الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة بن سباهي ....الجزء العشرون

عبد الرزاق حرج

2008 / 6 / 2
سيرة ذاتية


ماأسجله على الآوراق ليس أعترافا على الآطلاق. ولمن أعترف؟ إني لاأروي كل شئ,لا,لا, بل أروي فقط مايحلو لي أن أرويه لاأحيد أبدا عن الحقيقه. فبواسطة الكذب لايمكنك أن تخفي قلق نفسك, هذا إذا كانت نفسك قلقة.... يلمار سودربرغ ..روائي سويدي

أذيال الشمس تنسحب تدريجيا وراء البيوت القديمة الحجرية والحديثة المبنية من الطابوق والبلوك وخلف الطرقات والغابات والوديان ..كنت أسير على الساحة الممتدة بين محلية السليمانية للحزب والبيوت الكثيرة والدرابين الواسعة ..رأيت أحد أصدقاء السجن وهو ينبثق من بناء مقر الشبيبة الهرم المواجه الى بناية محلية السليمانية.ألتقيت بصديقي أمام شارع صغير قريب الى مقر الشبيبة ..كانت أحضاننا وقبلاتنا تناجي ألم الغربة والخذلان!!..أستيقظت ذاكرتي الغافية من تلك الذكرى الثابتة بالرغم ان امور الحياة تغيرت كثيرا ..أحسست بلفحة حارة فوق جفوني وهو يحدثني عن هروبه من بغداد ووصوله الى السليمانية قبل أشهر..قلت له ..أين تسكن الآن..كانت عيناه الصغيرة تؤطر عمق الهزيمة حين أجابني ..أسكن بمقر الوفاق الوطني ..حركت رأسي عدت حركات خفيفة أمام وجهه الوارم والليموني ..كان جبينه بارز وقاتم ومنخريه مفتوحة كعيون بندقية صيد ورأسه الكروي والضخم يعتلي على جسمه القصير والثقيل .. يرتدي قطعتين من الملابس الصيفية ..خرج الى الساحة الممتدة أمامنا من محلية السليمانية ..معارف وأصدقاء ..أقتربوا منا ...واحاطوا وقفتنا بعد السلام ..أقترح أحد المعارف القصير القامة والنحيف أن نذهب الى أحد البارات ..قسما منهم طلب الآذن في الذهاب الى بيوتهم ..قال لهم الضعيف ..لاتنسوا عندنا( زيف, )..قال أحدهم وعيناه تكلمني ..كاكه على عيني وراسي الزيف.. لكن والله دخنه من هل الآجتماعات !! ..أريد أروح أتمدد على الفراش وأرتاح ضحكنا جميعا..قلت لهم ..يمعودين ياضيف مو صاري أكثر من عشرة أيام عايش وياكم ..تفرق الجمع ..كنا نسير ثلاثة على الشارع العام ..عبرنا قصر رئيس الحكومة والحزب في المحافظة ..ومغيب الشمس يتحول الى أشعة حمراء ..وصلنا الى أحد البارات ..دلفنا من مدخل الباب صوب الصالة الخارجية ..جلسنا على طاولة قريبة من أحد الآشجار ..أتفقنا مع النادل المسيحي ..أن يجلب لنا بطل عرق مسيح أسود ..حسب أقتراح صديقي الضخم ..لآن أرباع العرق غالبيتها مغشوشة ..أمتلآت الطاولة ..في الكؤوس والملاعق والملح والزلاطات الزيتية واللبنية ودورق من الماء والثلج وبطل العرق والحمص المهروش ولحم مشوي ..شربنا عصير التمر أو العنب البارد ..دبَ بفكري وركبتي وأقدامي الراتعة فوق حشائش الآرض ..نسائم برودة المشروب .. كانت الطالاوت المجاورة تزعق بالطلبات من النادل بالكلمات الكردية ..ألتفت صديقي الضخم الذي كان معي في السجن في أعوام 87 وأطلق سراحه 88 ..على صديقنا الضعيف ..وقال له ..ها يابه ..سمعت أمكسراتك كثرت..أبشرفك اليوم وين جنت بياحضن ...وضع الضعيف كلاص الشرب على المنضدة وهو يضحك ..ويقول ..والله كاكه اليوم ..(خلست الذهرية, ) بحضن ( سستر بالخستخانة,) ..وأردف يقول بكلمات مضحكة ..كاكه ..تعرف زين ..زواج ماكو ..بيت ماكو ..شغل ماكو ..وحتى الحزب ..تركناه . أي وين يروح ياكاكه.وهو يهز يده بأشارات جنسية بوجوهنا..ضحكنا بقوة ..كان صديقي الضخم سعيدا بدموع الخمر بالرغم صعوبة التدرج الى كوامن دواخله....زلال الشرب عطل اليقضة فينا وبدأنا نتكلم بأفكار الآحلام ..أستولى وأعتقل الوعي العاقل صاحب الآمتيازات والعادات والمشاعر المكبوتة والحكايات الممنوعة ..أطلق سراح مخزون مشاعر اللاوعي ..الذي يهدم بواطن العزلة ويفك عقد الآعراف وألآديان ويصطف بصوته العالي مع الشجاعة المربوطة بالسلاح ..الذي يستغني عن السعادة الكاذبة و يحتضن اللذة !!.....كان ضياء نور الصالة يعكس على شفتي صديقي الضخم..كانت لامعه ومدهونة بزيت الزيتون أثناء الحديث ..سألني ..هل شاهدت ..(الجصاني,) ..خلال هذه الفترة ..أجبته وصورة الجصاني أمامي تتراقص وهو يغني بصوت المطرب الريفي( سلمان المنكوب,) بالسجن..كلا ..لكن سمعت أيجيب سكراب من الكوت ويبيعه في بغداد ..لكن لم التقي به شخصيا ..تحدث كثيرا عن الجصاني في فترة السجن وخلف ظهره المتين نجوم زرقاء بعيدة وقمر تسللت خيوطه البيضاء الراعشة على أوراق وأغصان الشجر عبر سقف الصالة المفتوح..قلت له ..ماذا تفعل أو بالآحرى تعمل ..أجابني ..حاليا أنا أعيش في مكتب الوفاق الوطني ..أحيانا أكتب مقالات في جريدة المؤتمر والرسالة العراقية وأفكر كيف الوصول الى أذربيجان ..قلت له ..عفوا ...كيف الوسيلة أو الآنتقال ..قال لي ..أولا الدخول الى أيران وبعدها أذ حالفني الحظ أركب الباخرة من الميناء الايراني الى أذربيجان ..لكن لايزال هذا المشروع تحت الدراسة ..قال النحيف ويده تضع الكأس الثالث في فمه لكن لم يشربه..كاكه أحنا نكدر نوصلك الى أيران بلاش .. بس بس بس مناك أشلون ..أجابه صديق الجصاني ..لازم نعثر على واحد نعرفه أهناك ..أنقلب الحديث عن الصحافة والآدب والسياسة ..قلت له ..أنت حاليا ماذا تكتب ..هل مقالات سياسية أم مدونات شعرية أو قصصية..أجابني بصوت أنفعالي ..وهو يمسح فمه بمنشفة ورق الكلينكس ..بعدما ترك ورقة الكلينكس على المنضدة امامه ..تعتقد الناس لها اليوم علاقة بالسياسة والآدب وحتى الصحافة !!.. ظل يهز رأسه بأستخفاف وهو ينظر الى طاولة الخمر ومحتوياتها ..قال ..يا أبو فلان ..نحن ذبحنا أنفسنا بلاش,,, بهذه المسميات..تصور ..أنت ..ليش لحد الآن مايساعدوك ..تكلم النحيف بأنفعال ..وأصابع يديه تلعب بقماش الطاولة ..والله كاكه لو أتقدم كل هزي القيادات الحزبية ..الى محاكمات حزبية ..راح يطلع وأنشوف ...أشياء عجيبة ,,كاكه!!..أنهينا الحديث والشرب بعدما دفعنا الحساب والساعة تقترب الى الثامنة والنصف..أفترق الرجل النحيف أمام باب البار ,,لآن بيتهم قريب من سنتر المدينة ..سرنا انا وصديقي الضخم الى أماكننا مسرعين ..أفترق عني صديق الجصاني وهو يهرول الى منامه ..وصلت الى باب محلية كركوك ..قبل أن أسلم على الحرس ..أوقفني رجل كان جالس على أقدامه قرب الباب ..قال لي وهو ينهض من جلسته الشبيهة بالقرود ..كاكه ..قلت له نعم ..توقفت عن المشي ..أقترب مني ..كان وجهه( الجاوي,) نخرة حب الشباب ..وعيناه تجدح بومضات نارية ..وقامته القصيرة مهيئة الى التصادم ..أنت شسوي أهنا ..أبتسمت ..وقلت كاكه ..أنت تعرف أنا هنا أنام .وأردفعني بعبارة تهديدية ..كاكه وقت الضيافة أنتهت !!..لملمت عباراتي بهدوء ..قلت كاكه ..أنا أنام أو أسكن عند الحزب ..قال لي بحدة ..وقبضة يده أمام وجهي ..والحرس في حالة تهيأ الى الموقف ..شوف أكلك وأنبهك ..أنعل أبو الحزب ويابو الحكم الذاتي ويابو كردستان ..لازم أنتي باجر أيسوي جارة نفسك ..شنو عدنا فندق خما فندق ..تركته وأسمع صراخه ..أشلون وجوه ..ياه اليجي صار منازل وعيناي تبحر وتجول يمينا ويسارا من شدة احراج الموقف ..جلست على فراشي في الصيوان ..كلمني جاري العربي القريب من فراشي وهو متمدد على فراشه ..ها ..ماكو شي ..أشو سمعت تتلاسن ويا هذا الخبل ..قلت له ..لا ماكو شي..قال لي ..يمعود هذا خلص شبابه وره حجر الجبل ..بيش مركه ..كانت عيناي صوب نور المصابيح في أعلى سقف الجادر ..كنت أقول مع نفسي ..نعم ..بيش مركه ..أنصار ..لكن كم قتل هذا المسؤول العسكري من الجنود الفقراء ..جاري الهارب أسمع شخيره وتنفسه بقوة ..نمت متأخرا من سلطان الارق ..

الزيف ..يعني ..الضيف
خلست الذهرية ..أنهيت الظهريه
سستر الخستخانه ..ممرضة بالمستشفى
الجصاني ..أحد أصدقاء السجن ..من منطقة الجصانية في الكوت
سلمان المنكوب ..أحد المطربين الريفيين في مدينة الثورة
الجاوي ..أول أنسان ظهر من سلالة القرود في عالم التاريخ البشري











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!