الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل و-ديمقراطية الفساد-

برهوم جرايسي

2008 / 5 / 31
القضية الفلسطينية


بداية، "نصيحة" من زميل لكل من يتابع الشأن الإسرائيلي الداخلي، ويتابع في هذه الأيام قضية شبهات الفساد الموجهة ضد رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، بأن يحتفظ بالتقارير التي يكتبها، لأنه قد ينشرها ثانية في المستقبل القريب، ولكن بعد تعديل الأسماء، لتحمل أسماء القيادة الإسرائيلية المستقبلية.
هذا ليس من باب السخرية أو التهويل، بل له ما يؤكده ويثبته على أرض الواقع، وما يواجهه أولمرت اليوم، واجهه آخر أربعة رؤساء حكومات من قبله، وعدد لا يحصى من الوزراء وأعضاء الكنيست، وحتى آخر رئيسي دولة، الأول ماليا، والثاني جنسيا.
يوم الثلاثاء من هذا الاسبوع، ترك الإسرائيليون كل مشاغلهم واهتماماتهم، ونسوا الغلاء الفاحش والمتصاعد، أمام أرباح الشركات التي باتت تسجل أرقاما فلكية، ونسوا قضاياهم السياسية، بعد أن شدتهم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة إليها طيلة اليوم، ليتابعوا إفادة مسبقة لرجل الأعمال الأميركي اليهودي، موشيه تالانسكي، وهو يروي أمام المحكمة عن طبيعة علاقته برئيس الحكومة أولمرت، قبل أن يتولى رئاسة بلدية الاحتلال في القدس المحتلة، في العام 1993 واستمر الحال حتى العام 2005.
ونستنتج مما يقوله تالانسكي أنه كان بمثابة ماكنة سحب صرف آلي لأولمرت، يحول له "تبرعات" بعشرات آلاف الدولارات على مدى 11 عاما، لتمويل حملاته الانتخابية وحتى رفاهيته، وأرادت النيابة التي استجوبته أمام هيئة القضاة، معرفة ما إذا كان هذا بمثابة رشوى أم لا.
بعد ذلك شهدنا صخبا كبيرا في استوديوهات الأخبار في القنوات التلفزيونية الإسرائيلية الثلاث، من محللين وضباط سابقين في وحدة التحقيق في الشرطة، مقابل طاقم محامي أولمرت، الذي وزع نفسه على تلك القنوات، ولكن من هذا كله كانت عبارة جوهرية أطلقها المستشار الإعلامي الخاص لأولمرت طال زلبرشتاين، المعروف بسلاطة لسانه.
فقد قال زلبرشتاين: "إن كل هذا الصخب وهذه الضجة، سببه أنه لأول مرة يستمع شعب إسرائيل لشهادة من هذا النوع، من متبرع وجامع تبرعات، حول طبيعة علاقاته مع سياسي في إسرائيل، ولكن يجب أن يكون معروفا أن هذا نهج مألوف بين ساسة إسرائيل، فلكل سياسي تالانسكي خاص به".
وهو لم يبالغ، فقد شهدنا تحقيقات مع جميع رؤساء حكومات إسرائيل منذ العام 1996 وحتى اليوم، وهم خمسة: شمعون بيرس الذي أصبح حاليا رئيس دولة، والقضية ثبتت عليه ولكنه فلت بسبب البعد الزمني، وأيضا بنيامين نتنياهو، وإيهود باراك وأريئيل شارون ثم أولمرت.
إضافة إلى الرئيس الإسرائيلي الأسبق، عيزر فايتسمان، ثم الذي خلفه موشيه كتساب، وهو متورط بقضية اعتداءات جنسية خطيرة، وما يزال ينتظر محاكمته، ويضاف إليهم جميعا الحاخام الأكبر (الرسمي) لليهود الاشكناز (الأوروبيين) المتورط بقضية من نوع قضية أولمرت، وينتظر قرارا بشأن تقديم لائحة اتهام ضده أم لا.
قد "ينبهر" البعض "بالديمقراطية الإسرائيلية" التي لا تتوانى عن محاكمة قادتها إذا تورطوا بالفساد، ولكن كيف تفسر هذه "الديمقراطية" نفسها حين يكون هذا العدد الضخم من السياسيين المتورطين بقضايا فساد؟
والأمر لا يقتصر على رأس الهرم، فمثلا في الدورة البرلمانية السابقة، جرى التحقيق مع 27 عضو كنيست ووزيرا، من أصل 120 عضو كنيست، بقضايا لها ارتباط بالفساد، بأشكال ومستويات مختلفة، ومنهم من حُكم عليه بالسجن الفعلي، مثل نجل أريئيل شارون، عومري، وغيره.
وفي الدورة البرلمانية الحالية، قد يكون عدد الذين خضعوا للتحقيق أقل، لربما لأنه مرّ عليها عامان فقط، ولكن حجم القضايا أكبر، فمثلا وزير المالية السابق، عضو الكنيست أبراهام هيرشزون، ينتظر محاكمته على خلفية اختلاس ملايين من جمعيات صهيونية أقامها لنشر رواية المحرقة بين الجيل الشاب في إسرائيل واليهود في العالم، والقائمة تطول.
ولهذا ليس غريبا أن من يعتبرون أنفسهم مرشحين ثانية لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، مثل بنيامين نتنياهو وإيهود باراك، يصمتون صمت القبور ولا يهاجمون أولمرت عينيا في قضيته، فهم السابقون، وقد يكونون اللاحقين أيضا، إذا ما بقوا في سدة الحكم، وارتباطهم بالطغمة المالية محليا وعالميا، يجعلهم عرضة لشبهات كهذه.
وللفساد المستشري في إسرائيل أسباب جوهرية، وأخرى فعلية ملموسة نتيجة تطورات على الساحة الحزبية طرأت في السنوات الأخيرة.
فمن الناحية المبدئية، لا يمكن لأي دول في العالم تمارس الاحتلال والاستيطان والقتل الجماعي والتطهير العرقي أن تكون ديمقراطية حتى تجاه مواطنيها، وبطبيعة الحال فإن سلطتها لا يمكن أن تكون نزيهة، وهذه قاعدة ثابتة.
ولكن يضاف إلى هذا أنه في مطلع سنوات التسعين بدأت الحلبة السياسية في إسرائيل، وخاصة الأحزاب الكبيرة التي تتناوب على رئاسة الحكومة، تتبنى النموذج الأميركي في اختيار ممثلي ومرشحي الحزب للانتخابات البرلمانية، وأيضا لرئاسة الحزب نفسه، من خلال الاقتراع المفتوح، بمعنى أن كل حزب يفتح باب الانتساب لعشرات آلاف المنتسبين، الذين ينتسبون للحزب لغرض المشاركة في الانتخابات الداخلية، وغالبا ما ينهون عضويتهم في الحزب بعد ذلك.
وهذا الأمر خلق حاجة لدى السياسيين في الأحزاب الكبرى، الطامحين للحصول على مقعد برلماني، لتجنيد أموال تدعم حملاتهم الانتخابية، والشارع الإسرائيلي ليس سخيا إلى هذا الحد، ولهذا فإن تجنيد الأموال يكون بالأساس من كبار أصحاب رأس المال، وكثرة طلب الأموال خلقت حاجة للبحث عن داعمين من خارج إسرائيل، وبالأساس من أثرياء يهود في العالم، وحتى أثرياء أميركان وغيرهم لهم ارتباطات وثيقة بالوكالة اليهودية والمنظمات اليهودية المختلفة في العالم.
وهذا النهج فتح الباب على مصراعيه أمام أثرياء روس يهود، على وجه الخصوص، إما أنهم متورطون بجرائم مالية دولية، أو حتى لهم ارتباطات بالمافيا الروسية، وكثيرا ما تحدّث قادة كبار في الشرطة الإسرائيلية، بكل وضوح، عن محاولات تغلغل المافيا في نظام الحكم في إسرائيل، وحتى أنه في بعض الحالات جرى الحديث عن أمر واقع كهذا.
وإسرائيل اليوم منشغلة أيضا، بأحد هؤلاء الأثرياء الروس اليهود، أركادي غايدميك، المطارد بقضايا جنائية مالية في عدة دول من بينها فرنسا، ويتنقل بين إسرائيل وروسيا، ولا يتحدث اللغة العبرية، ويطمح لاقتحام الحلبة البرلمانية، وتمنحه استطلاعات الرأي من أربعة وحتى سبعة مقاعد (من أصل 120 مقعدا) في أية انتخابات برلمانية قادمة.
و"سؤال المليون" الذي يُطرح في إسرائيل حاليا: من أين جاءت ثروة بلايين غايدميك، الذي كان حتى قبل سنوات قليلة موظف خدمات عاديا، ويحاول اليوم أن يشتري الحكم بأمواله، من خلال نثر أموال على جهات وجمعيات، بشكل أثار تحفظات كثيرة لدى نواب اليمين واليسار الذين يوحدون تحركاتهم لسن قوانين تلجم غايدميك وأمثاله وتمنعهم من الوصول إلى الكنيست.
وهدف الطغمة المالية هذه واضح، وهو الاستيلاء على الحكم، وبالإمكان القول إن أحد أشكال الصراعات في ما بينهم تنعكس في التحقيقات ضد الشخصيات السياسية البارزة، بمعنى ضرب هذا الشخص أو ذاك، المرتبط بهذه المجموعة المالية أو تلك، وطبعا ليس هذا وحده الذي يقف وراء التحقيقات، وإنما أيضا الصراعات الحزبية الداخلية، وتربص حزب لآخر، وغيرها من الأسباب.
إن تحقيقات الفساد السابقة والحالية والقادمة، لا تعكس "نزاهة الديمقراطية الإسرائيلية"، بل تشير إلى أن الفساد يستفحل، وقد يكون ما نشهده اليوم هو طرف خيط لمستنقع فساد أضخم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟