الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يعني ان تكون كاتبا في الوطن العربي؟

حمزة الحسن

2004 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


 لكي تكون كاتبا في الوطن العربي ، يجب أن تكون جحشا مدجنا صغيرا يركبك من يشاء عند تأخر الحافلة.

يجب أن تكون صرصورا مروضا يتم إخراجك من المراحيض لتسلية المقاول والزعيم والتاجر والقواد والجنرال العقيم الذي لم ينتصر ، رغم كل الأوسمة على الصدر، إلا في معارك السرير والذباب والسراب والوهم.

لكي تكون كاتبا ناجحا وشريفا ومطيعا وجيدا يجب أن تكون قردا مدربا في قفص السكرتير العام للحزب( الثُوري)، وكاتب خطاباته، وحامل أختامه، وعطاياه، وكيس خردته، وجراب حصانه، وماسح منضدته، وفارسه المغوار الجاهز لرد الأعداء من النقد والسؤال والقلق لأنك من سلالة حشرات وهو من سلالة آلهة.

ولكي تكون كاتبا محترما يجب أن تكون قوادا لزعيم عصابة أصولية يمينية أو يسارية، قومية، أو دينية، ومستعدا في اية لحظة للتنازل عن شرفك وعرضك وموقفك ومؤخرتك ما أن يغضب القائد أو  الرفيق أو الولي الصالح او الطرطور من الجماهير أو من الغيب أو من المطر أو من الريح.

لكي تكون كاتبا مهما في العالم العربي يجب أن تكون مسمارا جاهزا للدق على أي جنازة لجاسوس محترف، وحاملا باقات الزهور في موكب موتى الغرف الحمراء، وبوقا حاضرا في مأتم الخليفة أو مأتم الوزير أو مأتم البعير.

لكي تكون كاتبا ومثقفا وشاعرا وروائيا جيدا في العالم العربي فيجب أن تنام في حقيبة 24 ساعة كالصيدليات الخفر لأن حرس الزعيم قد يطرقون عليك بابها في أية لحظة لكي تجد نفسك على الحدود، دون أن تدري، ولتستلم جائزة العراة وأنت باللباس الداخلي في صحراء موحشة. 

لكي تكون مفكرا ومثقفا وأديبا في العالم العربي فيجب أن تكون عطرا يرش في كل لحظة على عاهرة أو صالة اجتماعات أو شارع يمر منه الوزير والحقير والنذل والسفير والوالي والتاجر والمقاول والدجال.

لكي تكون كاتبا في المأتم العربي فيجب أن تنام داخل حذاء سفري بلا أربطة ومستعدا للركض خلف موكب الأمير والوزير والرئيس والسائس والمرتشي.

ويجب أن تكون منفضة سجائر لسائق التاكسي يضع فيك سجائره عند الحاجة دون أن تقدر على فتح فمك كي لا  تتحول، في قبو سري عريق ورطب، إلى (جاسوس) أو علبة خل  أو يكتب على بابك  خوفا من لجان التفتيش الدولية: حاوية زبل!

لكي تكون كاتبا كبيرا ومقبولا في الموت العربي فيجب أن تكون مروحة هواء جاهزة للحركة على وجه القائد والرفيق والمرافق في ليالي الصيف أو بعد  حروب "طبقة" البيض الثورية!

يجب أن تكون حماما دافئا للبول والاستحمام والتدليك كل لحظة لحرم صاحب المعالي، وحرم صاحب السعادة، وحرم صاحب السيادة، وحرم الوصي على الروث والعرش والحكومة، وابن أخت الزعيم وخال القائد العام لجيش الوهم والسعال وجنود النمل في استعراضات الخوف وتحدي الجياع والمرضى.

يجب أن تكون غليونا للحشيش  والبول والقات والزهري.  يجب أن تكون مفرغة هواء لفساء الوصي والولي والرئيس.
 
يجب أن تكون كل يوم معطرا وجاهزا ونظيفا لكي تدخل في الديكور وفي المهرجان  حتى لا تشوه منظر الدولة أو المؤسسة أو الجريدة أو القصر الرئاسي أو صومعة الخليفة أو وكيل الله في البار أو في  خلوة الوهم.

أطالب كل الكتاب العرب وغير العرب في العالم العربي بالعودة إلى نداء الشاعر انسي الحاج في السبعينات حين دعا الكتاب إلى تشكيل عصابات سطو على بنوك ومصارف الزعماء اللصوص، ولكي يتحولوا إلى قطاع طرق وفرق تشليح من الجوع والصبر والضيم والانتظار والرعب.

وبدوري أدعوهم إلى تشكيل منظمات لمداهمة مواكب القادة وزعماء الأحزاب ومحاريب الأولياء ورميها بالبيض الفاسد والأحذية والبالونات و(القنادر) العفنة والجوارب المهملة.

أدعوهم لإعلان العصيان المدني في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية، في الجوامع، والكنائس، والمراقص، والمواخير، بالامتناع عن العمل، وعن البراز، وعن التغوط ( حتى هذا يتحول إلى أسلحة ضد البؤساء بعد اعادة تأهيله!) وبالامتناع عن الحركة حال مرور الموكب المشؤوم، او الالتفات إلى الجانب الاخر من الشارع، إلى محلات الأحذية، ومطاعم الفلافل، والامتناع عن الانجاب والتناسل مؤقتا ما دام أطفالنا يموتون جوعا أو يذوبون في أحواض التيزاب أو في الحروب  أو في المنافي.

أدعوهم  جميعا منذ اليوم إلى النوم في اثناء العمل كجزء من العصيان السلبي، والشخير في حفلات خطابات القادة والأشباه في السلطة أو في المعارضة، وان لا يذهبوا إلى حفلات سباق الخيل والليل والعازل الجنسي يعرفني والصحراء. 

أدعوهم إلى الإضراب عن المضاجعة كي تخرج النساء إلى الشوارع من الكبت في نقابات ومسيرات لأن من لا يأكل جيدا، وينام جيدا، ويعيش في سكن لائق في دولة قانون وعنده ضمانات غير قادر على انجاب أطفال أصحاء، بل غير قادر على ممارسة الحب.

أدعوهم لمغازلة زوجات القادة وأشباه القادة، ورجال الحزب الفاشي، الحاكم والمحكوم،  كي لا يذهبن من الكبت والإهمال وانشغالات الزعيم لمضاجعة الكلاب والخدم وعلب معجون الأسنان!

أدعوهم للهتاف باسم الله العزيز في أوقات الصلاة المزورة، لأن كل شيء صار مزورا من شهادات وفاة الموتى، وحتى نشرة أنباء الطقس، وحتى صلاة الجمعة ومواعيد الطيران.

أدعوكم لقراءة حقوق الكلاب في اسكندنافيا التي تقول في نصوص مكتوبة: إن الكلب لا يضرب، لا يجوع، يستحق طعاما لائقا، ومكان نوم لائقا، لا يهان، ولا يجوز أن يظل سائبا لأن الكلب السائب هنا يقود صاحبه إلى السجن، في حين أن شعوب العالم العربي كلها سائبة في الطرقات وفي المنافي وتحتفل في المقابر في اعياد الله أو أعياد الولي.

اكسروا أقلامكم بعض الوقت وتسلحوا بالعصي والهراوات وداهموا إسطبلات خيل الأمير والوزير والرقيع والتافه والصرصور وحراس النوايا، وأبناء منتصف الليل.

إن كل كتاباتكم على مر العصور لم تغير شعرة في دبر مسؤول، وكل حقوقكم لا تساوي حقوق كلب نرويجي واحد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار