الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المستقلة الممر لفلسطين ديمقراطية موحدة

قيس عبد الكريم

2008 / 5 / 28
القضية الفلسطينية


النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني
الحديث عن حل الدولة الواحدة بديلاً من حل الدولتين هو هروب إلى الأمام ومحاولة للقفز عن الصعوبات الموضوعية التي يصطدم بها النضال الوطني التحرري الفلسطيني بدلاً من البحث عن سبل مواجهة هذه الصعوبات وتذليلها. واقع الحال أن حل الدولة الواحدة، إذا أريد لها فعلاً أن تكون ديموقراطية وأن تضمن المساواة القومية بين الشعبين، لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المرور بحل الدولتين الذي هو ممر اضطراري لا بد منه لكي يتمكن الشعب الفلسطيني من أن يجسد كيانه الوطني على أرضه وأن يوفر تالياً الشروط المادية للمساواة مع الشعب الآخر. واقع الحال، إذن، إن حل الدولة الواحدة ليس بديلاً لحل الدولتين، بل هو بالضرورة، إن أريد له أن يكون واقعياً، مرحلة لاحقة لمرحلة حل الدولتين.
علينا أن نستذكر أن الجوهري في ما يطلق عليه الآن "حل الدولتين" هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة وانسحاب إسرائيل، بجيشها ومستوطنيها، إلى حدود الرابع من حزيران. وعلينا أيضاً أن نستعيد إلى الأذهان أن حل الدولة الواحدة، الديموقراطية والعلمانية والتي تضمن المساواة لجميع مواطنيها، ليس "رؤية جديدة" بل هو في الواقع الرؤية التي تبنتها الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها في منتصف ستينات القرن الماضي.
وفي حينها تطلب الأمر بضع سنوات من الممارسة كي يصطدم وعينا بحقيقة أن هذا الهدف، الذي ينطوي في الواقع على ازالة دولة إسرائيل، لا يحظى بأية شرعية دولية ولا يمكن تحقيقه في ظل موازين القوى الدولية التي كانت قائمة آنذاك والتي كانت للمناسبة أفضل بكل المقاييس مما هو قائم الآن. إدراك هذه الحقيقة هو الذي قاد إلى تبني "البرنامج المرحلي" الذي كان يعني تركيز الطاقات النضالية الفلسطينية والعربية على هدفين كلاهما يحظى بشرعية دولية شاملة: أولهما إزالة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي استولت عليها إسرائيل بعدوان حزيران 67، وثانيهما صون حق العودة للاجئين الفلسطينيين بإحياء الإجماع الدولي على القرار 194. واستطراداً كان البرنامج المرحلي ينطوي على دعوة المجتمع الدولي للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بحرية على أرضه بما يعني إقامة دولته المستقلة على أراضي 67.
تطلب الأمر عقوداً من الكفاح المستميت حتى يبنى، مدماكاً اثر مدماك، الإجماع الدولي على هذا الهدف ليولد تالياً ما بات يعرف بحل الدولتين الذي قادت الانتفاضة الثانية إلى التسليم به حتى من قبل إسرائيل. نحن ندرك أن السعي لوضع هذا الحل موضع التنفيذ لا يزال ينطوي على صعوبات هائلة، ولكن أليس سلوكاً ينم عن النزق أن يتم التخلي، بحجة تلك الصعوبات، عن كل ما أنجز – بتضحيات جسيمة – على طريق هذا الهدف تماماً كمن يهدم أسس وجدران المبنى لأنه يجد صعوبة في عقد سقفها؟
يقال لنا إن التشبث بحل الدولتين "لم يعد عملياً" في ظل الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل على الأرض. هنا يكمن في الواقع المحتوى الجوهري الذي تنطوي عليه هذه الدعوة: التسليم بالأمر الواقع الذي فرضته، ولا تزال تفرضه إسرائيل واعتباره واقعاً نهائياً لا رجعة فيه. سنفحص بعد قليل مدى دقة هذا الافتراض، ولكن دعونا أولاً نبرز المفارقة المنهجية الصارخة التي ينطوي عليها هذا المنطق: فإذا "لم يعد عملياً" الطموح إلى إزالة الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل في أراضي 67، والذي لا يحظى بأي اعتراف دولي بشرعيته، فهل بات "عملياً" القفز إلى الدعوة لإزالة الأمر الواقع الذي فرضته الحركة الصهيونية وكرسته منذ ستين عاماً بدعم و/أو اعتراف دولي شامل تقريباً؟ الأمر الواقع المتمثل بدولة إسرائيل كدولة عنصرية يهودية مغلقة، وهو الأمر الواقع الذي لا بد من إزالته إذا أريد لحل الدولة الواحدة أن يرى النور وأن يكون ديموقراطياً وعلمانياً وضامناً للمساواة بين الشعبين حقاً.
ليس مسلماً به أن الأمر الواقع الاستيطاني الذي فرضته إسرائيل في أراضي 67 هو واقع نهائي لا رجعة عنه. الواقع أن إسرائيل، سواء باتفاقية سلام أو بدونها، سبق أن فككت مستوطنات، إحداها ياميت كانت مدينة استيطانية، وأن ذلك تم ليس فقط في الأراضي المصرية، وليس فقط في قطاع غزة عند خروجها من قلبه، بل أيضاً في شمال الضفة الفلسطينية. ولنتذكر أن خطة الانطواء التي قام على أساسها حزب كاديما جوهرها تفكيك عشرات المستوطنات و "إجلاء" مستوطنيها ليتم تجميعهم في ست كتل استيطانية كبرى. وقبل ذلك كان حزب العمل قد تبنى مفهوم التمييز بين "مستوطنات سياسية" يمكن إزالتها و "مستوطنات أمنية" يراد الاحتفاظ بها في حال التوصل إلى تسوية. وبهذا فإن طيفاً واسعاً من المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية بات يسلم ليس فقط بأن من الممكن، بل أيضاً أن من الضروري لمصلحة إسرائيل أن يتم تفكيك مستوطنات وإجلاء مستوطنين. المسألة التي بات يدور حولها الصراع هي ليست مبدأ التفكيك والإجلاء بل مداهما، أي بالتحديد: أية مستوطنات ستفكك وكم من المستوطنين سيتم إجلاؤهم؟
ربما كان صحيحاً أن حل الدولتين قد لا يضمن، تلقائياً وبالضرورة، حلاً عادلاً لمسألة اللاجئين. ولكن علينا هنا أولاً ملاحظة أن ثمة اجماعاً دولياً على أن التسوية الدائمة يجب أن تتضمن حلاً لقضية اللاجئين، وأن ثمة - حتى الآن - إجماعاً عربياً على أن هذا الحل هو أحد الشروط الثلاثة للسلام وأنه يجب أن يتم وفقاً للقرار 194 (الذي يكفل حق العودة إلى الديار). إن المصلحة الوطنية تتطلب تعزيز هذا الإجماع وتعبئة الضغط الشعبي على مراكز القرار التفاوضي الفلسطينية والعربية من أجل ضمان التمسك به والحيلولة دون التفريط فيه، وليس من المصلحة الوطنية في شيء أن يتم اعتبار أن هذا التفريط واقع لا محالة. كذلك علينا أن نلاحظ أن ثمة تسليماً دولياً شاملاً، بما في ذلك من قبل إسرائيل، بأن حل الدولتين سوف ينطوي بالضرورة على "حل جزئي" لمسألة اللاجئين من خلال ضمان حقهم في "العودة إلى وطنهم" أي إلى أراضي الدولة الفلسطينية كمواطنين فيها. لا شك في أن هذا الحل "الجزئي" ليس كافياً، ولن يكون مقبولاً كبديل من "حق العودة إلى الديار"، ولكن لا شك أيضاً في أنه إنجاز تحقق بتضحيات جسام لا يجوز التفريط فيه دون تبصر بحجة أن حل الدولتين لم يعد عملياً.
القول بأن "حل الدولة الواحدة" هو الذي يوحد الفلسطينيين يتجاهل حقيقة أن خيار الدولتين لم يعد موضع خلاف فلسطيني داخلي منذ أن وقعت جميع القوى وألوان الطيف السياسي الفلسطيني، بما فيها التيار الإسلامي (باستثناء "الجهاد”)على وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني التي تحدد الهدف الراهن للنضال الوطني الفلسطيني بقيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلت عام 67 وعاصمتها القدس. ولا ينتقص من أهمية هذا التوافق استمرار التباين حول جواز الاعتراف بإسرائيل أو الاكتفاء بهدنة طويلة الأمد، ذلك أن قيام الدولة في حدود 67 إلى جانب دولة إسرائيل وعلى أساس إبرام هدنة طويلة الأمد معها، هو في واقع الأمر اعتراف ضمني واقعي بوجود إسرائيل. تلك حقيقة لا يمكن أن يطمسها ضجيج الديماغوجيا أو بريق الشعارات.
بعد هذا لنتساءل: ما الذي تعنيه مخاطبة العالم بخيار "الدولة الواحدة" في ظل الواقع القائم الآن؟ هل تعني التخلي عن المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي احتلت بعدوان حزيران 67؟ هل تعني الكف عن الدعوة لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر الاستيطان في هذه الأراضي غير شرعي وينبغي تفكيكه؟ وإذا كنا سنواصل المطالبة بهذه الحقوق التي تكفلها لنا الشرعية الدولية، الا يستتبع ذلك - منطقياً - قيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي 67؟ أليس هذا في النهاية هو حل الدولتين؟
نحن بالتأكيد نرى أن الحل الجذري والعادل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار دولة ديموقراطية موحدة تضمن المساواة القومية بين الشعبين. هذا ما ينص عليه البرنامج السياسي الذي تبنته الجبهة الديموقراطية منذ عام 1975 ولا تزال. ولكننا أيضاً ندرك أن السبيل إلى هذا الحل الجذري لا بد أن يمر بقيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود 67 تجسد الكيان الوطني المستقل للشعب الفلسطيني على أرضه وتساهم في توفير شروط المساواة بينه وبين الشعب الآخر. وبدون ذلك فإن "الدولة الواحدة" - حتى لو سميت ديموقراطية - مرشحة لأن تكون في الواقع العملي دولة "ابارتهايد" يضم من خلالها الإسرائيليون ما تبقى من أرض فلسطين تحت هيمنتهم ويخضع الفلسطينيون في ظلها لأسوأ أشكال التمييز العنصري.

قيس عبد الكريم أبوليلى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج