المشهد السياسي الفلسطيني المتشابك فيما بينه ، بين جناح أسلامي سياسي تتجلى صورته في حركة حماس ، وآخر علماني تتزعمه حركة فتح .
ولنتصور الآن طريقة العمل لهذين الجناحين ، في إدامة الصراع ، وإستبدال الأعداء الحقيقيين الذين أصبحوا من قوانين هذا الصراع ، ليتحول الأخوة إلى أعداء . وحقيقة الأمر أن هذا الذي يحدث حالياً في فلسطين ، ليس صراعاً تقليدياً ، أو صراعاً يعمل لصالح أجندات سياسية إقليمية ، وإن كانت هذه الأجندات لها مكان خاص في هذا الصراع ، لكن ما يحصل هو صراع إجتماعي بإمتياز .
فالأسلام السياسي الفلسطيني يريد مجتمعاً فلسطينياً مطيعاً يتلقى تعليمات " المؤمنين " ومن ثم ينفذها على أنها تعليمات مقدسة ، لا تخرج من " مؤمنين " فقط ، بل يوحى لهم من السماء ! وأن الحديث أبان الأنقلاب الأسود ، التي قادته حماس في غزة العام الماضي ، على السلطة الوطنية الفلسطينية ، والأدعاء أن حكومة
" هنية " هي حكومة ربانية ، يعزز هذه الرؤية ، التي تؤكد أنهم رُسل السماء ، كما يحاولون إيهام القطاع الواسع من مختلف الشرائح الفلسطينية .
في المقابل ، تلجأ حركة فتح إلى التاريخ المعاصر الفلسطيني ، التي كانت أحدى صناعه ، وتحاول من خلال هذا التاريخ أن تبقى على سدة النضال الفلسطيني .
إذاً نحن أمام تاريخ " سماوي " يدّعي أصحابه أنهم الأحق في قيادة الشعب الفلسطيني ، وآخرون يؤكدون أنهم أصحاب تاريخ مُعاش وليس موهوم .
وفي الحالتين يغيب الوعي السياسي النقدي ، القائم على قراءة الواقع الفلسطيني ، والعربي والعالمي ، وإن كانت بعض تيارات أصحاب التاريخ المعاصر ، تقدم قراءة موضوعية لمعطيات العصر ، لكن هؤلاء ليسوا في محل إجتماعي يؤهلهم لصناعة قرارٍ سياسي جريء ، حيث أنه يستمدون قوتهم من هياكل تنظيمية بالية قائمة على بنية إجتماعية جُل قناعاتها قيام دولة فلسطينية ، وعاصمتها القدس والإنسحاب من الضفة والقطاع . هذه القناعات نا هي إلا شعارات سياسية ، فعلى الأرض لا يمكن رصد السلوكيات الإجتماعية التي تعزز هذه القناعة ، بل على العكس ، السلوكيات الممارسة حالياً من قبل هؤلاء تعزز التعصب ، كردة فعل على ما حصل في غزة ، وهذا يعني فعلياً نقص الشعار المرفوع " إقامة الدولة الفلسطينية " .
أما في الجهة المقابلة ، فإن الأسلام السياسي الفلسطيني ، الذي يستهلك التاريخ كفائض قيمة ، وسلعة غذائية ، دون الأنتباه إلى أن التاريخ يصنعه العقل النقدي ، وتكتبه المصالح السياسية المعقدة .
وأن أي حديث خارج هذا الإطار يدفع المتمسكون بهذا التاريخ ، بأن يكونوا كالجواري التي تبحث عن سيد ، يخلصها من رق هذه الصفة ! .
وهكذا تطل الثقافة السياسية الفلسطينية على أفقين : أفق يعتز بتاريخه النضالي ، وأفق يبشر بــِ " الإسلام الحق " وهما معاً أفقان معمران ، يسبغان على فلسطين نكهتها " الوطنية " الخاصة والمتمثلة في نكهة
" البطولة " في لغة وفي نكهت " انسداد الآفاق " في لغة أخرى ، وأصل هذا الأنسداد هو أن الثقافة السياسية الفلسطينية نجحت في نقل الصراع الفلسطيني ضد " إسرائيل " إلى التطاحن داخلي بين هذين الأفقين ، والدال على ذلك هو ما تشهده غزة من حالة فوضى ، ومن فقدان الأمل في الضفة الغربية .
يطرح هذا المنظور بطبيعته أسئلة معينة منها :
هل سقوط ألف " صاروخ " من غزة على سدرويت وقتل ( 2 ) من الإسرائيلين ، مقابل إستشهدا أكثر من
( 425 ) فلسطيني ، قامت " إسرائيل " بقتلهم رداً على تلك الصورايخ ، في العام الماضي هو
لمصلحته من ؟
هل إطلاق النار على الشرطة المصرية ، وإصابة ( 38 ) شرطي ، إثنان منهم في حالةٍ خطيرة ، من قبل قناصة القوة التنفيذية ، عندما حرضت " حماس " بإقتحام معبر رفح ودخول أكثر من ( 600 ) ألف مواطن من غزة إلى مدينة رفح المصرية ، للتزود بالبضائع والحاجات الضرورية .. يحقق الأهداف الوطنية الفلسطينية ؟
المدهش أن " إسرائيل " نجحت في تحقيق اختراق سياسي محدود للفكر السياسي الفلسطيني بشقيه الإسلامي والعلماني ، لكنه مهم للغاية ، " فإسرائيل " استطاعت توجيه الأنظار الفلسطينية بعيداً عن ما تخطط له فعلياً على الأرض وذلك ضمن إستراتيجية تهدف إلى تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية بإمتياز ، إلى قضية إنسانية ، وعلى العالم حلها ، لكن بعيداً عن أي هدف سياسي ! .
وتتلخص إستراتيجية " إسرائيل " في عزل غزة عن الضفة الغربية وإلحاقها بمصر ، وهذا معلن من قادتها ، والهدف من ذلك أولاً : تهديد الأمن القومي المصري من خلال زج مليون ونصف المليون مواطن إلى الديمغرافية المصرية ، التي تعج بروح التطرف الديني ، فكيف بها عندما تضاف لها روح جديدة من
التطرف ؟ أنه يحث على قيام مناخات المد الإسلامي السياسي الذي لا يؤمن إلا بما يطرحه ويفكر فيه ولنا أن نتصوّر إذا ما تحقق ذلك ماذا سيحدث ؟
وأما الهدف الثاني فهو : عزل غزة عن الضفة الغربية وبصفة نهائية ، لتبقى الضفة عبارة عن معازل ديمغرافية يمكن التعامل معها بسهولة ، وحتى يتحقق هذان الهدفان ، تعتقد " إسرائيل " أن الظرف التاريخي والموضوعي متوفر ، وخاصة إذا ما أضيفت الجغرافيا ، والتي تخدم " إسرائيل " كما يتصوّر صانعي القرار فيها ، فكما هو معروف أن عدد سكان قطاع غزة هو ( 1.500.000 ) يعيشون على مساحة لا تتجاوز
( 360 ) كم2 وأن آجلاً و عاجلاً سيتمددون لكن بدل أن يتجهوا إتجاه الضفة الغربية التي مساحتها
( 5000 ) كم2 بها ( 1.500.000 ) مواطن ، تعمل " إسرائيل " على تمددهم في الداخل المصري ! لأن أي تمدد فلسطيني يعني عملياً قيام الدولة الفلسطينية ، لأن حقيقة قيام الدولة وعدم قيامها ، هما عمليتان اجتماعيتان ، فالتفكك الاجتماعي ( غزي / ضفوي ) هو تمهيد للهزيمة ، وإذا ما أضيف إليهما ( فتح / حماس ) تكتمل صورة التفكك الاجتماعي ، وبذلك نحقق لــِ " إسرائيل " هدفها الإستراتيجي ، وهذا ليس بمستحيل كما يتصور البعض ، وذلك إذا ما بقيت الحالة الإجتماعية السياسية الفلسطينية بهذا التفكك الاجتماعي السياسي . ولن نغفل العامل الإقتصادي ، التي تسعى " إسرائيل " من خلال هيمنتها الإقتصادية على الإقتصاد الفلسطيني ، أن يذوب الفلسطينيين في آليات الإقتصاد الإسرائيلي ، وهذا عملياً يتمم إستراتيجية " إسرائيل " في جعل القضية الفلسطينية قضية إنسانية !
وإذا كان هذا المشروع " الإسرائيلي " ممكناً ، سيكون هناك بالضرورة إسلام سياسي ملفق ، كما نراه على أرض غزة ، الذي يدفع بكل قوة نحو المجهول والعدم بالنسبة للفلسطينيين ، لكنه معلوم ومعروف ومخطط بالنسبة للإسرائيليين ، والفارق بينهما ، كالفارق بين العالم الذي يعرف ما يريد ، والجاهل السعيد بجهله ويتوهم أنه يَعرف كل شيء !
ويمكن القول ، من حيث المبدأ ، إن هذه هي الصورة السياسية الفلسطينية ، في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية .
والأن ماذا يمكن القول لأصحاب إحتكار التاريخ الفلسطيني ؟ ! نلاحظ أنه أصبحنا مضطرين إلى النظر للتجارب الإنسانية التي سبقتنا من أجل نيل إستقلالها ، فتقول أن الثورة الفرنسية ، عندما قامت وتكالب عليها ملوك أوروبا ، رفعت شعارات واضحة ، نذكر منها " إلى السلاح أيها المواطنون " ، عندها تحدّدت أهداف الثورة وحدود فرنسا ، في المقابل ، إذا حاولنا عمل مقاربة ، فعلت الثورة الفلسطينية ذلك في بداية إنطلاقتها المعاصرة ، حيث إندفع جميع الفلسطينيين للإلتحاق بالثورة ، وقتها كان الشعار { فلسطين من المية إلى المية } . لكن الذي حصل بعد ذلك ، أن الثورة تأخرت تنظيمياً ، وتشكلت { أبوات } لها مصالحها ، وأجنداتها السياسية في الداخل الفلسطيني ، ومن ثم العربي ، وبعد ذلك العالمي ، فأصبح الشعار وقتها
{ الأرض للسواعد التي تحررها } . أي حكراً على شريحة فلسطينية محدّدة ، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه ، كنتونات متقطعة ، وتطاحن داخلي دموي ! من الواضح أن فتح العقليات الفلسطينية المغلقة منذ زمن طويل ينبغي أن تبتدئ بفتح ورشة كبيرة عن الدراسات التاريخية للأمة العربية .
التي غيرت ديانتها ثلاث مرات ، المرة الأولى اليهودية ، ومن ثم المسيحية ، وأخيراً الأسلام . هذا التبدل يدفع بالإعتقاد ، أن هذه المنطقة منذ القدم ، وهي بؤرة صراع عالمي ، وإن تغيرت عناوين الصراعات تاريخياً ،لكن الثابت إنها بقيت المجال الحيوي للصراعات الكونية .
لذا أي قول ، أن التدخل الخارجي ، لا علاقة له بما يجري ، إنها دعوة للسذاجة والتسطح ! وفي هذه القراءة السياسية التاريخية ، علينا التذكر ، أن الأمة العربية غيرت لغتها ، على أقل تقدير أكثر من ثلاث مرات ، فإذا لا عجب أن تدخل علينا لغات سياسية جديدة، لها مفرداتها الأخلاقية ، والأقتصادية ، وهذا ما نشهده حالياً في العالم العربي والفلسطيني ، وهذا بالفعل ما حصل منذ سنوات ليست بالبعيدة ، والدلائل كثيرة ، عندما توهم
الأفغان العرب ، وإنهم هزموا الكفار { السوفييت } أصبحنا نشهد في شوارعنا ، اللباس الأفغاني ، كنوع من التفاخر ، وعندما { انتصرت } الثورة الإيرانية ، خرجت دعوات وكتابات ، وبل فصائل سياسية تتبنى النظرة الشعبية ، اتجاه مختلف قضايانا ... وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية . وليس مستغرباً أن فصيلين فلسطينيين { حماس ، الجهاد } الأول يتبنى سياسة إيران ، ويعتبرها نبراساً لتحرير فلسطين !
والثاني ، لم يكتفي بالتبني السياسي ، بل والإيديولوجي .
وهنا نقف أمام سؤال تاريخي هو : هل ينبغي أن نقبل بالأمر الواقع الحاصل تاريخياً وسياسياً ، والذي قلص السياسية والثقافة العربية حتى أصبحت مجرد بقايا هامشية ، بل وحتى حثالة ينبغي التخلص منها بأسرع وقت ممكن في نظر المناضلين ؟ !
إن الإجابات الفعلية نجدها في البروفات الدموية الحاصلة في غزة ، التي تدفع بكل قوة وتضليل غير مسبوق من أجل تغيير دين الفلسطينيين ، لدين جديد عنوانه إمارة " إسلامية " تكون نموذجاً لكل العالم العربي ! وهنا تتلاقى تقاطعات " إسرائيلية " تريد التخلص ليس من غزة فقط ، بل من كل الفلسطينيين ، وتقاطعات
" أمريكية " تريد تحقيق الفوضى الخلاّقة ... وأول الغيث إمارة { غزة } ، والإمارات القادمة سوف نراها في المناطق العربية المختلفة ، أما التقاطع الثالث وهو الأخطر بين التقاطعات ويعتبر المغذي الرئيسي لها فهو هيمنة العقل السياسي الفلسطيني { المَقدس } الذي لا يخطأ ولا يعرف الخطأ ، والذي يغذيه سلوكيات سياسية فلسطينية ، إنتهت صلاحيتها الأخلاقية والتاريخية والمعرفية وتحولت إلى تجار وسماسرة ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال الرئيس الفرنسي ماكرون عن اعتراف بلاده بالدولة الفلس


.. الجزائر ستقدم مشروع قرار صارم لوقف -القتل في رفح-




.. مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب رفع العلم الفلسطيني خلال


.. واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في سياستنا ودعمنا العسكري لإسرائيل




.. ذا غارديان.. رئيس الموساد السابق هدد المدعية العامة السابقة