الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخلاق في نظر الأديان المختلفة

حسن طبرة

2008 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تعد الأخلاق عنصر أساسي من عناصر وجود المجتمع وبقائه , ومقوماً جوهرياً من مقومات كيانه وشخصيته , فلا يستطيع أي مجتمع أن يبقى ويستمر دون أن تحكمه مجموعة من القوانين والقواعد التي تنظم علاقات أفراده بعضهم ببعض وتكون لهم بمثابة المعايير المعتمدة في توجيه سلوكهم وتقويم إنحرافهم (1) .
لذلك فقد إتفقت أغلب الأديان والمذاهب على أهمية الإخلاق ودورها في تحقيق السعادة الدنيوية والأخروية , إذ أتت هذه الأديان بقوانين وقواعد سلوك إخلاقية للناس لتنظيم العلاقة بين الفرد وربه من جهة وبين الأفراد بعضهم مع بعض من جهة أخرى , وقامت بتوضيح الخير للعمل به والشر لتجنبه .
فعلى سبيل المثال في ديانة البابليين والآشوريين هنالك معتقد بأن الآلهة فرضت على الإنسان عدا العبادة المجردة أن يكون حسن السلوك وفقاً للقيم
الإخلاقية في مجتمعه , وأن يطيع قوانين بلاده ونظمها الإجتماعية المستمدة من إرادة الآلهة (2) , وذلك لأن الآلهة في العراق القديم كانت تفضل كل ماهو إخلاقي وخير على ماهو غير إخلاقي وشرير (3) .
أما ديانة قدماء المصريين فتنظر إلى إن عدم الإلتزام بالإخلاق وطريق الإستقامة يوجب غضب الله عزوجل إذ يقول الحكيم المصري القديم (قاقمنا) : " أسلك طريق الإستقامة لئلا ينزل غضب الله (4) , إذ يعتقدون إن الإنسان يظهر في الحال بعد الموت أمام محكمة (أسوريس) لمحاسبته عما فعل من الحسنات وإقترف من السيئات ليلقى الجزاء العادل (5) وقد ساعد هذا المعتقد على إشاعة أفكار إخلاقية ممتازة مثل الفكرة التي تقضي أن لايؤذي الإنسان جاره , والقريبين منه , وأن لايشقيهم , وأن لايسئ إلى أي إنسان , وأن لايسبب المتاعب
في محيطه (6) .
أما في الديانة اليونانية فهنالك إعتقاد بأن الآلهة مثل البشر بصورته وصفاته وإخلاقه تأكل وتشرب وتحب وتتزوج إلا أنها نالت مرتبة الخلود (7) , الذي قلل من صلاحيتها لتهذيب النفوس إلا أن مناسكها وطرق تعبدها فيها مما يرقي العقول في الشعر وسائر الفنون (8) .
وتنظر الديانة البوذية إلى العقائد الإخلاقية وتعاليمها على أنها ذات أهمية كبيرة في تحقيق القناعة والطمأنينة في
نفوس المؤمنين والوصول إلى السلام الذهني , وخاصةً التعاليم الأساسية التي وردت في (الحلقات الإثنتي عشر) و(الحقائق الأربعة النبيلة) و(الطريق الثماني) و(الوصايا البوذية العشر) , أما الباقي من التراث الديني فإنه إيضاح للتعاليم الأساسية (9).
أما الديانة المسيحية ترى إن على الإنسان التحلي بالإخلاق الحسنة والإبتعاد عن الإخلاق السيئة لأن الإنسان سوف يحاسب على أعماله يوم الحساب أو الدينونة , إذ ورد في الإنجيل على لسان السيد المسيح عليه السلام بأنه في يوم القيامة سوف " يجازى كل أحدٍ بحسب أعماله " (متى:16)(10) , وجاء السيد المسيح عليه السلام بالكثير من التعاليم النيرة المشرقة الجديرة بتحريض الجماهير على الإقبال على الروحانيات والإخلاق , التي تعد من أعظم الوسائل لترقية الإنسان في
العقائد الصالحة والأعمال الحسنة (11) .
أما الديانة اليهودية فتنظر إلى أهمية الإلتزام بالقوانين الإخلاقية التي أعطاها ألله إلى بني إسرائيل عن طريق موسى عليه السلام والتي سميت بـ"الوصايا العشر" (12) التي تنظم سلوك الإنسان وتدفع به للقيام بالأعمال الصالحة وكل ماسواها شروح(13) .
إهتم كذلك الدين الإسلامي الحنيف إهتماماً بالغاً بالإخلاق والسلوك الإخلاقي , فقد وردت الكثير من
الأحكام الإخلاقية في التعاليم الواردة في القرآن الكريم أو الواردة في السنة النبوية الشريفة على لسان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي كان يجسدها في أفعاله وسلوكه مع الآخرين , قال تعالى : " وإنك لعلى خلقٍ عظيم " (القلم:4) , وقد أكد صلى الله عليه وآله على إن نشر التعاليم الإخلاقية من الأهداف الأساسية التي بعث من أجلها كما في قوله (ص) : " إنما بعثت لأتمم مكارم الإخلاق " (14) وغيرها من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تؤكد على إن حسن الخلق سبباً لرقي الإنسان إلى ذروة الكمال في الدنيا ودخول الفرد إلى الجنة في الآخرة (15) , وإن الإخلاق لاتكتسب بالعلم وقراءة الكتب وإنما بالتمرينات القاسية والتربية الطويلة (16) , وقد قسم علماء المسلمين الأحكام والتعاليم الإخلاقية إلى ثلاثة أقسام , الأولى هي التعاليم الإخلاقية الإلزامية أي الواجب إتباعها , والثانية هي الأحكام الإخلاقية المستحبة غير الملزمة , والثالثة هي التعاليم المعمقة للسلوك الإخلاقي , والذي يختص بالقلة من الأفراد ممن يتحملونه (17) .
بعد هذا العرض الموجز لوجهات نظر الإديان المختلفة يتبين إن جميعها تتفق على أهمية الإخلاق في حياة الإنسان لجلب السعادة له في الحياة الدنيوية وفي الحياة الأخروية رغم بعض الإختلافات في مدى التركيز على القواعد الإخلاقية والسلوك الإخلاقي .



* باحث وأكاديمي عراقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1. الجبوري , سيف محمد رديف (2002) , الأحكام الإخلاقية لدى بعض موظفي دوائر الدولة وعلاقتها بإشباع حاجاتهم . رسالة ماجستير غير منشورة , ص8 .
2. باقر , طه (1964) .ديانة البابليين والآشوريين . مجلة سومر , ج1, مج2 , مديرية الآثار
القديمة العامة,بغداد , 1946 , ص11 .
3. جواد , د.حسن فاضل (1999) . الإخلاق في الفكر العراقي القديم . بيت الحكمة , بغداد , ص277 .
4. زكري , أنطون (1923) الأدب والدين عند قدماء المصريين , مطبعة المعارف مصر, ص14 .
5. زكري , نفس المصدر , ص107.
6. شالي , فيلسيان (1991) موجز تاريخ الأديان , ترجمة :حافظ الجمالي , دار
طلاس للدراسات والترجمة والنشر , دمشق , ص66 .
7. الهاشمي , طه (1940) مختصر التاريخ والحضارة في الزمن القديم , مطبعة الأهالي , بغداد , ص189.
8. فهمي , محمود (1910) تاريخ اليونان , مطبعة الواعظ , مصر , ص49.
9. كاير , جوزيف (1964) حكمة الأديان الحية , ترجمة : حسين الكيلاني , مراجعة : أ.محمود الملاح , منشورات دار مكتبة الحياة , بيروت ,ص17-18.
10. الكتاب
المقدس , العهد الجديد , إنجيل متى .
11. الصادقي , د.محمد (1974) تاريخ الفكر والحضارة , دار التراث الإسلامي , بيروت , ص180-181.
12. شالي , نفس المصدر , ص173 .
13. كاير , نفس المصدر , ص170.
14. الريشهري , محمد (1423هـ) منتخب ميزان الحكمة , تلخيص : السيد حميد الحسيني , مركز الطباعة والنشر في دار الحديث , قم , ص170.
15. القمي , الشيخ عباس (2005) خمسون درساً في الإخلاق , تحقيق : نزار الحسن , مؤسسة عاشوراء , قم , ص5.
16. النراقي , محمد مهدي (1967) جامع السعادات , تعليق: السيد محمد كلانتر , تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر , ط4 ,مطبعة الآداب , النجف الأشرف ,ج1 ,ص18 .
17. الصدر , اليسد محمد (بلا) فقه الإخلاق , منشورات أنوار الهدى , إيران , ص14-15.


مقالات أخرى لنفس الكاتب :

05-28الأخلاق في نظر الأديان المختلفة
05-27المعرفة القانونية ودورها في تقويم سلوك الموظفين









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة