الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أصبح مجلس الحكم أسير الإسلاميين ورجال الدين؟

عزيز الحاج

2004 / 1 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


منذ أسابيع نشهد مناورات بعض الأحزاب الإسلامية العراقية للتراجع عن تعهداتهم واتفاقاتهم السابقة حول النظام الديمقراطي والفدرالي، ونرى من مجلس الحكم مجاملات اكثر من اللازم لبعض المراجع الدينية، التي كانت سابقا تطلب من رجال الدين ترك شؤون السلطة لأهلها ولكنها اليوم  تخوض صراعا سياسيا مستمرا منذ الاتفاق على الجدول الزمني لنقل السلطة. إن هذه الجهات المحترمة وذات المقام العالي صارت تلح بإصرار غريب على الانتخابات العامة العاجلة رغم أنها تعرف، مع من يشايعها من أحزاب، أن الظروف غير مناسبة لانتخابات عادلة منصفة لا سيما والمشاكل الأمنية واليومية مستمرة، ولا وجود لقانون انتخابي ولا لإحصاء سكاني. وبينما هناك ملايين من عراقيي الخارج وآلاف من الداخل [وربما حتى مجلس الحكم] محرومون من البطاقة التموينية فإن المطالبة الملحة بانتخابات عامة مستعجلة تعني تجاهل حرمان الملايين من العراقيين من حقهم الأولي في التصويت، في حين أن الجدول الزمني قد اعتمد مبدأ الانتخابات العامة بعد استكمال شروطها وذلك لعام 2005. وإذا كان تقدير بعض الفئات والأحزاب أن الوقت مناسب لها وحدها لانتخابات عامة بعد شهور قلائل بأمل تحقيق نصر انتخابي فئوي أو مذهبي، فإن مثل هذه النتيجة [لو تحققت]  ستكون وقتية، وليست لصالح الجميع ومستقبل العراق.

 وهذا هو مجلس الحكم يصدر قرارا يلغي قانون الأحوال الشخصية المدني ويستبدله بقانون ديني موجه ضد حقوق المرأة ومكانتها وكرامتها وسلب ما حققته خلال عقود من السنين ومنذ الثلاثينات وتدريجيا من حقوق ودور برغم ما سببه نظام صدام للمرأة العراقية من مصائب وكوارث.

 لقد لجا مجلس الحكم لصمت مخيف أمام ظاهرة فرض الحجاب بمختلف الأساليب على المرأة العراقية، من ضغط ومن تهديد وأذى وحتى فرضه على المسيحيات. وصمت المجلس صمت أهل الكهف عن ظاهرة التنكيل بالمسيحيين، وخصوصا في البصرة، على أيدي متطرفين إسلاميين جهلة متأثرين بفتاوى أئمة جوامع مهووسين متعصبين، ومنهم من ينظر لما وراء الحدود الشرقية!

إن القرار المذكور لا يعني غير تراجع المجلس تحت ضغوط الأحزاب الإسلامية والمراجع الدينية عن بعض المبادئ الديمقراطية، ومن أهمها رفع مكانة المرأة واحترام حريتها وحقوقها. إن على مجلس الحكم أن يتراجع فورا عن هذا القرار المتخلف والظالم، وأن يذكّر رجال الدين باحترام الحدود بين واجباتهم الروحية والأخلاقية وبين شؤون السياسة والحكم. ولا أعتقد أن الشعب العراقي يستحق نظاما طالبانيا أو من نمط ولاية الفقيه، الذي نشهد علنا فشله وما يخلقه من صراع حاد بين رجال الدين أنفسهم، وحيث يجرؤ فريق منهم على وضع الفيتو على حقوق المواطنين وحتى رجال دين آخرين في الترشيح  للانتخابات.

 إن انتقال عراق ما بعد الاستبداد الصدامي الفاشي للمزيد من اضطهاد المرأة، والصمت عما يجري من تجاوزات أثيمة ويومية عليها، معناه أن الأفق الديمقراطي المنشود تقل فرصه لصالح استبداد جديد ديني وطائفي باسم [ حكم الشريعة]. والغريب أن يعود مجلس الحكم في قانونه لتسمية العراقيين غير المسلمين ب[أهل الكتاب]، كما كان الأمر في القرون القديمة وحيت كانت الجزية نفرض على [أهل الكتاب] ، وحتى فرض نمط معين من اللبس في بعض الحالات والبلدان. إن المسيحيين والصابئة والأيزيديين وغيرهم هم عراقيون أصلاء وكانوا في العراق قبل دخول الإسلام، فلماذا العودة لمصطلحات عتيقة لم تستعمل في كل الدساتير السابقة؟. ولماذا إلغاء القانون المدني هذا أصلا؟

   إن ما صار واضحا أكثر من السابق هو أن مسؤولية المشاكل الجديدة منذ سقوط صدام يتحمل الساسة العراقيون النصيب الأكبر منها. صحيح أن الأمريكان دخلوا بلا خطة ولا معرفة متكاملة بتفاصيل الوضع العراقي وتعقيداته وتخبطوا كثيرا جدا. ولكن حتى الحل المرتجل لجهاز الشرطة والجيش كان بنصائح ساسة عراقيين. وإن أحزاب المعارضة السابقة التي اجتمعت في لندن هي التي وضعت معايير الانتماءات الدينية والطائفية والعرقية ومبدأ الحصص، مما انعكس على تركيب المجلس ووزرائه. ويقال إن المزاحمة حارة اليوم حول توزيع المناصب الأخرى في الدولة وعلى الأسس ذاتها التي قد تؤدي نحو لبننة العراق وإلى حروب دينية ومذهبية وعرقيةـ [ يقال إن بعض الوزارات صارت وظائفها حكرا لهذه الفئة أو تلك ولهذا الحزب أو ذاك ـ ناهيكم عن معايير القرابة، والصداقةـ أعرف بعض أمثلتها في التعيين لبعض المنظمات الدولية التربويةـ !!].

 لقد قام المجلس بخطوات مهمة وإيجابية رغم تعقد الظروف وشراسة الإرهابيين  عراقيل الأنظمة العربية، ورغم ازدواجية السلطة. ولكن أخطاء اليوم،[ كالموقف من المرأة والاستمرار على مبادئ الحصص الدينية والمذهبية والعرقية]،  سوف تترك عواقبها الخطرة على مستقبل العراق، وسوف تنتكس المسيرة نحو الديمقراطية بينما ينتفع الصداميون والمتطرفون الدينيون وأعداء التغيير الديمقراطي من العرب ودول المحيط الإقليمي.

إن من المفرح أن تنطلق في بغداد مظاهرات نسائية احتجاجا على القانون الجديد للأحوال الشخصية. وأدعو للمزيد منها وأن يمتد الاحتجاج لجماهير الأحزاب الديمقراطية العلمانية لوقف الانحراف تدريجيا نحو نظام الاستبداد الديني والطائفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟


.. احتراق ناقلة جند إسرائيلية بعد استهدافها من المقاومة الفلسطي




.. بعد فرز أكثر من نصف الأصوات.. بزشكيان يتقدم على منافسه جليل


.. بايدن في مقابلة مع ABC: كنت مرهقاً جداً يوم المناظرة والخطأ




.. اتصالات دولية لتخفيف حدة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل ومخاو