الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تعرت الحقيقة وبزغ فجر الحرية

سالم اليامي

2004 / 1 / 16
الادب والفن


هاهي الحقيقة تخلع ثوبها كفتاة محتشمة تتعرى وسط أسرتها المحافظة وأمام عدد من الضيوف في بهو منزل كبير مغلقة نوافذه إلا من شقوق صغيرة دخلت عبرها أشعة الشمس...

فجع الجميع في باديء الأمر حين مزقت ملابسها غير آبهة بقوانين الحشمة , وشرف الأسرة , وحكايات المجتمع , لكنهم تحت حتمية فرض الواقع لقوانين الحقيقة التي تعلو فوق كل قوانين الحشمة والشرف والتقليد رضخوا لأستقبال الصورة الجديدة  لا بصفتها عمل لايليق بعفة الأسرة والمجتمع وانما لأنها الحقيقة!

تلكم هي الحقيقة ... تدخل الى كل الأماكن المغلقة  فوق ظهر ضوء صغير , أو عبر صوت نغم ينساب مع نسائم الصبح العليلة ,بسببها تهتز الضمائر , وترتعد الفرائص , وينهزم الفكر الذي نما وترعرع في الظلمة , وينتصر الحق لأنه إبن طاهر وشرعي لأمه " الحقيقة".

والحقيقة عندما تتعرى عن كل ثوب يغطي جسدها الطاهر , لا تصبح في نظر الطاهرين عريا , لكنها في نظر من غيبوها وحجبوها عن أعين الناس زمنا طويلا ليست إلا ذلك العهر وما العهر الا ما  يمارسونه حين كانوا ينتهكون الزيف والقبح والكراهية في ظل غياب نورها الذي لايغيب الا اذا غاب العقل عن ممارسة دوره في التفكير المجرد من خرافة أو كراهية .

لكننا رغم ايماننا  بحتمية أن تتعرى الحقيقة كل مرحلة من مراحل الحياة لينكشف زيف قدر له أن يطغى , إلا أننا لم نعرف أن هناك زمنا شهد كل هذا التعري المستمر للحقيقة كزمننا هذا...

الحقيقة كالبحر...كلاهما اذا ما تعرى يبلع كل من لايتعرى أمامه ...

فهل رأيتم أناسا ذهبوا للسباحة في البحر وهم متلحفون بالثياب ؟

 المتلحفون لا يعشقون السباحة في البحر لأنهم لا يحبون الغوص في أعماق الحقيقة , واذا وهب الله للمتلحفين بحارا , جعلوا بينهم وبين  شواطئها حواجز كيلا ترسوا عليها أجساد الحقائق المتعرية. 

الحقيقة ... كالبحر ..لها عمق ... وشواطيء..

من يذهب الى عمقها عليه أن يتجهز بكل وسائل الغوص كي ينجو من الغرق ..

ومن يستلقي على شواطئها عليه أن يجيد لغة الموج كيلا يصبح ساذجا في نظر الصيادين والمتفرجين ..

ومن يريد أن يعرف سبب الذهول والصدمة اللتين تغيمان على الأجواء العربية نقول له:

لأن الحقيقة خلعت ملابسها ...تعرت بدون خجل أو حياء..

لتتعرى أمامها كل الأجساد المقنعة .

لكن الحقيقة عندما تعرت ... كانت طهرا...

أما الزيف ... فلم يكن الا النجاسة المغلفة بجسد الفضيلة...

وللحقيقة روح شفافة تفضح كل الأجسام المضادة لها:

فالشمس بنت النهار وهي حقيقة الليل , والحق ابن الحقيقة وهو حقيقة الباطل , والإنسان إبن آدم وهو حقيقة الشيطان , والحرية أم الحقائق وهي حقيقة الطغيان .

والليل هو الحافظ لأسرار الشيطان , والمكان لقمع الطغيان , والعون للباطل ضد الحق , في عالمه تنمو بذور الشر وتنتحر أحلام المبشرين بشمس الحرية .   

لكنها الحقيقة  مهما غابت , فإنها تتعرى.. تنتصر.. متجسدة في هذا النور القادم من عوالم النهار التي لا تحتقر العقل ,الى بوادي الليل التي تحتفل باغتيال النور على عتبة الوحشة والقسوة والتقمص.

 إنني أضحك من أعماق قلبي ... بحزن

عندما أشاهد واحدا من قتلة الحقيقة يحاول إعادة صياغة نفسه كصديق بريء .. للحق ..

ونظراته تبين كم هو موغل في الإجرام , لأنه لا يزال ينتظر الفرصة التي يفترس فيها ذلك الحق الذي أعلن يوما أنه ابنا للحقيقة , فأنكشف المقنع, وأختلط النباح بالنهيق, والزفير بالشهيق, 

لإنها تعرت  الحقيقة, وأفل مجد الليل, وبزغ فجر الحرية!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان


.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي




.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء