الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بقي من الديمقراطية؟

عاصم بدرالدين

2008 / 5 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إنتهت الأزمة وحصل ما حصل: إنتخاب رئيس للجمهورية "توافقي"، حكومة وحدة وطنية "توافقية"، إنتخابات نيابية "توافقية"، إزالة إعتصام حزب الله في وسط العاصمة.. لقد إنتهت وإرتاح الناس، وإرتسمت البسمة على وجوههم، فها هو مطلبهم: العيش في أقل قدر ممكن من الهدوء والراحة والسلام. لذا بعد تحقق هذه الشروط الحياتية الضرورية في شكل نسبي أصبح بإمكاننا أن نسأل، سؤلاً هامشياً نسبةً لمجريات الأحداث، لكنه متن الأزمة الحقيقية: ماذا بقي من الجمهورية الديمقراطية البرلمانية اللبنانية؟
لا أنفي خوفنا على الجمهورية بمعناها الجغرافي منذ بداية الأزمة، إرتعبنا لمجرد التفكير بإمكانية إنتفاءها أو تلاشيها وتفتتها. كل المجريات كانت تشير إلى ذلك، كل الحروب الصغيرة المتنقلة بين الشوارع والتجمعات كانت تزلزلنا مغمضين عيوننا كي تمر. لكن الآن، قيل أن ضمانة عربية ما، ستؤمن لنا بقاء الجغرافيا كحد الأدنى في المدى المنظور. فإرتاح بالنا، وأصبح بمقدورنا أن نسأل عن الديمقراطية.. ودور البرلمان.. ومعنى الحرية في هذا البلد!
التوافق ليس نقيضاً للديمقراطية، لكن التوافق اللبناني مختلف، إذ أنه يحل محل الديمقراطية المخولة وحدها تدوير الأزمة وحلها. ما يميز الأنظمة الديمقراطية، والتي من المفترض أن تكون متحضرة، أن أزماتها تحل وحدها، عن طريق اللجوء إلى اللعبة الديمقراطية، المتمثلة في الإنتخابات النيابية ومن ثم حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية (والمعارضة في لبنان ليست مثلاً يحتذى به أو مثالاً يطرح للتدليل). في لبنان لا وجود لهذا كله، التوافق يحل محل كل شيء، وتصبح الإنتخابات كالزينة، لا قيمة لها غير المظهر، سوى تصوير هذا البلد على أنه ديمقراطي، أي أنه الوحيد في وسط هذه الصحراء القاحلة الذي يشرب من ماء الحرية.
ما أقوله واضح للجميع، فكيف نفسر مثلاً بجاحة المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني في قطر، خلال تداولهم موضوع التقسيمات الإنتخابية للمناطق! الجلي في هذه العملية أن كل منهم سعى إلى تأمين مقاعده النيابية قبل حصول الإنتخابات، لا نزاهتها وعدالتها وتمثيلها الصحيح، مستخدماً إحصاءات حول مدى شعبيته ومؤيديه في كل منطقة. ربما هذا الأمر يشبه "المحدلة"، التي يركبها المرشحون فيصلون جميعاً إلى المجلس. هذه ليست ديمقراطية إنها هرطقة. فالمجلس بمعنى من المعاني أصبح معروف الهوية، مع وجود بعض الإشكاليات على عدد قليل من المقاعد.
الديمقراطية اللبنانية مرتبطة في شكل وثيق بالبرلمان. ولكننا نلحظ فعلاً تحول إلى عادة، بعيد الأزمات المتتالية، ألا وهو اللجوء المستمر إلى طاولات الحوار وتهميش أو تغيب دور المجلس النيابي. وهذا أمر خطير وهو بمثابة إعدام للديمقراطية اللبنانية، المترهلة أصلاً. نستطيع أن نحل كل مشاكلنا في البرلمان، لا أريد أن يحدثنا أحد عن الصيغة اللبنانية الفريدة العجيبة، يجب أن نكون كالبشر جميعاً في التعامل مع مشاكلنا. نحن بلد ديمقراطي وأي أزمة: سياسية، إدارية، إجتماعية، عسكرية، من المفترض أن تحل داخل البرلمان، وعبر التصويت أو الإجماع. لأنه لا يعقل كل أزمة تحصل في هذا البلد نقيم لها وعلى شرفها حواراً خاصاً، تالياً: أخذ و رد ومماطلة وتضيع الوقت. فيما من خلال المجلس النيابي نطرح الموضوع، أي موضوع، على النقاش ومن ثم يحال إلى التصويت، والأكثرية -وهي متغيرة- تحقق رأيها. هذه هي الديمقراطية، وأي نمط أخر هو منافٍ لها.
لا تستطيع هذه التركيبة، التي نتغنى بها، أن تنهي حياتنا ومسيرتنا، وتوقف تحديث مجتمعنا. هذه التركيبة، أكثر من كذبة، وأقل من حقيقة، ونحن قادرين حقاً على الخروج من سجنها، حين نقتنع تماماً أن الديمقراطية هي الحل الأمثل لكل الصعوبات التي تواجه كياننا. في المقابل هناك من يشدنا إلى الخلف، لأن مصلحته تقتضي أن نظل إلى الأبد خاضعين للتوازن الطائفي الذي تفرضه غصباً تلك التركيبة الزائفة، الحجة الواهية.
زد على ذلك الطائفية، المعيقة الأساس للعملية الديمقراطية وتطورها، والعامل المضطهد لأي شكل من أشكال الحرية، وبيروت خير شاهد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا