الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاهرة لا تعاني من أزمة مرور

سينثيا فرحات

2008 / 6 / 5
كتابات ساخرة


قال بنجامين فرانكلين عن تعريف الجنون، ان الجنون هو اعادة تكرار نفس الشئ و توقع نتائج مختلفة، من ما ينطبق علي محاولاتنا لحل أزمة المرور في القاهرة و كل أزماتنا بشكل عام في الكوكب المستَعرَب و المتأسلم، نحن نعيد تكرار نفس الممارسات و في كل بؤس نتوقع نتائج مختلفة و لم تأتي تلك الممارسات كلها بنتائج مختلفة و لن تأتي بها الي ابد الدهر، لأن الحلول لا يمكن ان تصدر من منابع الخلل، فالمناهج الفكرية التي اودت بنا لهذا الحال "لن" تكون هي نفسها التي تخرجنا منه.
و الي ان يلاحظ القائمين علي السلطة هذا ( و لن يحدث و الإ ما كان وصل الوضع لما هو عليه) سيظل الحال يسؤ الي ابد الابدين.

القاهرة لا تعاني من ازمة مرورية و محاولة بزل جهد لحل اي أزمة مرور في القاهرة هي محاولة فاشلة لا تأبي غير بالفشل الذريع و منذ السبعينات من القرن الماضي تحاول الحكومة ايجاد حل لما يسمونها بأزمة المرور و لم يكون هناك حل حين اذن و لن يكون مطلقاً. لانه حقاً لا تجود مشكلة مرور من الأساس.

مظاهر الاهوال المرورية في القاهرة هي مجرد عرض للمرض الحقيقي، و محاولة ايجاد حل لذلك العرض دون حل جزري للمرض ذاته هي محاولة منهكة بالفشل و سطحية الي حد القصور.
الوضع المروري في القاهرة و اوضاع كثيرة اخري مثل مرض "التصلب المتعدد" و هو مرض مذمن غير معدي و غير وراثي يصيب جهاز المناعة لأسباب غير معروفة و يبدأ جهاز المناعة بمحاربة الاعصاب و تدمير الجزء المغطى الحامى للألياف العصبية و يسمى المايلين و تكون الاصابة غالبا بالجهاز العصبى المركزى و جذع المخ و المخيخ كما يصيب أيضا الحبل الشوكى و العصب البصرى.
تتمثل ظواهر المرض في تصلب و الالم الأطراف، و ضعف البصر، و رعشة، و اجهاد، و تنميل الأطراف، و احياناً في الحالات الخطيرة للمرض يصيب الانسان بشلل و احياناً فقدان البصر، التصلب المتعدد يصعب تشخيصه في دول العالم الثالث علي رغم من انتشاره، فمعظم الاحيان يلجأ الاطباء لمحاولة معالجة الأعراض الحربائية بشكل منفصل في ظل الجهل بوجود المرض نفسه و لا يأتي العلاج في تلك الحالة بنتائج شافية، لانهم يعالجون العرض ولكن مصدر الخلل مازال نشيط، فيبقي حال المريض كما هو عليه او يسؤ.
و ذلك هو الوضع الحالي لأزمة المرور في القاهرة، و مع اختلاف ان ازماتنا متوارثة، تراثية، معدية و خبيثة و ليست كمرض التصلب المتعدد الذي هو اكثر نضوجاً و رحمة من الواقع السياسي المصري و ان شابهه في درجات الألم.

فالتصلب السياسي هو المرض و شلل المرور و مئات الأزمات غيرها هي مجرد اعراض ظاهرية كلها تصب في فساد المنظومة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و القيمية و التعليمية المصرية، حيث تم اهمال المحافظات بشكل كامل من قبل الحكومة المصرية فبدلاً من ان تعمل الحكومة المصرية كما كانت تعمل الحكومة في زمن الليبرالية و الوطنية قبل انقلاب يوليو من تمدن القري و جعلها اكثر تحضراً و نقل الفكر و العلم و المعمار و الطب و خدماته اليها و تشجيع الاستثمار المصري و الاجنبي في القري و النجوع من خلال تطويرها حتي تكون مؤهلة للأستخدام الادمي، تركتها الحكومة فذحفت القري الي المدينة في محاولة انقاذ نفسها من الموت الناتج عن الاهمال القاتل و النهب في ان واحد.
ان تقوم الحكومة المصرية بعملها و واجبها في القري هو الحل لأزمة المرور و التكدس السكاني في القاهرة، بالأضافة الي حلول اخري مثل نشر التوعية عن تنظيم الاسرة المجرم من قبل بعض رجال الكهنوت الاسلامي لنظل في نفس الدائرة المحكمة الأغلاق و ثم نلوم الغرب علي خيبة امالنا و فشلنا المحتوم و نمثل كل ادوار الضحايا و نحن في الأول و الاخر لسنا ضحية احد غير عقولنا و ايديولوجياتنا.

فطبيعي ان يتم طرح "حل" لأعراض المرور نابع من نفس بؤرة انعدام الرؤية و الذي اوجد المشكلة من الاساس، و الذي يخلوا من المنهجية العلمية و النقدية. لأن العلم الحديث و النظرية السياسية الحديثة تقول لنا انك اذا اردت ان تطرح حل لاي مشكلة و خصوصاً سياسية، يجب ان يكون استشهاداً بتجربة تم البرهان علي صلاحيتها في الواقع "المعاصر" – ليس في الماضي التراثي – و حين اذن تستطيع ان تقول بجرأة انك لديك حل!!
و ان لم يمر الحل بمنهجية عقلية و سببية منطقية، فإنه يكون اجراء باطل بمحض علم التفكير النقدي.
فبدلاً من سلوك منهج تفكير علي دراية بتلك المعلومات العامة و التي يجب ان يكون اي شخص يحمل اي شهادة سياسية او شهادة عالية علي دراية بها لو لم تكن نظمنا التعليمية بالوضع الحالي، لجأوا بدلاً عن ذلك الي وضع قوانين اكثر قسوة و شدة و هذا يجعلنا نحلل من يطرحها لنجد انه يظن ان المصريين ناقصين رباية و مدللين فبالاحري نضع لهم قوانين تأديبية اكثر و نكبر الشومة شوية و نجيب كورباج سوداني جديد فتقوم السيارات تقل و تتبخر بمفردها او يقعدوا السائقين في منازلهم او يلتزمون بالقوانين اكثر او ينتحروا و يخلصوا! و تلك النتيجة التي يتوقعها المشرعين لهذا القانون علي اعتبار افتراض ثاني اكثر بطلاً و هو ان القوانين تطبق بالفعل و انها لن تخضع كأسلافها للقوانين الموازية الاخري المطبقة جيداً من حيث قوانين الفساد و الرشاوي التي تجعل الكثير من السلطات التنفيذية تغض من ابصارها.

ان كانت فعلت القوانين الجديدة شئ، فهو زيادة قيمة الرشاوي بسبب تشديد العقوبات و مجرد اسهام في تفاقم الوضع الحالي لنهرول لواقع اكثر عثرة و اكثر ظلماً كل يوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة