الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تحول الرفاه الاسرائيلي الى قنبلة موقوتة؟

اساف اديب

2002 / 5 / 19
القضية الفلسطينية






قراءة في كتاب

كيف تحول الرفاه الاسرائيلي الى قنبلة موقوتة؟
*******************************************


العنوان: "الرفاه: قنبلة موقوتة - الاقتصاد وسياسة الرفاه في اسرائيل"

تأليف: موريا افنيميلخ ويوسي تمير

اصدار: سلسلة "خط احمر" - دار "هكيبوتس همؤحاد" للنشر، عام 2002

237 صفحة، باللغة العبرية
********************************************************************


نشوة الازدهار الاقتصادي التي ميزت التسعينات انتهت، واستبدلها قلق كبير في ظل الازمة الاقتصادية العالمية والحرب في المنطقة. الكتاب الذي نستعرضه يأتي ضمن سلسلة من كتب وابحاث جديدة تركز على التناقضات العميقة داخل النظام الاجتماعي والاقتصادي في اسرائيل. بعد ان حلت العولمة محل اقتصاد الدولة المركزي ونظام الرفاه، نجمت فجوات اجتماعية كبيرة، ولم يعد بالامكان التقدم الى الامام ولا العودة الى الوراء. رغم انه لا يتطرق للحلول الا ان المعطيات التي يوردها الكتاب مثيرة للفكر.



اساف اديب



صورة المجتمع الاسرائيلي في مطلع القرن ال 21 تبدو بشعة وشرسة، كما يصفها بصراحة وشفافية الكتاب الجديد "الرفاه: قنبلة موقوتة - الاقتصاد وسياسة الرفاه في اسرائيل" للمؤلفين موريا افنيميلخ ويوسي تمير. من مجتمع اعتبر افراده سواسية في مستوى المعيشة في اسرائيل الخمسينات والستينات، اتسعت الفجوات الاجتماعية لتتحول الى الاكبر بين دول الغرب. في المجتمع الاسرائيلي الجديد لم يعد هناك اي دور لقطاعات واسعة، بينها المتدينون المتشددون وسكان بلدات التطوير والشرائح قليلة الثقافة وسيما المجتمع العربي.

احد مؤلفي الكتاب، تمير، كان في الماضي مدير عام مؤسسة التأمين الوطني، الامر الذي يمنح الكتاب صفة شهادة من قلب المؤسسة الحاكمة. وبالفعل، يطرح الكتاب معطيات مذهلة حول ارتفاع نسبة المواطنين الذين يتلقون مخصصات الرفاه، مما يثقل على كاهل خزينة الدولة، ويؤدي لارتفاع مستمر في مستوى الضرائب التي تدفعها الشرائح الغنية.

يشير الكتاب الى ان الميزانية المخصصة للرفاه الاجتماعي ارتفعت من 30% (من مجمل الميزانية) في عام 1985 الى 56% في عام 2001 (ص 25). ومع ذلك، فالتأثير المتراكم لمخصصات التأمين الوطني على العائلات الفقيرة انخفض بشكل ملحوظ. فاذا كانت هذه المخصصات في السبعينات تشكل رافعة اخرجت 70% من الفقراء من دائرة الفقر، ففي عام 2000 لم يخرج من هذه الدائرة سوى 45%، رغم زيادة حجم المخصصات على مدى الخمسة عشر عاما الاخيرة.

المفارقة انه كلما خصصت الحكومات في اسرائيل ميزانيات اكبر لمجال الرفاه، كلما ارتفع عدد الفقراء وتعمقت الفجوة بين الاقلية الغنية والاغلبية الفقيرة. ويشير الكتاب الى ان الخمس الاعلى في المجتمع يحصل على 52.6% من الدخل العام، ويفوق هذا 400 مرة ما يحصل عليه الخمس الادنى من الاجراء في اسرائيل. (ص 71)

ويتطرق الكتاب بشكل مقتضب الى المجتمع العربي في اسرائيل، ويذكر انه الاكثر تضررا جراء التحولات التي مرت بها اسرائيل في السنوات الاخيرة. في استعراض مشكلة الفقر يشير الى ان نسبة العائلات العربية التي تعيش تحت خط الفقر تبلغ 43%، اي ثلاثة اضعاف المعدل القطري. غير ان الكتاب لا يخصص اهمية كبيرة لسياسة التمييز القومي الموجهة ضد الجماهير العربية، والتي تسبب فقرها. ان ما يشغل بال المؤلفين هو ظاهرة البطالة وتأاثيرها المدمر على الشرائح الفقيرة في المجتمع اليهودي وسيما المتدينين المتشددين.

الوجه الحقيقي لاسرائيل اليوم يبدو في الكتاب بعيدا كل البعد عن الخطاب القومي حول وحدة المصير اليهودي. وخلافا لدول اوروبا التي تراكمت فيها الثروات لدى بعض العائلات الارستقراطية على مر مئات السنين، يشير الكتاب الى تراكم الثروة في اسرائيل لدى بعض الافراد بسرعة، ودون ان يكون لذلك اي اساس اجتماعي.

يتعرض المؤلفين بالنقد اللاذع لاسلوب ادارة الاقتصاد الاسرائيلي من قبل الحكومات الاخيرة، تحديدا بشأن الموقف من العمال الاجانب: "الحكومة الاسرائيلية سمحت باستيراد ربع مليون عامل اجنبي، دون ان تكترث بتحديد الحد الادنى لاجورهم وشروط عملهم. كما انها اتاحت لارباب العمل ان يخلقوا وضعا من التبعية بينهم وبين العمال، مما ادى الى تراكم العمالة الرخيصة، وبالتالي الى بطالة مرتفعة في قوة العمل المحلية. نسبة العمال الاجانب في اسرائيل تصل الى 10%، اي انها تفوق بكثير النسبة في دول اوروبية اخرى (في الدنمارك تصل النسبة الى 2% بينما في المانيا لا تتعدى ال8%)". (ص 7 و166)

ويعترف الكتاب بان التطورات السلبية والخطيرة المذكورة هي نتيجة مباشرة لاندماج اسرائيل في الاقتصاد العالمي وخضوعها لقوانين العولمة، الا انه يقبل هذا كامر واقع لا فصال فيه. بناء على ذلك الافتراض، يبقى امام المؤلفين ان يحددا في استخلاصاتهما انه "رغم تخصيص ميزانيات وموارد كبيرة لمجال الرفاه الاجتماعي، تتعمق في اسرائيل الفجوات.. القيادات السياسية لا تجري نقاشا عميقا في السياسة المطلوبة لمواجهة الوضع على المدى البعيد.. سياسة الرفاه تدار في اسرائيل حسب ما تقتضيه مجموعات الضغط المختلفة على الحكومة، الامر الذي يمنع العلاج الجذري للازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد". (ص 213)

ويختتم الكتاب بالعبارة: "ان اسرائيل دخلت الى فخ لا مخرج منه. زيادة ميزانيات الرفاه على حساب الاستثمار في البنية التحتية والتعليم لا تحل المشكلة، وتؤدي لمزيد من التخلف وتعميق الفجوات الاجتماعية".

رغم حدة التناقضات لا يقدر الكتاب ان الازمة الحالية ستقود للانهيار التام قريبا، فالاقتصاد الاسرائيلي لا يزال يحتفظ بمقومات قوية للصمود. احد اهم هذه المقومات هو الدعم السخي الذي يتلقاه من الغرب، وخاصة امريكا. ما لا يقوله الكتاب، ان هذا الدعم الذي تتعلق به اسرائيل والذي يسمح لها بالصمود، هو نفسه حبل المشنقة. فالوضع المتأزم في اسرائيل، على المستوى السياسي والاقتصادي، هو انعكاس لازمة كونية بدأت تؤثر بعمق متزايد على النظام الرأسمالي العالمي. ان انخراط اسرائيل في العولمة، اصبح نقطة ضعفها لانه يفقدها الاستقلال الاقتصادي ويعرّضها للهلاك في حال اهتزت اقتصادات الدول الكبرى الاخرى.


Al sabar 152 May 2002








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال