الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المبادرة السعودية تهيئ للانتداب الامريكي

اسماء اغبارية زحالقة

2002 / 5 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية



العدوان الاسرائيلي سمح للسعودية بجدولة مبادرتها بعد ان جرى تمييعها في القمة وافراغها من مضمونها. عادت المبادرة الجديدة لتركز على الموضوع الفلسطيني، بحجة ان الوضع كارثي ويتطلب حلا سريعا وتدخل قوات اجنبية، ولذلك سيتم تأجيل قضايا الدول الاخرى والقضايا الفلسطينية الكبيرة كالانسحاب لحدود 67 الى مؤتمر دولي ومفاوضات طويلة الامد.



اسماء اغبارية



ما كادت زيارة ولي العهد السعودي، الامير عبد الله، الى مزرعة الرئيس الامريكي، جورج بوش، في كروفورد بولاية تكساس، تنتهي حتى تم اطلاق سراح الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات. بهذا يكون الرئيس الامريكي قد بدأ ينفذ تعهداته، ترى ماذا وعده السعوديون، ومن سيدفع ثمن الصفقة التي حيكت في المزرعة الامريكية؟

الزيارة التي بدأت في 23/4 جاءت في اطار التحركات الامريكية الحثيثة لاحداث تغييرات استراتيجية في قضية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، بشكل يتيح لامريكا حماية مصالحها ومصالح شريكاتها، اسرائيل والانظمة العربية الصديقة.

لارضاء الرأي العام، لمح مصدر سعودي رفيع الى امكانية حدوث قطيعة في العلاقات مع امريكا واستخدام سلاح النفط، وذلك لاظهار الموقف السعودي الذي يتماشى مع غضب الرأي العام العربي الموجه ضد امريكا (نيويورك تايمز، 24/4). وصرح الامير عبد الله انه سيطالب بوش باتخاذ موقف "اكثر حزما من اسرائيل"، وانه سيعلمه ان "استمرار السياسة الامريكية المنحازة لاسرائيل يفقد واشنطن صدقيتها ويهدد مصالحها في المنطقة". (الحياة، 16/4)

ولارضاء الامريكيين، خفف السعوديون لهجتهم ونفى وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، في لقاء لصحيفة "الشرق الاوسط" (28/4) التصريحات التي نقلتها نيويورك تايمز، و"اوضح اننا لم نأت بروح تهديدية بل جئنا لشرح ما يحدث والبحث عن حل عملي".

اقتراحها للحل العملي لخصته السعودية بثماني نقاط جديدة، تتضمن انسحابا اسرائيليا كاملا لحدود 28/9 اي ما قبل الانتفاضة، انهاء الحصار على عرفات في المقاطعة برام الله، ادخال قوات دولية، اعادة بناء المناطق الفلسطينية التي تم تدميرها، وقف العنف، المباشرة بالمفاوضات السياسية، انهاء الاستيطان، تطبيق قرارات الامم المتحدة 242.



المبادرة للفلسطينيين فقط!

لماذا احتاجت السعودية للاتيان بمبادرة جديدة، ولم تمض الا اسابيع قليلة على إقرار القمة العربية للمبادرة الاولى؟ الاجابة تكمن في ان القمة العربية افرغت المبادرة الاولى من مضمونها، عندما أهدر الرئيس السوري، بشار الاسد، دماء الشعب الاسرائيلي في خطابه الشديد الذي اعتبر كل اسرائيلي مسلحا وهدفا شرعيا للعمليات الفلسطينية. وقد جاء البيان الختامي للقمة مغايرا تماما للمبادرة، عندما اقحم اليها كل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، فأفقدها اهم ما كان فيها: بساطة المعادلة، "التطبيع مع اسرائيل مقابل الاراضي"، دون ذكر اللاجئين والقدس.

اما مبادرة الثماني نقاط الجديدة فتأتي استجابة للوضع الجديد الذي خلقه العدوان الاسرائيلي ضمن عملية "الجدار الواقي". الاشارة الى ذلك عدم التطرق لخطتي تنيت وميتشل لوقف اطلاق النار والاستيطان. وزير الخارجية، سعود الفيصل، اعتبر الخطتين "منتهيتين بفعل العدوان الاسرائيلي"، ولذلك "لا بد من صيغة جديدة للسلام". (واشنطن بوست، 27/4)

يمكن القول ان العدوان الاسرائيلي سمح للسعودية باعادة جدولة مبادرتها بعد ان جرى تمييعها في القمة. وبدل ان تركز كما ارادت القمة العربية بضغط من سورية، على كافة القضايا الاقليمية كما كان الحال في مؤتمر مدريد 1991، فانها تركّز فقط على الموضوع الفلسطيني ليكون المحور الوحيد للمؤتمر الدولي المزمع عقده. الحجة ان الوضع في الاراضي الفلسطينية كارثي ويتطلب حلا سريعا، ولذلك سيتم تأجيل قضايا الدول الاخرى والقضايا الفلسطينية الكبيرة كالانسحاب لحدود 67 الى مؤتمر دولي ومفاوضات طويلة الامد.

هذا الموقف الذي ينسجم مع موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئل شارون، يصب في الاجندة الامريكية التي لا تسعى لحل قضايا النزاع العربي الاسرائيلي ابن المئة عام، وانما تقصد اطفاء الحريق والحصول على بعض الهدوء للتفرغ للقضايا الاهم. هذا ما قصده الناطق بلسان البيت الابيض، اري فلايشر، عندما وصف المبادرة بانها "بنّاءة"، و"تتلاقى في نقاط كثيرة مع رؤية الرئيس بوش" (واشنطن بوست، 27/4).

الرؤية التي تعكف الادارة الامريكية على طبخها بحذر وبطء تسعى لاحداث تغييرات استراتيجية بعد ان اقتنعت الادارة ان السلطة لا تستطيع القيام بدورها في ضمان الامن الاسرائيلي، وبالتالي حماية المصالح الامريكية في المنطقة.

المخطط هو ادخال طرف ثالث، امريكي-اجنبي، لادارة المناطق الفلسطينية امنيا وسياسيا. ولكن لا يجب ان يبدو الانتداب الاجنبي دخيلا على المناطق الفلسطينية فيثير عليه المقاومة الفلسطينية بدل ان يهدئها كما هو المطلوب. وسيكون دور الانظمة العربية ان تمهد للوضع الجديد ويكون من الجيد ان تطالب هي بنفسها بقوات دولية ل"انقاذ" الشعب الفلسطيني من الدمار الذي خلفته اسرائيل، وهذا ما توفره المبادرة السعودية الجديدة بمطالبتها ادخال قوات دولية.

في هذا الاطار يمكننا ان نفهم افضل زيارة وزير الخارجية الامريكي، كولن باول، الى المنطقة في اوائل نيسان (ابريل). فهو لم يأت لوقف اطلاق النار بل مر بمدريد (9/4) للحصول على غطاء الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا للترتيب الجديد. وجاءت لقاءات باول مع القادة ووزراء الخارجية العرب ضمن نفس التحرك، لضمان الدعم العربي للمشروع.



المبادرة تكرّس العدوان

ولا يقتصر دور الانظمة العربية على اطعام عرفات الطبخة بكل ثمن، بل ساهمت هي نفسها في الاعداد لها. المبادرة الجديدة، وتحديدا المطالبة بادخال القوات الاجنبية، ستكون الرافعة السياسية للترتيب الجديد. وهي لذلك تصب في هدف العدوان الاسرائيلي الذي اتى لخلق فراغ سلطوي في المناطق الفلسطينية وافساح المجال لدخول القوات الاجنبية لتقوم هي بحفظ الامن الاسرائيلي بعد ان فشلت السلطة بهذا الدور.

المفارقة ان العدوان الاسرائيلي الذي جاء في اليوم التالي لانتهاء القمة العربية، اعتُبر الرد الاسرائيلي على مبادرات السلام العربية. ولكن بدل ان تقوم السعودية بتعليق مبادرتها على الاقل ولو من باب الاحتجاج على الجرائم الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، فقد عدّلت مبادرتها لتلائم الوضع الجديد وتمسكت برغبتها التطبيع مع اسرائيل رغم عدوانها. وسددت السعودية بذلك ضربة لسورية والعراق الذي ستدخل الحملة الامريكية عليه عدّها التنازلي بعد تبني المؤتمر الدولي للمبادرة.

اصرار السعودية على ازالة الحصار عن عرفات وانسحاب اسرائيل لحدود 28/9 يأتي لتمهيد الطريق للمؤتمر، وهو الامر الذي يفهمه بوش وشارون جيدا. العلامة الاولى على هذا الفهم كانت في تشديد بوش لهجته مع الاسرائيليين في مطالبتهم بالانسحاب، وبدء التنفيذ الاسرائيلي. والعلامة الثانية اطلاق عرفات من اسره، مقابل ادخال موطئ قدم لقوات دولية امريكية وبريطانية في هيئة قضاة لمحاكمة اعضاء الجبهة الشعبية الاربعة المتهمين باغتيال وزير السياحة الاسرائيلي، رحبعام زئيفي.



تكفيرا عن بن لادن

ما الذي يدفع السعودية للقيام بهذا الدور المرفوض شعبيا وكيف لا تأخذ بالحسبان المظاهرات الصاخبة التي اجتاحت العالم العربي؟ للاجابة علينا ان نذكر ان الزيارة السعودية لامريكا اعتبرت مهمة نظرا لان الامير عبد الله رفض في السابق (حزيران 2001) لقاء الرئيس بوش، بسبب خيبة امله من انحيازه لاسرائيل في مواجهة الانتفاضة. ولكن الصورة تغيرت بعد التاريخ المشهود، 11 ايلول، الذي تحولت فيه السعودية من "ابو علي" الى متهمة رئيسية وتعرضت لضغط امريكي قوي لمكافحة المنظمات الاسلامية في اطار "الحرب على الارهاب".

بهذه الزيارة والمبادرة سعت السعودية للتكفير عن ذنبها، واصلاح ذات البين، وتوطيد العلاقات العسكرية والامنية والاقتصادية (من خلال المطالبة بدخول منظمة التجارة العالمية) مع الدولة التي توفر لها الحماية منذ ما يزيد عن 60 عاما.

تصريح غير معهود بصراحته لوزير الخارجية القطري، حمد بن جاسم آل ثاني، كشف الوضع الدقيق للانظمة العربية عندما "وصف الوجود الامريكي في الخليج بانه مشروع ويحظى بالترحيب"، وزاد ان "دول مجلس التعاون، وقطر خصوصا، تحتاج الى دفاع من دولة كبرى، بمنتهى الصراحة وبلا مزايدات". (الحياة، 21/4)

في نفس المصدر كتب الصحافي السعودي خالد الدخيل يفسر ان "المسايرة العربية للولايات المتحدة هي في الاخير مسايرة لاسرائيل" على اعتبار ان امريكا منحازة لاسرائيل، وفسر: "ان الدول العربية تعتمد في امنها وفي اقتصادها على الولايات المتحدة... الدول العربية لا تريد من امريكا الا مساعدتها على تحقيق الاستقرار الداخلي وعلى حفظ توازن القوى فيما بينها".

السعودية التي لا يهمها سوى امن نظامها حتى لو جاء ذلك مقابل تأجيل استقلال الشعب الفلسطيني من خلال فرض الوصاية الدولية عليه، تعلم ان ما تريده حليفتها وحاميتها امريكا ليس السلام بين العرب واليهود، بل التفرغ للمخطط الاهم وهو ضمان المصالح النفطية في الخليج من خلال ادامة عزل العراق والاطاحة بنظام صدام حسين. للحصول على ذلك لا بد من تهدئة الجبهة في الشرق الاوسط لفتح جبهة جديدة في الخليج، ويكون بامكان العرب دعم الامريكيين ضد صدام بعد ان يكون الامريكيون قد "ساهموا" في حل مشكلة الشرق الاوسط. بذلك يكون الفلسطينيون والعراقيون قد سددوا فواتير السعودية على جرائم بن لادن.


Al sabar 152 May 2002








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس