الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحراك التفاوضي وشلل أولمرت

برهوم جرايسي

2008 / 5 / 25
القضية الفلسطينية


رد الفعل الأول الذي ظهر عند كثيرين في الساحة السياسية الإسرائيلية وخارجها، على إعلان البدء بمفاوضات مباشرة بين إسرائيل وسورية، هو أن رئيس الحكومة، إيهود أولمرت "هرب من شبهات الفساد التي تلاحقه باتجاه سورية"، وفي محاولة لإثبات أنه ما يزال موجودا، ويقوم بمهامه كما لو أنه ليس ملاحقا من وحدة التحقيق في الشرطة الإسرائيلية.
من يتابع سير الأمور الداخلية في إسرائيل، وخاصة استراتيجية السياسة الإسرائيلية في الملفات والقضايا والصراعات الكبرى التي تواجهها، يستصعب تبني مثل هذه الفكرة التي تضمنها رد الفعل.
وهذا لأن أولمرت، "وبتبوئه" مكانة "أضعف رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل"، هو أيضا أضعف من أن يتوجه بمفرده نحو المسار التفاوضي مع سورية، أو حتى التقدم فعليا وبشكل جدي في المسار الفلسطيني، من دون الحصول على موافقة المؤسسة الأمنية والعسكرية، التي نسمع أنها ليست موحدة في الرأي بما يتعلق باستئناف مفاوضات السلام مع سورية، إلا أن غالبيتها تميل إلى استئنافها.
وليس من المستبعد جدا أن تكون المؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية معنية بفحص جوانب معينة في الموقف السوري، دون أن "تتورط" إسرائيل بعملية تفاوضية طويلة ملزمة، بمعنى أن هذه المفاوضات تبدأ الآن، مع معرفة مسبقة بأنها لن تعمر طويلا بسبب القلاقل السياسية في إسرائيل، التي قد تقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وبهذا تكوّن إسرائيل تصورات استراتيجية أكثر وضوحا متعلقة بالشأن السوري، تهميدا لمرحلة قادمة فيها ثبات سياسي أكبر.
وما يؤكد هذا، هو ما نشره جميع المحللين العسكريين والأمنيين في إسرائيل، في اليوم التالي للإعلان عن تلك المفاوضات، وجميعهم على مختلف اتجاهاتهم نقلوا نفس الرسالة، مما يعني انها موجهة من أعلى مستوى في المؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية.
ونحن نقرأ مثلا، في مقال المحلل عاموس هارئيل في صحيفة "هآرتس"، أن كبار قادة الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية دفعوا أولمرت نحو تلك المفاوضات، ويكتب زميله في نفس الصحيفة، باراك ربيد، إن نقطة الاختلاف الوحيدة في الأجهزة الأمنية نجدها في جهاز "الموساد" (المخابرات الخارجية) الذي يتحفظ رئيسه من مفاوضات كهذه، "ولكن السطر الأخير الذي يلخص موقف الأجهزة الأمنية يقول: إن لإسرائيل مصلحة استراتيجية في التوصل إلى سلام مع سورية".
وينضم إلى هذين المحللين، آخرون، مثل أليكس فيشمان في "يديعوت أحرنوت"، وعمير ربابورت في "معاريف"، وغيرهم.
ولكن موقف العسكر هذا بحاجة إلى ذراع سياسي تنفيذي، بمعنى حكومة قوية، وأكثر من هذا، رئيس حكومة قوي ذي قدرة على اقناع الجمهور، وحاليا، فإن المشهد السياسي في إسرائيل يفتقد لهذا وذاك، فرئيس الحكومة أولمرت في أدنى مستويات الشعبية لأي رئيس حكومة إسرائيلية على مر عشرات السنين، وما يزيد طينته بلة، هو مسلسل التحقيقات في شبهات الفساد، وهذا ينعكس مباشرة على الحكومة ككل، التي باتت ترتكز، على الأقل في هذه الأيام، على أغلبية هشة، 64 نائبا من أصل 120 نائبا.
فمع افتتاح الدورة الصيفية للكنيست (البرلمان) هذا الأسبوع، ظهر المشهد السياسي العام بحالة شلل وإرباك واضحين، بفعل حالة الترقب التي تسيطر عليها، لما ستفضي إليه تحقيقات الشرطة مع أولمرت بشبهات تلقيه رشاوى.
فعلى الرغم من زخم التقارير الصحافية التي تنشر على مدار الساعة في إسرائيل حول قضية أولمرت، إلا أن تعامل القوى والشخصيات السياسية الأساسية الكبرى مع هذا الملف يطغى عليه الحذر، خاصة وأنه في قضايا أخرى واجهها أولمرت، وحتى غيره، تجلت في نهاية المطاف فجوة كبيرة جدا بين ما كان ينشر، وبين توصيات الشرطة، فمثلا في ملف وُصف في حينه الأخطر الذي يواجهه أولمرت، وهو محاولته إرساء عطاء لخصخصة ثاني بنك في إسرائيل على أحد المقربين منه، حين كان وزيرا للمالية، أوصت الشرطة بإغلاق الملف نظرا لعدم وجود أدلة.
ولكن هذا الحذر لا يمنع سياسيين من الصف الثاني والثالث من دعوتهم أولمرت للاستقالة من منصبه والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وهي خطوة من الصعب رؤيتها تتحقق قبل أن تقول الشرطة كلمتها في هذا الملف، أو تقع مفاجأة أخرى تضطر أولمرت لتقديم استقالته.
ولهذا فإن الحلبة السياسية في المجمل، بما فيها الحكومة، تجهل طبيعة التطورات في الأسابيع والأشهر القريبة، وهذا يخلق حالة من الإرباك في العمل السياسي في إسرائيل، يمنع أي تقدم في أي اتجاه جدي على المستوى الاستراتيجي، لتصبح حكومة أولمرت، عمليا، حكومة تسيير أعمال، دون الإعلان رسميا عن هذا.
وبالتالي فإن هذه الحكومة لن تكون قادرة على دفع العملية التفاوضية في أي من المسارين، السوري والفلسطيني، هذا إذا وجدت أصلا رغبة بذلك لدى أقطاب الحكومة الحالية، خاصة وأن ما يجري على الأرض من مشاريع استيطانية وفرض حدود من جانب واحد، إن كان في الضفة الغربية ككل والقدس وهضبة الجولان، لا يدل على نوايا حقيقية لدفع الصراع نحو الانفراج.
وعلى ضوء الحالة السياسية الداخلية في إسرائيل، هناك قناعة سائدة بأن الانتخابات البرلمانية القادمة، التي موعدها القانوني خريف العام 2010 ستجري قبل تاريخها بكثير، ولكن من الصعب رؤيتها أن تجري قبل نهاية العام الجاري، فإما ان تجري في نهاية شتاء العام القادم 2009، أو بعد ذلك ببضعة أشهر.
وهذا يعود لعدة أسباب، وأبرزها أن الشرطة اعلنت مسبقا ان ملف أولمرت الأخير شائك، ويحتاج لعدة اشهر إلى حين التوصل إلى استنتاج بشأن تقديم لائحة اتهام أو لا، كذلك فإن إسرائيل ستشهد في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم انتخابات للمجالس البلدية والقروية، وتتفق جميع الأحزاب على رفض إجراء انتخابات برلمانية في آن واحد مع تلك الانتخابات، بل تحبذ أن تكون انتخابات هذه المجالس بمثابة "بروفة" لاختبار قوتها الميدانية وجاهزية كوادرها الحزبية، تمهيدا للانتخابات البرلمانية القادمة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لا يصد الباب في وجه سيناريوهات قد تقلب الأوراق رأسا على عقب في اتجاهين، الأول ان تعلن الشرطة أن لا أساس للشبهات، وهنا يظهر أولمرت "ضحية مؤامرة"، تعطيه دعما جديدا يمنع سقوطه السياسي وسقوط حكومته، أو أن تتوصل الشرطة إلى استنتاج بضرورة تقديم لائحة اتهام، في موعد أسرع مما تعلنه، أي في غضون أسابيع قليلة جدا، مما يضطر أولمرت لتقديم استقالته، وفي حالة كهذه سيكون إما تشكيل حكومة بديلة، برئاسة شخصية من الحزب الحاكم، أو التوجه إلى انتخابات برلمانية في غضون ثلاثة أشهر من يوم استقالته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح