الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفضاء الفاعل في نصوص خالدة خليل

ثائر العذاري

2008 / 5 / 26
الادب والفن


تحاول خالدة خليل في كل أعمالها تقمص تجربة شخصية امرأة عراقية مغتربة نمطية، فالثيمة الرئيسة في كتاباتها هي التعبير عن خليط من هموم الوطن المنكوب وهموم الغربة القاسية، ومع أنها تعبر عن تلك الهموم بصدق يصور الكثير من تجربتها الشخصية، فإن وعيها الفني والجمالي، بوصفها ناقدة، يجعلها تلبس تجربتها الشخصية تلك في إطار نمطي يبعدها عن الإيغال في الفردانية ويكسبها الطابع الإنساني العام.
والفلسفة التي تقوم عليها تلك التجربة تتلخص بكلمة واحدة هي (العجز)، فشخصية السارد في كل نصوصها تعبر دائما عن الخيبة والعجز إزاء عالم متجبر ظالم لا يفهم خطاب الشعراء، وأول انعكاس لهذه الفلسفة يظهر جليا في الشكل (أو اللا شكل) الذي اختارته خالدة لنصوصها، فالنص المفتوح الذي يمثل الأسلوب الرئيس لنصوصها، يعبر بفقدانه الشكل الفني القار عن العجز عن الفعل المؤثر الذي يستطيع أن يشكل العالم بحسب رغبة الشاعر.
من هنا نجد في نصوص خالدة خليل أن الفضاء الشعري الذي يفترض أن يكون البيئة التي يحدث فيها الفعل الشعري، يتحول الى الفاعل الأوحد في نصوصها ويتحول السارد الى محض مفعول به لا يقدر الا على التأثر بذلك الفضاء والخضوع له والاندفاع بدوافعه.

تمد السماء يدا
تعصر بها الوقت
كلما مزقت الكلمات شرانق سياقاتي البريئة
وهرب المعنى من زنزانته الانفرادية

هكذا يبدأ نصها (حرائق الظل)، ويمكن أن نلاحظ أن هذه البداية تستهل بفعل (تمد) غير أنه مسند الى الفضاء الشعري لا السارد، فالفاعل هو (السماء)، التي تعصر الوقت من غير أن يكون للسارد يد قادرة على التأثير في هذا الفعل. وفي هذه البداية التي اختارت الشاعرة أن تجعلها مقطعا مستقلا في الإخراج الطباعي، هناك أربعة أفعال هي:
تمد، تعصر، مزقت، هرب
أما الفعلان الأولان فهما مسندان الى السماء (من مكونات الفضاء الشعري)، وأما الثانيان فمسندان الى الكلمات والمعاني بوصفها عناصر من دواخل شخصية السارد، تفصل بينهما (الأولان والثانيان) كلمة (كلما) لتكون الشكل الآتي:

تمد وتعصر كلما مزقت وهرب

ويمكننا ملاحظة التعبير عن العجز في الشكل اللغوي، فالفعلان المسندان الى الفضاء الشعري جاءا بصيغة الاستمرار، أما الفعلان المسندان الى السارد فجاءا بصيغة الماضي، ففي الوقت الذي تحدث أفعال الفضاء الشعري بنمط مستمر دائم، حدثت أفعال السارد في الماضي الذي يشعر أنها حدثت مرة واحدة أو لا تحدث الا نادرا، والزنزانة الانفرادية تعبير يؤكد هذا الفهم ويزيده وضوحا.
ولو نظرنا الى اتجاه تأثير الأفعال في نصوص خالدة خليل، سنلاحظ بوضوح أن أفعال الفضاء الشعرية مؤثرة بما حولها أما أفعال السارد فهي لا تؤثر الا فيه هو:

وحين يفر الزمن باتجاه الغروب
يتحرر لجام الذهول
أمام شرائع شيدتها موائد مهجورة
لتدونها الحمى على أصابع الريح
فوق سنواتها الباردة
تلقح الكذب
هذه الأيام
ويسيل لها لعاب القدر
رأى فرائسه مشفرة
تورم الأسرار في أحشاء النهار
ما زال نزيف الحرف يحفر أخاديده في أرصفة العمر
ما زالت ثمار الصبر المتدلية
تتهاوى على الورق

فالأفعال المسندة الى الزمن واللجام والحمى والقدر كلها تتجه الى الخارج لتفعل فعلها فيما حولها، ولكن ما إن يحدث فعل في داخل السارد حتى ينكمش على نفسه ويفعل فعله في السارد نفسه، فنزيف الحرف يحفر أخاديده في عمر السارد نفسه وثمار صبره هو تتدلى على ورقه هو. وحتى حين تتمرد الأفعال وتحاول أن تمتد الى الخارج تأتي الشاعرة بأداة النفي لتكبح جماحها وتلغي عملها:

في المرآة
يحترق الظل
لم تعد تزمر في ناي القصيدة أمنية
او تفرش ألوانها
فوق وسائد انتظار

فحين تحاول أماني السارد أن تفعل فعلا ما وهو يتأمل نفسه في المرآة تفرض (لم) سطوتها عليها وتلغي كل أثر ممكن لها.
وفي نصها (زجاج ذاكرة ما) يأتي المقطع الاستهلالي:

عند انتصاف العمر، يدق ناقوس الضجر، على إيقاع منجل السنوات وهو يحصد غنائم أثقل من انهزاماتي، وتلف ما يحصد بعباءة لونها رماد أرق وملل الوسادة المحشوة بأحلامي.
الأيام المتشابهة ترتمي مع الأقدار في حضني لحظة غفوتي. أما الزمن فأراه يتهاوى في
أعماق مجهول. هذا البذر المغروس في طوالعنا منذ الأزل لا ينمو إلا في متاهات حروب،
ربما ليذر رماد طواحينها في أعيننا، ربما لنصبح بلا رؤية، بلا تاريخ، بلا مستقبل، يالتلك
الشعارات المعلقة فوق أعمدة التخلف، آم ترعبنا.

فبمجرد أن نسأل من الذي يفعل ومن الذي لا يفعل يتكشف لنا العجز والخيبة الكبيران اللذان يشعر بهما السارد، فالزمن ومفرداته من أيام وسنوات وعمر كلها تذوي وتتهاوى من غير أن يملك السارد أدنى سلطة عليها، بل أن الأيام المتشابهة ترتمي مع الأقدار في حضني لحظة غفوتي. فالفضاء الشعري يفعل فعله بمعزل عن إرادة السارد، وتحدث الأفعال في غفوته كما تحدث في صحوته.
ومن الغريب أ، السارد في نصوص خالدة خليل غير قادر على الفعل حتى في الأماني والأحلام ففي أمنياته أيضا يكون هو مفعولا به لأفعال الفضاء الشعري، في هذا المقطع من (مفترق طرق):

واحريتاه
افطمي أنوثتي من صمتها
امتطي صهوة نهار وضوء
وأمطريني في الغروب
باقة أحلام لا تذبل،
خطيني شهادة ميلاد
فوق جبين قدر جديد
أو احفريني وشما لقصائد امرأة
أضاعها عشق
وركع عند ركبتيها الشمس
التمس يا قمر العذر
من بين ساقيّ
كاهنة أرضعتك الضوء

فالسارد الذي هو هنا امرأة كما في كل نصوص خالدة تتمنى أن (تفطم الحرية أنوثتها) و(تمطرها باقة أحلام لا تذبل) و..........
وليس في كل ذلك أي فعل منسوب الى الساردة نفسها، فهي عاجزة عن الفعل، أو هي ناكصة خائبة الآمال لا تستطيع غير الاستسلام لسطوة الفضاء الشعري القاهرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس