الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في الحالة العراقية - 5

سامي فريدي

2008 / 5 / 24
دراسات وابحاث قانونية


سامي فريدي
تأملات في الحالة العراقية -5
من يحاكم حزب الدعوة عن جرائم المستنصرية؟..

ان المعضلة الرئيسة في مجتمعات الشرق هو استمرار أنماطها الفكرية والمعيشية، السياسية والادارية والاقتصادية حسب الأنساق البدائية العاجزة عن التمييز بين الخرافة والحق، والواقع والوهم. وهذا ما يزيد تقسيم العالم بين غرب مادي عقلاني وشرق تحكمه الأوهام والأكاذيب.

مفهوم الحق المطلق وهم التصق بنشأة الدولة والحكم الديني منذ عصور قديمة، ومصدر الوهم فيه هو ادعاء الشرعية من الغيب الجامع بين الاطلاق والقداسة والحق مما لا يترك مجالا للمناقشة والاعتراض بدون التعرض للاقتصاص والنفي الوجودي. لكن الدولة المدنية المستندة إلى تطور حركة التيارات الاجتماعية والاقتصادية ونظام المؤسسات المحددة الصلاحيات، أعاد انتاج السلطة على قاعدة جماهيرية ومفاهيم إنسانية واقعية تستمد مصادقيتها من التحول التاريخي لحركة الشعب وضروراته الراهنية التاريخية.
ان نموذج دولة الاحتلال اللاعراقية مثال داقع للسخرية التاريخية التي انزلقت فيها فئات غابت عن الرشد أمام لعاب السلطة وتقمصت أدوارا اصطناعية زاد من انشقاقها عن مبادئ الانتماء والانسانية والمدنية، مضيفة المزيد من الكوارث التأسيسية لبلاد النهرين التي فاقت في بذائتها وخطورتها ما جرمته الحكومات السابقة، وبما منح الفرصة لكثير من العراقيين والعرب للترحم على الماضي من جور الحاضر، والحنين للحكم الأجنبي بدل حماقة المحسوب والمنسوب للبلد. ان العقل العراقي والثقافة العراقية ما زالت غائبة عن الوعي، وكل ما تحلم به هو الهروب من الصفعات المتتالية التي تلاحق بلدها منذ عقود مثل قدر أحمق.
ان الفرد العراقي وطبقاته الفقيرة والكادحة هي المتضرر الأكبر في لعبة المهاترات السياسية والعسكرية والدينية التي لم يقدم أي منها خدمة حقيقية له. وكان من شأن السياسات القصيرة النظر أن يبتلي الوطن بتبعاتها الكارثية. فغزو الكويت المفتقد لأي مبرر تحت أي عنوان أعاد البلاد إلى عهد التبعية والوصاية الأجنبية والأحتلال. وقد انهزم النظام السابق في كافة ميادينه مجرجرا البلاد في أذيال هزيمته. لكن السؤال هنا هو سؤال الثقافة الوطنية. سؤال التفكير الوطني الاستراتيجي. سؤال مناهج التفكير وأنساق الفكر اللازمة لدراسة مرحلة سوريالية سوداء طويلة اختزلت مضمار الحياة العادية ومنطق الحاجات الطبيعية وأنساق التفكير والخطاب العادي. الطارئ غلب الحقيقي، واللامعقول هزم العقل، والخرافة هزمت الحاجة الانسانية. ما من انسان يرتضي الاستغناء عن حاجات الماء والكهرباء والغذاء والفرح والحياة الكريمة، بقائمة من الثياب السوداء ومناسبات النواح واللطمية والدعاء لآل بيت (الحكم) والنعرات الطائفية. ما هو مكسب الفرد في القرية والقصبة الفلانية من تبعيته للجماعة المتنفذة عليه. ومتى كان الوطني يرتضي تقسيم مصالحه وتبويبها منفصلة عن مصلحة جاره ومدينته وبلده، إلى حدّ التنابز بين فئة ضد أخرى حول قطعة الحلوى المسمومة. اللعبة الهزيلة واللاأخلاقية لصراع المصالح الدولية والاقليمية، الدينية والعراقية، العشائرية والعائلية التي زادت تمزيق البلاد والمجتمع في سنوات قليلة، لن يبرأ منها الفرد العادي بدفع الصدقة أو القربان والكفارة، ولا بدفع الخمس والرشوة وتزوير الأوراق والسجلات التي لم ينج منها درج دائرة عراقية. لكن تبعاتها سوف تستمرّ وتستمر، ولا رحمة للظالمين أنفسهم. ان من يأكل مال اليتيم انما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى نارا.
ان معاناة العراقيين لم تكن كلّها من فعل النظام السابق والحكومات السابقة. وكان للفئات السياسية والطائفية والمرتزقة (الطابور الخامس) دور لا يستهان به في التضحية والاستخفاف بحياة الناس ومصالحهم وحقوقهم. والحديث هنا يتضمن جداول يفترض محاسبة كل فئة وشخص على ممارساته وفساد ضميره الاخلاقي والسياسي حتى لو كان بعيدا عن السلطة أو مدعيا المظلومية والاضطهاد غير المبرر. على الثقافة الوطنية العراقية وأبنائها الانقياء المخلصين تتبع حلقات التاريخ والالمام بتفاصيل الحياة العراقية، فهم لسان من لسان له. ذراع من قطعت يده، وذاكرة من مسحت الجور ذاكرته. لقد ابتدأت حكومة الاحتلال بالمحاكم ووضعت نفسها على طريق ما له آخر. متوسمة عبر ذلك أن تلصق بنفسها صفة الحق وادعاء النزاهة وتمثل الانتماء والوطنية وهي من هي. من هذا المنطلق، ومن باب التمادي في التجاهل واحتقار مبادئ العدل والقانون في بلد ينتسب إلى أقدم لائحة قانونية، أرفع هذه الدعوة الملحة والصميمة، إلى أن تتم محاكمة الواقعة لا الأشخاص، وتقصي التفاصيل والدوافع وعدم الاقتصار على النتائج الظاهرية.
*
يبدو فصل طارق عزيز الأكثر سذاجة في محاكمات القضاء الشيعي. فإذ لم يثبت دور عسكري أو سياسي مباشر في أحداث العنف، اكتشف المخيال الشيعي حكاية انفجار المستنصرية التي أراد بها مأجورو حزب الدعوة اغتيال طارق عزيز الذي افترض أن يكون محاضرا في الندوة. لكن عملية الاغتيال فشلت. وطارق عزيز مسيحي كلداني حسب دليل التوصيف الطائفي لنظام الاحتلال. لكن باب الطلّسم في فقة القانون الشيعي استطاع تحويل الضحية إلى جلاد في واقعة محكومة بالتزوير وقصر النظر. وهنا يجدر بالتاريخ الوقوف على أعداد الضحايا والمتضررين وأسمائهم، بنفس ضرورة تشخيص ذوات الجناة الحقيقيين ومن وراءهم بالأسماء والتفاصيل وتعقب من لما يزل في الحياة منهم. وقد تكررت جرائم المستنصرية مرتين، يوم الندوة ويوم تشييع الضحايا. وقد تردد وجود ثأر شخصي للمدعو جعفر موسوي تجاه طارق عزيز، والمدعو من أركان المحكمة، فما تخريج ذلك لدى فقهاء القانون الجنائي من عبد الرزاق السنهوري وعبد الباقي البكري وعبد الأمير الورد وعبد الجبار عريم واسماعيل القاضي وغيرهم من أساتذة القانون والأعضاء السابقين في محاكم الاستناف والجنايات العليا. هل فسد القانون كما فسدت الدولة والسياسة والاقتصاد. وهل فسد رجال القضاء وخريجو الحقوق كما فسد رجال السياسة والدين.
إذن.. ما نفع الملح إذا فسد. وما قيمة شجرة لا تثمر.
*
حتى مجئ هيئات قضائية جديرة، لا تكون مأجورة ولا مسيسة ولا محاصصة، يقتضي تعليق الجلسة.. من أجل مزيد من النبش في الدفاتر والملفات.
*
لندن
في الثاني والعشرين من مايو 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود


.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك




.. زعيم المعارضة الإسرائلية يحذر نتنياهو: التراجع عن الصفقة حكم


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مسؤول الأغذية العالمي في فلسطين:




.. تغطية خاصة | إعلام إسرائيلي: الحكومة وافقت على مقترح لوقف إط