الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المعلقة والحرب والمعلقة

عاصم بدرالدين

2008 / 5 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


على اللبنانيين أن لا يتفاءلوا كثيراً بالعهد الجديد، وأن لا يعقدواً أمالاً كبيرة عليه. بلغة أخرى عليهم أن يخرجوا من وهن أحلامهم النرجسية البريئة، إلى دنس الواقع وسواده، والنظر في مقتضيات هذا العهد وشروطه وحدوده. الرئيس العماد ميشال سليمان ليس ساحراً، ولن يكون. والطريقة التي وصل بها إلى سدة الرئاسة، لم تكن سهلة، بالتالي فسنوات حكمه، لن تكون أكثر سهولة وهنا بيت القصيد. وصول سليمان إلى القصر الجمهوري، إحتاج إلى أشهر عدة من الفراغ حتى شارفنا حرباً ممكنة، كانت محصلة مد وجزر إقليمي ومحلي، أجبرت رئيسنا الجديد على الخضوع لها، والوقوف في المنتصف، بين هذا وذاك. قيل أن ذلك من أجل وحدة الجيش، نستطيع أن نفهم حساسية هذه الوحدة وهشاشتها، لكن الأمر مثير ومريب: هل يعقل بعد كل هذه السنوات لا يزال الجيش غير قادر على إيقاف بضعة مخربين أقفلوا إحدى الطرقات بإسم.. الوحدة!؟ ما أقصده، أن الرئيس العتيد، إلتزم خط التسوية لأجل شيء ما يحتفظ به لنفسه، ظهر الآن عند وصوله إلى رئاسة الجمهورية. قلنا يستطيع فخامته أن يسكتنا بحجة وحدة الجيش، لكن أن يكون الجيش وسيطاً لتوقيف تلفزيون المستقبل من جهة، ومن أخرى عدم تأمين الحماية اللازمة لبقية المؤسسات، فهذا يدل على شيء واحد: أن قائد الجيش آنذاك، أخفض رأسه لكي تمر العاصفة، والدليل أن عملية قبوله من قبل حزب الله قد ثبتت بعد إنتهاء الإجتياح الإلهي لبيروت المدنية، وكذا الموقف السوري، لأن الطرفان وجدا حسن نية الرئيس الجديد وتعاونه ولينه.. بعد هذا الإختبار الدموي.

هذا المثل البسيط، يدل على حقول الألغام التي يسير فيها وبينها فخامة الرئيس، فالأمر مشابه لدى قوى الرابع عشر من أذار أيضاً. كل هذا يعيق إمكانية التقدم، أو تجاوز هذين القطبين، مما يؤدي إلى عدم الإخلال بالتوازن القائم اليوم في البلد، والمستمدة شرعيته من أحداث أيار الأخيرة، التي جعلت للسلاح "مطرح" بين اللبنانيين. ثم أن خطاب القسم خير دليل، والذي وصفه البعض بالتواضع والهادئ لم يخطأ، فالرئيس العتيد لا يملك غير هذه الطريق الخطابية ليسلكها، وهي نفسها، كما أشرنا سابقاً، التي أوصلته إلى القصر الجمهوري. فلو أخذنا موضوع السلاح وطريقة طرحه، فيبين لنا بشكل جلي دقة الحفاظ على التوازن الداخلي، بحيث أن الفريقين إستطاعا تأويل قوله:"...ومواصلة العدو لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا إستراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازمة مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الإستراتيجية" لصالحهما. والإثنين معاً على حق، فقد إعتبرت قوى الرابع عشر من أذار أنه يقصد تسخير طاقات المقاومة خدمة للجيش، مما يعني تسليمها بطريقة أو بأخرى إلى القوى الأمنية الرسمية، فيما راح الفريق الأخر يصف خطابه بأنه إمتداد للمرحلة اللحودية (نسبة للرئيس السابق إميل لحود) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ ودلالات مقاومة، بحيث تصبح الدولة كلها تحت أمرة مشروع المقاومة وميولها ورغباتها. فهذا الغموض في النص، والغموض يتأتى هنا عن إمكانية الإستفاضة في التأويل، هي إحدى معالم العهد الجديد، مما يؤكد لنا صعوبة التغيير وإنعدام الأمل، إلا إذا: وهذا إحتمال جد مستحيل!

بيد أننا، فوق كل ذلك، لا يمكننا أن نتجاهل أهمية خطاب السيد حسن نصرالله والإشارات التي أطلقها عبره في اليوم التالي لإنتخاب الرئيس. فهذه الكلمة التي ألقيت لمناسبة الذكرى الثامنة لتحرير الجنوب، وضعت الخطوط الحمر التي يرغب بها حزب الله، بالنسبة للعهد والرئيس الجديدين. وهي خطوط واضحة ومعلومة مسبقاً من قبل الرئيس العتيد: السلاح ودولته. حتى أن السيد نصرالله إنتقل بخفة من "إستراتيجية دفاعية" أعلن عنها سابقاً في مؤتمر الحوار، مقسماً إياها إلى "إستراتيجية تحرير" و "إستراتيجية دفاع"، مما يعني طول أمد بقاء السلاح خارج يد الشرعية، وبقاء حزب الله بمثابة دولة نقيض، أو دولة ظل. ومن ثم يطرح نصرالله على مسامع الرئيس الجديد والفريق الخصم، مشروع الشهيد الحريري: المزاوجة بين الإعمار والمقاومة، وهذه ليست المرة الأولى التي يطرحها السيد نصرالله، ففي مرة سابقة، طرحها حين أشار كيف كان النظام السوري في لبنان يقسم الأدوار بين اللبنانيين. العودة إلى هذا المشروع التعايشي بين دولتين، يشير إلى مدى السخافة والسذاجة التي يتعامل بها حزب الله مع اللبنانيين، بحيث أن السيد نصرالله نسيَّ أن ما كان يحكمنا في الماضي من عناصر قد تغير وإنتهى: من الوجود العسكري السوري في لبنان وصولاً إلى الإحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية. وأكثر من ذلك يتناسى السيد نصرالله أن هاتين الدولتين أو المشروعين مدمرين لبعضهما، وحرب تموز خير دليل على ذلك، فما تبينه دولة الإعمار، تدمره دولة المقاومة الغير محددة الأهداف وحتى الأعداء والعملية الموضعية التأديبية لبيروت شاهد ممتاز على ضياع البوصلة! ولا ننسى هنا تجرأ نصرالله، وإقدامه على تحديد دور الدولة، وموازنة سلاحه بسلاحها!

هذا كله في كفة، وتقسيمه للمجتمع اللبناني في كفة أخرى. من جديد يلعب نصرالله وحزب الله من بعده، دور المصنف لـ اللبنانيين دون خجل أو خزي، وكأنه هو من موقعه الحزبي والفقهي لاحقاً، يحق له أن يقسمنا حسب مشيئته، فيزدري المثقفين والمواطنين اللبنانيين الساعين للعيش بسلام والخروج في أيام الآحاد للترفيه عن أنفسهم، وكأنهم يمارسون البغاء أو الزنا! ويجعل من أشرف الناس-ناسه الشعب المختار، أهل الجنة. وهذا الأمر ينطوي على الإنتفاخ الذي أصاب شرايين حزب الله، وعدم قدرته على استيعاب موقعه الحقيقي العادي المشابه والمساوي لبقية الملل. فهو يعامل اللبنانيين جميعاً بفوقية وتكبر، غير أبه بأفكارهم ورغباتهم. فيقسمنا إلى شطرين كبيرين: حثالة القوم، وخيرته. ومن ثم يقسم الشطر الأول إلى ست طبقات. فإذا كانت النظرية الماركسية تقسم الطبقات على أساس موقعهم من وسائل الإنتاج والعملية الإقتصادية، فإن حزب الله يقسم الطبقات اللبنانية بحسب موقعهم من مشروعه المقاوم!

سلاح حزب الله ومشروعه وثقافته، من أكبر المشاكل التي تواجه العهد الجديد ورئيسه واللبنانيين. فضلاً عن الوضع المسيحي المتشتت، فلا يمكن لرئيس ماروني أن يعمل بمعزل عن طائفته ودعمها، وخاصة أن الرئيس الجديد لا يملك قاعدة شعبية قادرة على تأمين الغطاء الطائفي له. والأمر نفسه هو الذي أعاق مسيرة الرئيس الراحل فؤاد شهاب الإجتماعية الإنمائية، رغم أنه إستطاع في فترة معينة إستمالة حزب الكتائب وزعيمه بيار الجميل، لكن هذا الأخير رد إلى طائفته عندما طرح موضوع التجديد لشهاب، فطار الغطاء، فأتهم شهاب آنذاك -ومن قبل- بالإلتحاق بالمعسكر الإسلامي العربي. من هنا، سيولي الرئيس الجديد حكماً أهمية للوضع المسيحي، ليؤمن إستمرارية حكمه، بالتالي هذا مأزق إضافي سيعرقل مسيرة الإصلاح المرجوة.
هذا على الصعيد المسيحي. والرئيس كرئيس لكل لبنان دستورياً، لا يستطيع تجاهل القطب الأخر في الدولة، وهو لن يفعل بأية حال. لا تشي الأحداث الأخيرة المتواترة والإستفزازية، بإمكانية عودة الأمور إلى هدوئها السابق. فالتسوية السياسية ممكنة، أو قل الهدنة ممكنة وتجسدت في إتفاق الدوحة. لكن التسوية الإنسانية والهدنة الإنسانية صعبة، لا بل مستحيل. فكيف ستنسى الناس ما جرى، وأبطال الحرب الأخيرة لم يعتذروا؟ ولم يعترفوا بعد بخطيئتهم؟ لا بل رأيناهم يفاخرون بنصرهم الأخير، وبشهدائهم المقاومين على أعتاب بيروت المحتلة من "يهود الداخل".
هذا الإحتراب الداخلي الأهلي. أي الصراع الإسلامي الداخلي من جهة والمسيحي الداخلي من جهة أخرى، لا ينذران بغير الشؤم، ويكملان مسيرة الألم والمأساة التي لم تنتهِ بعد فصولها ومشاهدها.

كل هذا يدفعنا إلى عدم التفاؤل، لكن لا بد من قليل منه. فهذه المشاكل الكبرى، يضاف إليها الأزمات الإقتصادية والإجتماعية الثقافية التي يرزح تحت وطأتها وطننا، والتي لا تقل أهمية عن سابقاتها، ستشكل الهم الأكبر لأي رئيس. والرئيس الجديد –الحالي- يسير بحذر لأنه مقيد بإلتزامات أوصلته، هي نفسها، إلى رئاسة الجمهورية. وصراعات وصفقات إقليمية لا يمكن إقصاؤها عن حقيقة المجريات المحلية. مما يعني أننا سنعيش ست سنوات أخرى على وقع: الدولة المعلقة، والحرب (الأهلية) المعلقة. وهما من سمات مجتمعنا كما يقول وضاح شرارة.

على أمل، وهذا أكثر ما نتمناه، أن نبقى بعدين عن الحروب بشتى أشكالها وأنواعها. وأن لا يتعسكر مجتمعنا بطوائفه وملله وأحزابه أكثر. وأن لا يعود المكتب الثاني، ولا تحكمنا المخابرات. وأن لا يطمح الرئيس الجديد –حاله حال أسلافه جميعهم- إلى تجديد ولايته!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين