الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا تجري الانتخابات الاميركية!

سمير طاهر

2008 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ما تزال حمى الانتخابات تستعر في جميع الولايات الأمريكية، والتنافس على أصوات الناخبين على أشده. وكالعادة يبرز في الأخبار بضعة مرشحين من حزبين إثنين فقط ولا نعرف حتى ان كان يوجد مرشحون غيرهم. وكالعادة أيضا يفوز في الانتخابات إما مرشح الحزب الجمهوري وإما الحزب الديمقراطي، وكأن لا أحزاب أو منظمات أخرى في أمريكا. فما الذي يجعل الأمور تسير بهذا التكرار الممل؟
دستوريا يمكن لأي حزب في الولايات المتحدة أن يدفع بمرشحه في انتخابات الرئاسة. لكن في التطبيق العملي فان نظام الحزبين الوحيدين هو السائد، حيث لا حَظّ لأي حزب آخر في الفوز في الانتخابات أو حتى التأثير في مسارها التقليدي ونتائجها المتوقعة. والموانع التي يمكن أن تقف في وجه الأحزاب الأخرى كثيرة، أولها المانع الاقتصادي. ففلسفة الانتخابات في أميركا هي نفسها فلسفة الاقتصاد عندهم: المنافسة بالاستثمار! ان المرشح هو بمثابة استثمار تراهن عليه الشركات والمنظمات وجماعات الضغط، وتعلق على فوزه آمالها ومصالحها التي سيرضيها في حالة فوزه. ويعد جورج بوش الابن من أكثر رؤساء أمريكا وضوحا وعلنية في تلبية مصالح الجهات التي استثمرته، عندما تشابكت في عهده المصالح الاقتصادية بالسياسة تشابكا صارخا بحيث كانت الجهات المستفيدة مالياً من غزو العراق لها من يمثلها في البيت الأبيض (ديك تشيني مثالاً). واذا أخذنا فكرة عن التكلفة الضخمة للاعلانات الانتخابية (صفحات في الصحف، دقائق في التلفزيون، لوحات الاعلانية...الخ) وتكلفة وشروط حجز صالات وأماكن التجمعات الانتخابية، وتكاليف الحملة الانتخابية بما فيها من جولات بين الولايات ونفقات باهضة، ستتوضح لنا ملامح "فلسفة الانتخابات" في أمريكا: وهي فلسفة تقوم أساساً على المال ولكن تشترك فيها السياسة، الاعلام، الثقافة الاجتماعية، الفنون، فن الخطابة. أما المبادئ، التي من المفروض أنها تأتي في المقدمة، فهي عادة ما تتخلف في المؤخرة، وذلك لوحدة القيم وتشابه المنطلقات لكلا الحزبين أولاً، ولاعتياد هذين الحزبين على مخاطبة قيم الفرد الأمريكي الأثيرة ذاتها سعياً لكسب صوته ثانيا. أي إن الحزبين المذكورين لا يدعوان الشعب الى قيمهما وإنما ـ بالعكس ـ يتنافسان على ادعاء تمثيل قيم المجتمع الأمريكي التقليدية.
ثمة كذلك مانع رئيسي آخر لبروز مرشحين من خارج الحزبين الرئيسيين، هو القواعد الانتخابية. وفي هذا المجال يروي أحد المرشحين اليساريين تفاصيل ربما يجهلها الكثيرون منا. إنه بريان مور، مرشح الحزب الاشتراكي الأمريكي لانتخابات الرئاسة عن نيوهامبشير، الذي أشار في حوار مع مجلة فلامان السويدية الى أن لكل ولاية قانونها الانتخابي الخاص بها الذي يحدد الشروط التي على المرشح اتباعها. ويوضح قائلاً:
ـ المفروض أن يوجد قانون انتخابي واحد لكل البلاد، لكن الواقع ان على المرء أن يسجل نفسه حسب قواعد كل ولاية من الولايات الخمسين. إنه نظام سخيف بلا شك، فالاختلافات بين أنظمة الولايات يمكن أن تكون كبيرة: في ولايتنا من السهل أن تسجل نفسك في الانتخابات فلا يتطلب الأمر أكثر من توقيع 1000 من سكان الولاية، لكن ثمة ولايات تشترط دفع رسم مالي، وأخرى تشترط أن يحصل المرشح على دعم أحد مراقبي الانتخابات. في ولايات معينة من الصعب جداً أن تدرج اسمك في سجل المرشحين: ففي جورجيا يتطلب ذلك جمع 42 ألف توقيع، في تكساس يتطلب جمع 74 ألف توقيع، في كاليفورنيا يتطلب جمع 200 ألف توقيع، في نيويورك يتطلب جمع 15 ألف توقيع وفي كارولينا الشمالية يتطلب جمع 70 ألف توقيع، وبالنسبة لنا كحزب صغير فإن هذا ـ ببساطة ـ خارج إمكاناتنا.
لكن حتى في حالة تجاوز هذه الصعوبات يبقى فوز الأحزاب الصغيرة أمرا صعب المنال، وذلك لأن مناصري هذه الأحزاب يمكن أن يمنحوا أصواتهم الى أحد الحزبين الكبيرين وذلك ـ على حد تعبير بريان مور ـ لدوافع تكتيكية. ويشرح ذلك قائلا:
ـ في الولايات التي عادة ما تتقارب فيها شعبية الحزبين من الممكن لصوت واحد لصالح الأحزاب التقدمية (أو الصغيرة إن شئت) أن يتسبب في فوز الحزب الجمهوري، وللحيلولة دون ذلك يصوت كثير من أنصارنا لصالح الحزب الديمقراطي بدلاً من التصويت لحزبنا! فالجمهور لم ينس الدرس من انتخابات سنة 2000 عندما أصبح بوش رئيساً لأن كثيرين صوتوا لصالح الحزب الأخضر لرالف نادر بدلا من الحزب الديمقراطي.
تظل الولايات المتحدة بلد الضخامة في كل شيء، ومن يشاهد في التلفزيون مشاهد من الحملات الانتخابية يرى نموذجا من هذه الضخامة. من يريد أن يكون له دور في الواقع الأمريكي عليه أن يمتلك ضخامة من أي نوع: ضخامة مالية بالدرجة الأولى، وبالامكانيات، وبالاستعدادات الشخصية كذلك. هي ديمقراطية، أي نعم، ولكنها ديمقراطية الأقوياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح