الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدنية في مواجهة الغرائزية

سامر خير احمد

2004 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


ستكون التنمية السياسية والحزبية ـ لو حدثت الآن ـ قفزة في الفراغ ما لم تسندها تنمية مدنية غايتها ترشيد الممارسة السياسية والتفكير السياسي عند الافراد.
المطلوب هنا ليس تأجيل التنمية السياسية لصالح المدنية، وانما مصاحبتها اياها، فالحياة السياسية اما ان تكون جزءا من الحياة المدنية واما ان تصير نوعا من الممارسة الغرائزية، والاحزاب السياسية اما ان تكون احد مكونات المجتمع المدني واما ان تتحول الى واجهات لتسويغ الخطاب الغرائزي السطحي الساذج.
التنمية المدنية هي تكريس التفكير العلمي الديمقراطي، وجعله المتحكم بخيارات الناس ومواقفهم من مختلف القضايا السياسية والاجتماعية، فقد شهدت بلادنا من قبل تنمية معاكسة تقوم على قهر روح المدنية وتنمية ثقافة «ما قبل المدنية» التي يبني فيها الفرد مواقفه على أسس غير فكرية قوامها العصبيات التي ولد ضمنها، دون تفكير وتحليل واختيار حر، وهذه هي الغرائزية.
تاريخيا، ظلت المدنية شرطا لازما للنهضة، وللمرء ان يطالع التجارب النهضوية عند مختلف أمم الارض وفي كافة العصور، ليجد ان النهضة تقوم على المدنية وفي كنفها، فيما تنحط الأمة حين تهجر المدنية وتتراجع عنها. ونحن لسنا استثناء. فدولة المدينة المنورة الناهضة التي كسرت شوكة امبراطوريتي الروم والفرس قوامها «المدنية» بل ان الاسم الجديد لـ «يثرب» لم يأت من فراغ، فهو دليل على شرط المدنية في خلق أمة النهضة الساعية الى تحقيق اخراج الناس من الظلمات الى النور. كما ان المراحل النهضوية التالية علميا وسياسيا في امبراطوريات الامويين والعباسيين والعثمانيين، انما قامت على اساس المدنية، فالأمر اذن ليس محط جدل.
اما كيف تتحقق التنمية المدنية، فبالشكل الذي تحققت فيه سابقا تنمية ما قبل المدنية، بوسائط كثيرة أهمها تركيز الاضواء على الثقافة المدنية، وتمكين الآخذين بها في مواقع التنفيذ والقرار، وما يجب فهمه هنا ان من طبيعة الاشياء ان تكون الثقافة المدنية قادرة على الانتشار بسرعة، بفضل ما تتضمنه من منطق يتلاءم والحالة الحضارية التي تدخلها كل دول العالم، مختارة او مرغمة في ثورة الاتصالات والمعلومات، هذا فضلا عما تتقبله النفس السوية بالضرورة.
ولهذا فان التنمية المدنية لن تُتعب من يتبنى دفعها قدما بين الناس كما اتعبت ثقافة ما قبل المدنية دافعيها من قبل، كل ما هو مطلوب فتح الباب قليلا لها، اعلاميا وتنفيذيا، فاذا هي ثقافة الأكثرية وسند الحياة السياسية السليمة.
ان التنمية المدنية ليست مطلوبة لذاتها فقط، ولا لضمان تنمية سياسية صحية فحسب، وانما ايضا للحيلولة دون اي انحطاط حضاري قد يقودنا من تخلف الى مثله وهو الانحطاط الذي تتسبب به الغرائزية، ويعززه السكوت عنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحزمة نارية عنيفة للاحتلال تستهدف شمال قطاع غزة


.. احتجاج أمام المقر البرلماني للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ تض




.. عاجل| قوات الاحتلال تحاول التوغل بمخيم جباليا وتطلق النار بك


.. زيلينسكي يحذر من خطورة الوضع على جبهة القتال في منطقة خاركيف




.. لماذا يهدد صعود اليمين مستقبل أوروبا؟