الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استنزاف العراقيين مسؤولية من؟

محمد مسلم الحسيني

2008 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



د.محمد مسلم الحسيني
المتابع للوضع السياسي العراقي منذ زمن الإحتلال العسكري للعراق يرى إختلاطا في الأوراق وإرتباكا سياسيا واضحا يكاد يكون مميزا في تأريخ الصراعات السياسية التي مر بها العراق منذ تأسيسه! الأحداث الإستثنائية التي تربك يوميات العراق هي حصيلة لحالة غير طبيعية يمر بها هذا البلد.
ردود الأفعال تقاس عادة بطبيعة مسبباتها ، فحينما يكون الفعل المولّد للحدث غريبا في طبيعته ونهجه فانه سيولد ردود أفعال غريبة الطبع والنهج أيضا. عملية " تحرير العراق" وتخليصه من دكتاتوره كان مبنيّا أساسا على تدخل عسكري مباشر من قبل قوات أجنبية محتلة ليس لها تأريخ مشرف في العمل أو حتى في النيّة إزاء قضايا العراق الخاصة أو قضايا العرب والمسلمين بشكل عام. هذا الفعل المعقد قابله ردود أفعال معقدة إتصفت بالعنف والمقاومة والتمرد!
تدخل طرف أجنبي بشؤون البلاد وتفاصيل حياتها لن يجعل أجواء هذا البلد صافية ومستقرة كما يتوهم البعض، خصوصا أن هذا التدخل المباشر قد صاحبه ووازاه أخطاء إستراتيجية هامة لم يلتفت اليها المحتل أو ربما تغاضى عنها! من أهم سلبيات الإحتلال في أي مجتمع من المجتمعات هو صنعه للأصدقاء وللأعداء على حد سواء في ذلك المجتمع. الإحتلال عادة يقرّب أصدقاءه ويبعد أعداءه وهذا ما يفضي في أغلب الأحيان الى إنشقاقات واسعة في صفوف الشعب الواحد تخلق أسس متينة لصراعات سياسية وعسكرية قد تكون طويلة وعنيفة !
التناحر السياسي القائم بين الفرقاء السياسيين العراقيين هو تناحر مبني على أساسين هامين هما : وجود الإحتلال من جهة والصراع على السلطة من جهة أخرى. هذا التناحر الذي إتخذ صورا وأشكالا مختلفة وعديدة منذ بداية الإحتلال لم ينته بعد وسيبقى ببقاء أسبابه. فرغم التحدث عن تحسن الأوضاع الأمنية وإستقرارها فأن التناحر السياسي القائم بين السياسيين في تصاعد مستمر! هذا التزايد المضطرد في حجم التناحر السياسي قد قابله ووازاه زيادة مضطردة في حجم قوى المليشيات المسلحة المتضاربة فيما بينها في هذا البلد!
كما نثر الإحتلال بذور النزاعات السياسية في العراق من خلال إبتداع النظم والقوانين المثيرة للجدل وعلى رأسها نظام المحاصصة الطائفية فأنه ينثر أيضا بذور النزاعات العسكرية من خلال تأسيسه أو دعمه لبعض المليشيات المسلحة دون سواها. إتخاذ سياسة الأصدقاء والأعداء بين السياسيين قد كونت نواة التفتت والتقسيم في العراق، وهذه السياسة نفسها تتبعها الإدارة الأمريكية إزاء المليشيات المسلحة. فهي تدعم المليشيات الصديقة المتمثلة بالمليشيات الكردية ومليشيات الصحوة وبعض المليشيات الشيعية، بينما تحارب وتبعد وتجتث المليشيات الأخرى التي إعتبرتها عدوّة لها. هذا التباين في تصرف الأمريكيين ورؤاهم إزاء المليشيات المسلحة يعتبر فتيل نار محضر لإشعال حرب داخلية شعواء بين هذه المليشيات المتباينة في ولاءاتها. لكن هذا النزاع الداخلي لا ينحصر على نزاعات عسكرية بين المليشيات التي تنظوي تحت الأعراق المختلفة أو الطوائف المتباينة فحسب ، إنما تتعداها الى صراعات مريرة بين إبناء العرق الواحد والطائفة الواحدة!
قد لا يلوح نور من بعيد لناظر المحلل السياسي يوحي له بأن القوى السياسية في العراق سوف تتآلف وتتصالح وتنسجم مع بعضها في بناء مجتمع ديمقراطي موحد حتى وإن زال الإحتلال. هذا التصوّر السائد في الأفكار سيكون منطبقا تماما مع تصور الحالة الأمنية ، حيث يتعذر على المفكر السياسي أن يرى بارقة من الأمل في تصالح دائم ومستمر بين المليشيات المسلحة في هذا البلد والتي يرتبط بعضها بعلاقات ودية مع المحتل وبدعم لوجستي منه بينما يحارب بعضها الآخر ويلاحق المنتسبون اليها بحجة الخروج عن القانون!
النهج الإداري الأمريكي الذي طبّق في العراق منذ بداية الإحتلال والقائم على أسس الصداقة والعداوة ومبدأ "من هم ليسوا معنا فهم ضدّنا"، قد ولّد أمراضا سياسية مزمنة داخل المجتمع العراقي المتعب قد يتعذر علاجها على المدى المنظور. هذا النهج لم يتغير بمرور الزمن والإداريون الأمريكيون لم يأخذوا العبرة من الخبر والممارسات الخاطئة التي إرتكبوها سابقا والتي أعتبرت أخطاءا إستراتيجية في مسارهم الذي إتبعوه في العراق. بل يبدو للناظر بأن هذه الإدارة ماضية قدما في سياساتها التي من شأنها إحداث شقوق عميقة أخرى داخل المجتمع العراقي قد يستحيل سدّها وإصلاحها!
حل الجيش العراقي وقوى أمنه وتسريح المنتسبين اليهما قد ولّد فجوة أمنية واسعة أدت الى متاعب كبيرة عانى منها أبناء الشعب العراقي طوال خمسة أعوام عجاف، واليوم ترتكب هذه الإدارة نفس الخطأ حينما شرعت بتسريح الكثيرين ممن إنتسبوا الى الجيش الجديد وقوى الأمن بحجج إنتماءاتهم الحزبية أو عدم ولائهم للأحزاب الحاكمة! هذا النهج المخالف لحقوق الإنسان في بحثه عن وسائل عيشه واسلوب حياته سيجعل الكثير من أبناء الشعب يشعر بالتهميش والإقصاء مما يدفعه ذلك الى الإنتقام بالوسيلة التي يراها مناسبة وهذا ما سيخلق مأزقا إضافيا في مجتمع نخرته المحن وأتعبته الويلات.
إقصاء أبناء الشعب العراقي وتجريدهم من حقوقهم الإنسانية وبأعذار إنتماءاتهم الحزبية أو الفكرية يعني إقصاء الملايين منهم عن الساحة وتجريدهم من حق الحياة. هذا الشعور المتنامي عند الناس سيولد ردة فعل عنيفة تكون قائمة على إستخدام العنف والقوة من إجل إسترداد الحقوق. هذه الحقوق المسلوبة كانت تقتصر على شرائح محددة من المجتمع في بداية الإحتلال واليوم تأخذ حيزا متناميا مع حركة الزمن! فهناك طبقة المسحوقين ممن ترفضهم الأحضان الأمريكية وهناك طبقة المدللين الذين ينعمون بخيرات العراق وتحت حماية المظلة الأمريكية! التباين بين الطبقات سوف يتسع ويولد حاجزا متينا بين من هم في السلطة أو المستفيدين منها ومن هم خارجها والمتألمين من أخطائها.
السياسة الأمريكية القائمة في العراق قد لا تستنزف الدم العراقي فحسب إنما تستنزف خيرات العراقيين وعقولهم. فسياسة حرمان الرجل المناسب من مكانه المناسب وتهميش الكفاءة وعدم الإهتمام بها، لهي خير دليل على إستنزاف العقل العراقي من خلال تشتيته بين البلدان أو تحنيطه ومحاصرته. إفراغ الأمم من عقولها يعني إضمحلالها وموتها. أما إستنزاف الخيرات فيعني إكمال حلقة الموت في جانبها المادي، فرغم شراهة الإحتلال لخيرات العراق وموارده فالعراق هذا اليوم يعدّ من أكبر ثلاثة دول في العالم من حيث الفساد الإداري وتشتيت ثروات البلاد وارزاق شعبها!
يبدو ان الديمقراطية المستوردة المطبقة حسب أجندة خارجية تجلب الخير والسرور لمن حالفهم الحظ بمصافحة المحتل والذين ساروا بركبه، بينما تجلب الويل والثبور لمن لا يحظى بمحبة المحتل ولا يستحق مباركته بغض النظر عن شعبيته وإلتفاف الناس حوله! وهكذا فقد حظي من حظى برضى مملكة الإحتلال فانتفخت الجيوب وانكشفت العيوب! إلاّ أن الشعب العراقي المعنىّ يبقى حائرا بين نار الدكتاتورية وسعير الديمقراطية، فهو لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. الظهر بيد حاملي أرزاق الشعب والأرض وما فيها رهينة بيد المحتل ولم يبق للشعب غير النزيف الذي لا ينقطع!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب