الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في تجربة -المنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف- على خلفية قضية اكتشاف المقابر الجماعية/ 1 2

محمد العودي

2008 / 5 / 24
حقوق الانسان


وإنه ليس عسيرا عند استحضار المصير المجهول للعديد من الضحايا من أبناء الشعب المغربي من خلال موقف "المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف"، التأكد بالفعل من أن ثمة شيء جوهري لا يزال بالفعل غائبا حتى يتم التسليم بفكرة الطي النهائي لصفحة الماضي. وذلك بالرغم مما قد يكون قد تحقق في إطار توصيات "هيئة الإنصاف والمصالحة" أو متابعة الملف من طرف "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان". بحيث إن الجروح العميقة عند ضحايا تلك الانتهاكات الجسيمة التي يرجع بعضها إلى بداية الاستقلال، مهما كانت إجراءات جبر الضرر تجاه ذوي الحقوق وعائلاتهم ومهما بلغت قيمة التعويض المادي المرصود، لن تندمل. وذلك ما لم يتم اتخاذ تدابير حفظ الذاكرة الجماعية وإعمال مبدأ عدم النسيان، ومادام العديد من المسؤولين المباشرين عن تلك الجرائم السياسية يتقلدون مناصب هامة في هرم السلطة.
ضمن هذا المنظور الذي يشكل الإطار الواقعي لتقدير الضرر وهول المعانات، يتحرر أيضا الضمير لدحض أي اعتراض تجاه موقف شريحة من الضحايا التي فرضت عليها الحاجة ورتابة المعيش اليومي، بعد محنة الاعتقال وعواقبه الصحية والنفسية والمهنية، القبول بالتعويض المادي دون الخوض في الشروط المبدئية المعينة. خاصة وإن الذاكرة الشعبية تقدر ولا ريب مدى سادية الانتهاكات وفظاعة القمع الذي أصاب الضحايا في أجسادهم وأرواحهم، في ممتلكاتهم وذويهم، في إنسانيتهم وهيام شبابهم.
إذ، بخصوص جبر الضرر الذي طالب به "المنتدى"، كونه بالفعل حق مشروع وواجب أخلاقي تجاه الضحايا، لابد من التذكير بأن الأموال المرصودة لم ولن تخصم كما هو مفترض من الثروة الخاصة بالقصر أو "المخزن"، المسؤول الرسمي والرمزي عن تلك الانتهاكات. بل، ولا حتى من ثروات زمرة المنفذين والجلادين الذين اغتنوا بوقاحة من نهب الملك العام، وريع مناصبهم "المخزنية". وإنما يتم خصمها من ميزانية الدولة، بمعنى الرسوم والضرائب التي تستخلص من جيوب عامة أبناء الشعب المغربي بما فيها الطبقات الشعبية المستضعفة التي عانت من القمع طيلة سنوات الاضطهاد. وحتى في هذه الحالة يمكن اعتبار ذلك، من باب الذاكرة المشتركة، بمثابة "كفارة" جماعية عن تخاذل شرائح واسعة من المجتمع وصمتها المريب عما كان يحدث في البلاد. ذلك، دون إغفال عنصر التعاضد والتكافل الذي يدخل ضمن سيرورة التضامن التقليدي الذي ميز السلوك الاجتماعي عند المغاربة عبر العصور.
لا مجال إذن لطي صفحة الماضي، في ظل العهد الجديد/ القديم، دون الوقوف مجددا عند الثوابت التي يقوم عليها موقف الحركة الحقوقية و محدداته الجوهرية ! خاصة في هذا الزمن الرديء الذي لازالت فيه مع الأسف شرائح واسعة من الشعوب العربية والإسلامية تعاني من الاستبداد وتتعرض بكل صلافة إلى مختلف أشكال الاستغلال والظلم الاجتماعي. تشكيلات ونظم سياسية ظلت تتستر عن الفقر الدائب على الانتشار والفوارق الطبقية من خلال العودة والانشغال بنزعات فكرية متزمتة من خلال التشبث، بشكل انتحاري، بفكرة بعث الماضي وماهية وجود تدفع نحو تراث يفصلنا عنه عمق التاريخ بصورة لا رجعة فيها. مما يجعل اليوم فصائل هامة من المجتمعات العربية والإسلامية تخطا كليا الحاضر؛ بل أصبحت غاية وجودها مبهمة إلى درجة أن المسألة الجوهرية المتعلقة بمواكبة العصر ورهاناته صارت شبه لاغية وغير ذات موضوع.
على أن موقف "المنتدى" ليس نابعا من وعي شقي أو رغبة في جلد الذات أو فكر سياسي متعصب. وإنما قوامه نبالة شعور قوي وعميق تجاه أرواح شهداء الكرامة وحقوق الإنسان ومعانات عائلاتهم ليس بالمغرب فحسب، بل عبر الاتحاد المغاربي و باقي الأقطار العربية والإسلامية. إذ يتم من خلال هذا الموقف استحضار تضحيات هموم ومعاناة أجيال بكاملها من المناضلين مع محنة المطالبة بالحقوق الاجتماعية وبناء الدولة العصرية. بحيث نحن أمام خط نضالي يساري كافح بفصائله المختلفة، من أجل المستقبل، من اجل الأجيال المقبلة، من أجل بناء المجتمع الحداثي الديموقراطي.
بحيث إن كل التصرفات والسلوكيات النضالية كانت تتجذر في أفق مثالي لوطن ومشروع مجتمعي أفضل. فكيف القبول اليوم بمجرد تعويض مالي، في الوقت الذي لازالت فيه مظاهر الفساد والفقر والجهل والظلم الاجتماعي تنخر كيان الأوطان؟ إلى درجة أصبح معها العديد من الأدمغة العلمية، والطاقات الفكرية النيرة تختار المنفى؛ بل إن الألوف من الشباب المغاربي صارت تغامر بحياتها عبر البحار، من خلال مسالك الهجرة السرية، هروبا من قتامة العيش في الوطن المروم الذي حتى الأمس القريب كانت الأجيال تضحي من أجله بالغالي والنفيس. على أن حشود المهاجرين / اللاجئين من باقي الأقطار العربية والإسلامية والإفريقية لا تقل عددا. وذلك إما بسبب بطش الحاكمين، أو دمار ومآسي الحروب السياسية المغلفة بدواعي عرقية أو دينية واهية، أو نتيجة ظروف الاحتلال في ظل المد الإمبريالي الجديد كما في العراق.
وختاما، في ما يخص القضية المغربية، فانه سواء بالنسبة للذين قبلوا حقهم في التعويض أو بالنسبة للذين تشبثوا في إطار "المنتدى"، قبل جبر الضرر، برمزية الاعتذار ومبدأ إرساء جذور ديموقراطية حقيقية لإقامة دولة الحق والقانون وعدم التكرار، فإن قيم النضال أكبر من كل شيء. إذ، مهما كان الاختيار، فإنها قيم لن تنحل بفعل تعويض مادي أو معنوي من أي نوع كان. وسوف يبقى الطرف الوحيد الذي يظل خارج العصر، ككل رواد القمع الذين لفظهم التاريخ، هي تلك العينة البشرية المتجسدة في بقايا الاستبداد والجلادين سواء بالأرض المغاربية أو بباقي الأقطار العربية والإسلامية وغيرها من بقاع العالم الثالث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي


.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل




.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل


.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق




.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا