الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام السوري. اسرائيلياً در

محمد حاج صالح

2008 / 5 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


يتساءل كثيرون عن السبب الذي حدا بالنظام السوري أن يعلن عن مباحثات "السلام" مع إسرائيل في هذا الوقت بالذات، مضمرين تقييماً واهماً بأن للنظام أجندة مطابقة لخطابه العلني المتمركز على مفهوم الممانعة. والحال أن السوريين يعرفون ويلمسون تماماً، ومنذ زمن بعيد، أن بوناً شاسعاً يفصل بين خطاب النظام العلني وإجراءاته السرية الحاكمة لاستراتيجياته، إلى حد أن النخبة السياسية السورية مقتنعة بأن التقاط أهداف التكتيكات السورية يمكن فقط عبر عكس الصورة. الأمر ليس جديداً فقد قال الشاعر المرحوم ممدوح عدوان وهو ابن نظام البعث بشكل أو آخر، قال في أوائل الثمانينيات إن الدولة تكذب في كل شيء وإنها تكذب حتى في درجات الحرارة.
وعلى ذمة أحد الأصدقاء ممن له صلة بعظام رقبة النظام أن دبلوماسياً سورياً من الفاعلين وليس من الدبلوماسيين الشكليين، أسر له أن محور النشاط الدبلوماسي السوري تجاه الغرب يرتكز على فكرة واحدة مؤلفة من بضع جمل لاأكثر. إما نحن أو الأصوليون؟ أتريدون أن تروا خمينياً آخر على شواطئ المتوسط؟ (على الرغم من التحالف مع نظام الملالي، فالبازار هو البازار). نحن علمانيون فهل تريدون نظاماً سلفياً على حدود أوربا؟ ولذلك أقدم النظام على تسليم الأمريكان قوائم أمنية مطولة بأشخاص إسلاميين، يرجح أن قيمتها الأمنية كانت غير ثمينة بسبب أسلوب النكاية، حيث دس النظام أسماء معارضين له لا يمكن حسبانهم في عداد الإرهابيين.
لا ينطبق ما نقله حسنين هيكل عن رئيس الوزراء الأسبق للاتحاد السوفييتي المرحوم على نظام عربي مثل انطباقه على النظام السوري. ينقل هيكل أنه وفي زيارة للرئيس جمال عبد الناصر لموسكو، أسر له كوسيجن أن القيادة السوفييتة لديها شعور مرير تجاه العديد من البلدان العربية، إذْ أنها (هذه البلدان) تستخدم اللاتحاد السوفييتي كمصعد أو سلّم للصعود إلى أمريكا. والحال أن النظام السوري أتقن هذه اللعبة، أي جمع الأوراق بهدف عرضها على العم سام ليحوز على القبول، لكن من سوء حظ النظام وحسنه معاً أن أمريكا بدأت بالإزورار عن الأنظمة الشمولية ذات الجذر الاشتراكي منذ ثمانينيات القرن الماضي، وشرعت باستراتيجيات حصار تتلخّص بترك أنظمة كهذه لتتعفن من ذاتها.
إن أي متتبع سيجد أن النظام شاطر في تجميع أوراق الترشيح هذه. والنجاح في جمعها أمد في عمر النظام ولا شك، لكنها في النهاية تحولت إلى عبء ثقيل لن يجد النظام بدّاً من التخلي عنه عندما يدق الكوز بالجرة وتحمر عين غاضبة. فمثال دعم حزب العمال الكردستاني بقيادة أوجلان واللعب في أمن تركيا ارتد وبالاً ليس على النظام وحده وإنما على سورية كبلد، يكفي أن نتذكر الإملاءات المهينة من الجانب التركي على النظام والتي قبل بها جميعاً، وقال "نعماً" ذليلة لكل بنودها، وآخرها لواء الإسكندرونة. ومن المفارقة أن من كان الوسيط في خلاص النظام من التصميم التركي هو الرئيس المصري ذاته والمتهم الآن من قبل النظام بمعية السعودية بقيادة جبهة مضادة. وإذن لا خلاص إلا باللجوء إلى إسرائيل. والمثال الثاني هو محاولة النظام ركوب موجة المقاومة في العراق. حيث تبنى مواربةً مع نظام الملالي دعم المقاومة العراقية التي وبقصور سياسي فظيع غرقت بدماء أفرادها وأفراد الشعب العراقي، وإن أدمت الأمريكان. وكان الهدف الإيراني السوري هنا أن لا يرتاح الأمريكان ليلتفتوا يمنة أو يسرة. ولكن بوادر انكشاف الأدوار بدأت في الظهور، وبات واضحاً أن النظامين، ولينجوا، يريدان حرباً على الأمريكان حتى آخر عراقي، أو إلى الوصول إلى تسوية تضمن لهما يداً عليا في الشرق الأوسط، بعد إسرائيل طبعاً. والتسريبات الواردة من أطراف عدة تظهر أن النظام ساعد على إدخال عرباً من جنسيات معينة إلى العراق عامداً متعمداً للتوريط من ناحية، وللمساومة من ناحية ثانية. إذن لـمَ لا تعاد الكرة مع إيران وحزب الله وحماس؟ ما المانع؟
لا نجد إشارات كثيرة لدى المحللين أن الوضع الاقتصادي لسورية يدفع النظام حتماً نحو الارتماء في حضن طرف ضامن. هذا الطرف الضامن كان بالأمس دول الخليج، واليوم هو إيران، وغداً هو أمريكا والغرب، إن قبلوا. الشعب السوري يعيش الآن وضعاً خانقاً، يتبدى في ارتفاع أسعار جنوني، وتعليم متدن مع مصاريف ثقيلة للدروس الخصوصية والتعليم الخاص، وشبه انعدام للضمان الصحي فالبعض يموت لأنه لايملك مالاً للطبيب أو العمل الجراحي. البنية التحتية مهترئة ومتقادمة، والمشاريع والمصالح في أكثريتها تقاد بعقلية خارج العصر. ومؤسسات الدولة إقطاعات حزبية ومافيوية فات عليها زمن طويل دون تطوير. المؤسسة الوحيدة الفاعلية هي أجهزة المخابرات، وإن كانت فاعليتها بالنسبة لهذا الغصر كفاعلية طاحون حجرية نسبة إلى معامل ذرية، لكنها تعمل وبكفاية في تحطيم أي أمل سياسي للسورييين. أما الفساد والبرطيل ونهب المال العام والتشبيح فقد أمست جزءاً لا يتجزأ من آلية الاقتصاد السوري ومن دورة المال.
النظام دخل بازار المفاوضات مع إسرائيل لأنه ضعيف، ولأنه يتعجل في استخدام أوراقه خوفاً من أن يفقدها كما فقد ورقة عبدالله أوجلان مع تركيا.
محمد حاج صالح
طبيب وروائي سوري يعيش في المهجر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار