الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
خالد يا خالد
كفاح حسن
2008 / 6 / 1سيرة ذاتية
”أعيد نشر هذه المقالة التي كتبتها عن رفيقي الذي سكن القلب خالد يوسف متي، إبن العراق البار، لتهيئة القاريء لمقال قادم عن ذكرياتي في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي..”
جلست صباح اليوم أمام جهاز الكومبيوتر لأتصفح صفحات شبكة الأنترنت كعادتي. و توقفني خبر منشور في صفحة الطريق التي يشرف عليها إعلام الحزب الشيوعي العراقي.خبرعن العثور على وثيقة صادرة عن مديرية أمن بغداد تشير إلى إعدام كوكبة من مناضلي الحزب خلال. 1983
و توقفني الخبر لأسباب عدة، منها الشوق للتعرف على مصير أصدقاء و رفاق لي غيبوا في زنزانات و دهاليز الأمن العامة منذ الحملة الشرسة التي شنها النظام البعثي البائد ضد مناضلي الحزب الشيوعي العراقي، بعد إنهيار الجبهة الهشة التي كانت تربط مابين حزب البعث و الحزب الشيوعي .و بدأت أقرأ الأسماء، وأنا في حالة الذي يشاهد فلم مرعب، يتشوق لمتابعته، و لكن يغمض عينه من هول المفاجآت المتوقعة..إن أي إسم في القائمة يكشف عن مكان عميق في الذاكرة. حتى صعقت بقراءة إسم رفيق و صديق و أخ طالما تمنيت ولو يائسا ببقائه على قيد الحياة في زنزانة أو دهليز..خالد يوسف متي، الطالب الشيوعي المتقد الحيوية و المليء بالأمل و العظيم بتواضعه.
إلتقينا أول لقاء، في خضم أحداث 1975، حين أجبر الحزب الشيوعي على إيقاف عمل منظماته الجماهيرية بضغط من قبل السلطة , تلقينا هذا القرار بمرارة ، رغم إن عدد غير قليل إعتبروه أمر قليل الأهمية ، وسوف لايعكر"مسيرة الجبهة".
جمعتني معه هيئة حزبية واحدة، كان يجمعنا فيها الحماس و الأحلام. حتى كادت أن تكون لقائاتنا يومية، رغم إنه كان يدرس في كلية الإدارة و الإقتصاد في جامعة بغداد، و أنا كنت في كلية الإدارة و الإقتصاد في الجامعة المستنصرية و قد كلفنا حينها بتمثيل الحزب في معاهدنا الدراسية.و كانت مهمتنا شبه مستحيلة، حيث رفض البعثيون الإعتراف بأي نشاط للحزب في المجال الطلابي. و قد منعت جريدة طريق الشعب من أن يحملها الطلاب في عدد من مدارس العلم.
كان خالد يحسدني في قلة تعرضي لمضايقات البعثيين و رجال الأمن و لم يكن حسده إلا من باب المزاح. فقد ضيق علي الخناق في الجامعة المستنصرية ، بحيث كان من المخاطرة لأي طالب أن يتحدث معي علانية في وسط الحرم الجامعي. و لا زلت أتذكر صديق مسكين ، أعتقل في عام 1977 , و لم يتحمل التعذيب و إستشهد. و كان متهم بأن لديه نشاط داخل الحزب الشيوعي. و حجتهم كانت إنه شوهد لأكثر من مرة يتبادل الحديث معي في نادي الجامعة. رحمه الله ، فلم تربطني به سوى الزمالة الدراسية.
إلا إن العزيز خالد كان محقا بعض الشيء في حسده. حيث لم أتعرض للضرب و الإهانة داخل الحرم الجامعي. بينما تعرض خالد و صديقه أبو مروان ( لطيف) إلى الضرب المبرح من زبانية السلطة وسط الحرم الجامعي في نهاية عام 1977. و هنا إتذكر ذلك اليوم الذي تعرض فيه للإعتداء. حيث كنت بطريق الصدفة في حصة مختبرية للتعلم على إستعمال أجهزة تثقيب الكارتات التي تزود الحاسبة الإلكترونية بالمعلومات في مختبر في كلية الإدارة و الإقتصاد في جامعة بغداد. و رأيت الحادثة. فركضت بدون وعي لإنقاذ رفيقيا. و سرعان ما إحتميا بي و خرجنا سوية من الكلية. و أنقذنا إنني كنت قد زرت الكلية قبل فترة وجيزة ضمن وفد صحفي لتغطية فعالية إعلامية في الكلية. و تصور رجال الأمن إنني واحد منهم ، فمرت اللعبة، وهربنا بجلودنا.
و تذكرت هذه الحادثة في حملة الأنفال سيئة الصيت التي شنها النظام البعثي الدموي ضد أبناء الشعب الكردي في عام 1988. فقد كنت وقتها مع مفرزة للأنصار عند ضفاف الزاب الخارج من بحيرة دوكان. و كان هجوم السلطة شرسا ضد المدنيين العزل على ضفتي الزاب.فما كان من سكان الزاب في ضفة إلا و يهربون إلى الضفة الأخرى و العكس بالعكس. و بهذا تمكن القليل من النجاة ، و الكثير من الوقوع في براثن القتلة. لقد شعرنا في منتصف السبعينيات ، رغم قلة خبرتنا و شدة حماسنا و تصديقنا لكل مايقوله الحزب، بأن خطر كبير قادم.
وكان الناس يحذروننا بعد إنهيار الحركة المسلحة الكرديةفي عام 1975 بأن الدور قد وصلنا، و إن أحداث أشد وقعا من إنقلاب شباط الأسود سوف تواجه الشيوعيين. و كان هذا أيضا شعور رفيقي خالد. وكانت محاضر إجتماعاتنا تشير ولو بشكل غير مباشر إلى ذلك.فقد منعنا من تثبيت أي شيء في المحاضر فيه نقد للسلطة خوفا من وقوع المحاضر في أيد السلطة.
و كان في هيئتنا رفيق " فيلسوف" ، كان هو الأخر يتولى مهمة تمثيل الحزب في كليته، وكان يدرس الفلسفة. وقد أرهقنا بمقولاته الفلسفية المدافعة عن الجبهة. وما أن بدت غيوم الهجمة على الحزب، سارع إلى زيارة أقرب مكتب أمن ليعلن برائته من العمل داخل الحزب الشيوعي.
و كان يقودنا الشاب المتحمس مثلنا منعم ثاني، و الذي ورد إسمه في قائمة الشهداء أيضا.
و كان منعم يشاركنا في المشاعر، إلا إن موقعه الحزبي أجبره على أن يدافع بإستماتة أمامنا عن الجبهة الوطنية. ولكن كيف وساحة عملنا الطلابي تشير إلى إن البعثيون يضمرون لنا العداءالشديد و الرغبة العارمة في إقتلاعنا من وسط الجماهير بأي وسيلة.
لقد إنغمرنا في العمل الحزبي بشكل غير طبيعي، حيث كنا نعمل على مدار الساعة، و أهمل بعضنا حتى إلتزاماته الدراسية و الإجتماعية، مقابل تنفيذ إلتزاماته الحزبية. و لرفيقنا خالد سجل مليء. حيث كان شابا وسيما مثيرا للإعجاب. و طالما تحرشت به الطالبات البغداديات, بينما يتهرب منهن حتى لا يؤثر الإنشغال بمغامراتهن على عمله الحزبي. ومن كثرة الإرهاق سقط في أحد الإجتماعات الحزبية مغشيا عليه بسبب من ذلك. و رغم ذلك رفض ترك الإجتماع إلا بعد إلحاح شديد من قبلنا، و بعد إضطرارنا لتأجيل الإجتماع بسببه.
لقد إتصف خالد بروح أممية عالية. فرغم إنه ترعرع في وسط كلداني.إلا إنه و منذ فترة دراسته الإعدادية أقام صلات و صداقات مع طلبة من خارج حدود نشأته. حتى صار يعرف طرق مدينة الثورة و أزقة الكاظمية أكثر من معرفته بطرق بارك السعدون الذي نشأ فيه. و هذا يعود بلا شك إلى تربيته العائلية المثلى. حيث ولد الفقيد في وسط عائلة وطنية معروفة ربت أبنائها على حب و إحترام الإنسان للإنسان بغض النظر عن عرقه و لونه و مذهبه. لهذا لم تكن روحه الأممية لباس غريب عليه. بينما وجدت في عملي الحزبي عدد لا يحصى من مدعي الأممية الذين سرعان ما ينقلبون إلى متعصبين ضيقي الأفق.
لقد جمعتنا هيئة حزبية واحدة فترة طويلة نسبيا، إلى مطلع عام 1978. وعندها قرر المكتب الحزبي الذي كان يقود المنظمة الطلابية في بغداد إلى إعادة توزيعنا حسب أماكن دراستنا. و هذا ما أفرح خالد وأحزنني. حيث كانت لخالد علاقة رفاقية متينة مع رفاقه في قسمه الدراسي. و إستقبلوه بفرح غامر في منظمتهم الحزبية.
و في نفس القائمة يذكر إسم الشهيد ياسين طه، ذلك الشاب المتحمس العائد من "الإتحاد السوفياتي" و الذي كان يعتبره بناء وطيد مستحيل الإنهيار. رغم حماسنا أنا و خالد و أخرين للتجربة السوفياتية وقتها، إلا إننا وجدنا حماسته مبالغة. حيث درسنا آنذاك في معاهدنا الدراسية كتابات أوسكار لانكه . و تابعنا دفاع عصام الخفاجي عن إطروحة الماجيستير حول "إسلوب التطور اللارأسمالي"حيث ناقشه عليها بشكل أكاديمي الإقتصادي الإشتراكي إبراهيم كبه. لقد بذر ذلك في وعينا بداية الشك في التجربة السوفياتية، رغم دفاعنا المستميت عنها. حمل ياسين طه، رغم تقدمه عنا في العمر، حماسا و إندفاعا شديدين للعمل كانت محط تقديرنا و إندهاشنا.
لقد كانت أيام خالد يوسف متي المعدودة في العمل السياسي 1975ـ1980 تشير إلى شخصية متميزة كان لها أن تجعل منه احد قيادي الحزب في يومنا هذا. فبإستشهاده و إستشهاد هذه الكوكبة من الرفاق الأبطال فقد الحزب كادرا لايزال موقعه شاغرا و صعب التعويض.
و ها أنا أكتب من غربتي عنك يا خالد، و أنت الذي كنت تحدثني دوما عن مرارة الغربة..فأنا أعيش هذه المرارة ، و أنت تعيش الخلود يا خالد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز