الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة لقصيدة- جاؤوا من تخوم الكلام- للشاعر وديع شامخ

وديع شامخ

2008 / 6 / 4
الادب والفن


من بطائح الجنوب

مرجعيات النص وحقول القصيدة

قراءة لقصيدة" جاؤوا من تخوم الكلام" للشاعر وديع شامخ

لطفية الدليمي

قصيدة توقفت عندها للشاعر وديع شامخ ، لعلها تمثل مرحلة متقدمة من اشتغاله الشعري , تشتغل القصيدة بوضوح وخصوصية تعبيرية في حقول تناولها معظم الشعراء العراقيين من جيل السبعينيات في فورة المواجهة العنيفة مع الفواجع العراقية , غير ان لوديع حقوله المعرفية ومرجعياته المحلية روحية ومادية ، مما يمنح القصيدة تفردها وأداءها الهاديء الذي يموه على توترات الأعماق,
في عمل وديع الشعري إدراك خفي للعلاقات التي تشكل شبكة المستويات في القصيدة , نعثر لديه على مشاكسة للصورة المنمطة ليس بمعنى الإزاحة بل بجهد الكشف الشخصي عن فعالية المفردة وشعريتها الكامنة

قصيدة :جاؤوا من تخوم الكلام

لم أكن يومذاك سعيدا ..لم أكن تعيسا أيضا
ربما كنت بليدا...ألوك حنجرتي و أقهقه عاليا
....ما كنت ضجرا , ولساني أبيض القلب
لكن شفتيّ أعلنتا إفلاسي عن الإبتسام

للقراءة الاولى تبدو قصيدة وديع خادعة في احتكامها الى لغة بسيطة , لكن سرعان ما تنكشف لنا إجراءات الشاعر في تمويه شحنته الشعرية بتلك الأردية المراوغة من بساطة المفردة المألوفة التي تنتظر من يفجر طاقتها التعبيرية ,
بساطة المفردة في المتن الشعري العراقي , نادرة بخاصة في أعمال مجموعة من شعراء قصيدة النثر المتأخرين الذين يحشدون النص بمفردات واستعارات وكنايات
ثقيلة وشائكة , تتنافر فيما بينها وتؤرجح النص على هاوية معتمة وتهدده او تسقطه في الافتعال والتصنع , وتجعل نصوصهم متماثلة حتى ليصعب القول بوجود سعي لغوي خاص لدى بعضهم , لانهم يستخدمون قاموسا واستعارات وأوصافاً وكنايات واحدة..
البساطة الخادعة لدى وديع تقود الشعرية الكامنة في طوايا النص الى مديات رحبة تهب المتلقي مفاتيح النص , وتمضي غير آبهة بالظلال والتأويلات , غير معنية بالإبهار والصدمة اللغوية التي يراهن عليها بعض الشعراء , وديع يراهن على القصيدة في عزلتها , وبراءتها وشغبها وغربتها وبذلك يحتفي بجوهر الشعر ذاته ..

هذه القصيدة تنبت في بطائح الماء وجبهات الانهار وتتضافر فيها رقة الماء وشجن النهر مع تلك الروحانية الزاهدة المكتفية بذاتها , ومابين السردية وتواشجها مع الومض الشعري تتقدم القصيدة في منحاها الدرامي لتكتمل صورة الكارثة في إطارها التعبيري عبر الإستعارات الخفيفة..

هي حنجرتي المكيدة
.... ...
لاأجيد العزف على ربابة صاحبي
إنه القحط ..
لا أريد لوجوه اصحابي ان تتحنط في الكرنفال
هي حنجرتي الحلبة
ما كنت آسنا
هم يعكرون ماء روحي على جبهة النهر

تتوازي في هذه القصيدة حقول ثلاث :
حقل الضد ( المواجهة) وحقل الروحانية ( الخلاص) وحقل الصوت ( البوح )
ولكل حقل وظيفته المتحكمة في معمار القصيدة وتقاطعه مع الحقلين الآخرين.
نجد في حقل الضد تقاطع النقائض : مكيدة النطق مع مكيدة الخرس والشاعر بين المكيدتين في برزخ خطر , صراع البوح مع الخرس وتضاد الكلام مع الصمت ا
والشاعرلا يستعير ربابة صاحبه , فله صوته وقيثارة حضاراته التي يهددها زحف الآتين بالقحط من( تيه الرمال ) والحنجرة مكيدة الإفصاح وربابة الآخر لاتنطق بهوى الشاعر وجرح خساراته لانها انوجدت لاصابع اخرى تضاد بياض السريرة
والقصيدة والموسيقى ..الحنجرة مكيدة القول تزج الكلمات في ساحة التناحر بين من
يؤول وبين من يدوزن صوته على ايقاع الغد .
جاؤوا من منتصف الحكاية
جاؤوا من ملح الكلام
و مجّ الماء
جاؤوا من خريف الوتر ومن وبر الجٍمال
..........
يحدون
يحدون

الآتون من تيه الرمال لايميزهم عن العدم سوى صوت الحداء الرتيب , هم قادمون من جنازة الجمال وذبول الموسيقى في ( خريف الوتر)..
لقصيدة وديع سيماء مائية لها تدفق الماء ومراوغته , هناك مياه متعددة تحفل بها القصيدة , (ماء الروح الذي لم يكن آسنا) يعكره القادمون من تخوم الكلام وجبهات النهر تؤطر المشهد الشاسع للكارثة , مائيات القصائد تحيل الى ذلك الارتباط الروحاني
بالتطهر والتعميد وتفصح عن بيئة نهرية سخية مهددة بالآتين من اقاليم الرمال الفظة..
القصيدة تمضي في افقها والشاعر يقف في منتصف اللغو.

أنا الذي أقف في منتصف اللغو
وأقول سلاما لرطانة الذين جاؤوا ..
سلاما للريح وهي تعبث
بمتاهة الكلام ..
الأضداد المدجنون بوبر الجمال ماء أجاج , لايروي ولايسعف , ماؤهم اكذوبة الوعد
وهم زيف الحكايات واوتارهم لا تموسق الزمن بل تصادر الصوت والغناء , الشاعر يدوزن الاوتار والاتون من تيه الرمال يصادرون الصوت بالضجيج وحنجرة الشاعر
مصيدة الكلام , لن توصد الحكاية على صمت، فهي التمرد الاخير على سلطة القمع والمنع لاشأن لها بالصفقة والقحط الذي جاء به القادمون ..
الآن أدوزن حنجرتي
لأوتار تكفي للفرح..للحزن
لربيع يبتكر سورات الكلام واللغو والهرج والمرج
من يترفق ببلاهتي البيضاء .. وأنا ألوك السعادة أبدا
أنا على مشارف الكلام
من يذهب بي الى التخوم..
في القصيدة ذرى متعددة , الذروة الاهم :من يذهب بي الى التخوم فيها ارتقاء بلاغي
ويمكن ان تكون خاتمة المشهد كله ..
وتكون الذروة الاسمى للجهد الدرامي في النص..
أخيرا تأتي ملاحظاتي هذه في سياق اعجابي بالنص قارئة ومتذوقة للشعر ومطلعة على جهد الشاعر الإبداعي وتحولات النص لديه ..
...................................................................................

النص
جاؤوا من تخوم الكلام .. وحطّوا على حنجرتي

وديع شامخ
[email protected]
استراليا –بيرث


لم أكن يومذاك سعيدا .. لم أكن تعيسا أيضا
ربما كنت بليدا.. ألوك حنجرتي ، وأقهقه عاليا..
.... ما كنت ضجرا ، ولساني أبيض القلب...
لكن شفتيّ أعلنتا إفلاسي عن الإبتسام
،،،
هي حنجرتي المكيدة
،،،
لا أجيد العزف على ربابة صاحبي
إنه القحط
لا أريد لوجوه أصحابي أن تتحنّط في صالة الكرنفال
،،،،،،
هي حنجرتي الحَلَبة
،،،،
ما كنتُ آسنا
هم يُعكّرون ماء روحي على جبهة النهر...
هم يرطنون بأصفر الكلام ويتقيؤون نشاز حناجرهم على قلبي ..
وأنا كما كنت لستُ سعيدا ولا عابثا
الهو بأوتار حنجرتي وأدوزنها لطيّف قادم ..
،،،
هي الجوقة وضباب الحناجر
....
من جاء بهم ..
الغجر الذين تركوا السماء والطبول والأسنان الذهبية والرجاء ..
من جاء بهم ..
أولئك الذين يقارعون السأم بالجلود،
يخترعون للفرح مواسم،
ويتكئون على نيّة خيمة تريد الوقوف سريعا على أوتادها
..
حنجرتي المليئة بالبلغم المدمى
....
لست سعيدا .. كنت أجفف حنجرتي من غيّها
أرممُّ حديقة الفرح ، أقصّ أشواكها ، أشذب الشجيرات التي لم تتنمر بسقوط الثمر بعد ، أدوّن على لحاء المعمّرات نشيدي الأخير ،أراهن على عشبي .. وأهزّ أراجيح كلام أصحابي
,,,,,
هي حنجرتي غربال لا يكفُّ عن الصيد .
،،،،
جاؤوا من منتصف الحكاية
جاؤوا من مالح الكلام
ومجّ الماء..
جاؤوا من خريف الوتر ومن وبر الجمال..
جاؤوا من صياح الديكة ومن أعرافها ..
ومن تيه الرمال شيدوا برأسي قصورا .. ومضوا
واحدا إثر خيبةٍ
يحْدون ...
يحدون
،،،،،،،،،
.. آه... حنجرتي سبورة عمياء
,..
أنا الذي أقف في منتصف اللغو .. وأقول سلاما لرطانة الذين جاءوا ..
سلاما للريح وهي تعبث
بمتاهة الكلام.
،،،
حنجرتي مبعث الصوت وخاتمة الضوء
،،،
كلهم قالوا أنك سعيد .. كلهم هتفوا بحنجرة واحدة
كلهم عزفوا نشيدا واحدا
كلهم .. كلهم
ضحكوا .. وبكوا .. ونشجوا معا ..
،،،
وحنجرتكَ كما أنتَ
تقهقه
وتبتسم
وتعزف
وتذهب للكرنفال..
ناكرة
جوقة الحناجر
وربابة القحط
وصحبة الشاحب من جبهة النهر
,,,,,,,
الآن أدوزن حنجرتي
لأوتار تكفي للفرح .. للحزن
لربيع يبتكر سورات الكلام واللغو ......
من يترفق ببلاهتي البيضاء .. وأنا ألوك السعادة أبدا؟؟
أنا على مشارف الكلام
من يذهب بيّ الى التخوم ...،
كي أعرّف الحناجرَ بأوتارها، والكائنات بوبرها.. القلوب بأصوافها الكثّة.. الألسن بلفافات الشاش المعقم ونقيع القطن على ثقبها الأبدي !؟
،،
.. حنجرتي كرنفال
وقميصي من حرير القلوب
وحكاية بيضاء
>>>>>>>>>>>>>>>>>








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?