الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران ومصر: هل تعود العلاقات التاريخية؟

يوسف عزيزي

2004 / 1 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


تتسم العلاقات بين الشعبين المصري والفارسي، و هما من اقدم شعوب المنطقة، بالتاريخية و تصل الى الاف السنين. ويتحدث لنا التاريخ عن غزو الملك الاخميني، كمبوجية ( قمبوزس) لمصر في القرن السادس قبل الميلاد وثورة المصريين ضد جيشه الغازي وكذلك عن مساهمة الفرس في حفر قناة يربط البحر الابيض المتوسط بالبحر الاحمرو هو الذي عرف فيما بعد بقناة السويس. وقد تواصلت العلاقات بين الحضارتين العريقتين المصرية ذات الستة الاف عام والفارسية ذات الالفين و خمسمائة عام في العصر الفرعوني وتوطدت في العصر الاسلامي بعد ان اصبح الاسلام، دينا مشتركا للشعبين.
 ونشاهد حاليا آثار الفاطميين - وهم من الشيعة الاسماعيلية - في مصر
ومنها ضريح راس الحسين و مسجد السيدة زينب و ماشابه ذلك حيث كانوا ملجاءا للنشطاء السياسيين والادباء الفرس الهاربين من بطش حكامهم و ملوكهم. وهاهو الشاعر و الرحالة الفارسي البارز ناصرخسرو البلخي الذي قطع الاف الاميال مشيا على الاقدام من خراسان الى مصر ليلجأ الى البلاط الفاطمي في قاهرة المعز ويعتنق المذهب الاسماعيلي حيث اصبح داعية لمذهبهم في الديار الفارسية.
 وقد لعبت مصر في تاريخنا المعاصرنفس الدور التاريخي، حيث أوت في اواخر القرن التاسع عشر و اوائل القرن العشرين العديد من السياسيين الايرانيين المعارضين لسلالة القاجار وحكامهاالمستبدين.  اذ صدرت في هذه الاونة العديد من الكتب القديمة  و الصحف الفارسية المناوئة للنظام القاجاري في القاهرة، حيث كانت تتسرب الى الداخل بشكل سري لتهيأ الاجواء لثورة ايران الدستورية (1906- 1908).
وكانت مصر و ايران من الدول الاولى في الشرق التي جربت الحكم الدستوري و اصبح لديهما برلمانات؛ الاولى في اواخر القرن التاسع عشر وفي عهد عرابي باشا و الثانية في اوائل القرن العشرين كما اشرنا آنفا. 
 وقد تمت في القرن المنصرم ترجمة لكتب الافغاني و محمد عبده
و جورجي زيدان و طه حسين ومن ثم لنجيب محفوظ و صلاح عبدالصبور الى الفارسية و انبهر الايرانيون، بصوت ام كلثوم
و عبدالحليم حافظ .  وكانت مصر و لاتزال المركز الرئيس لترجمة الادب الفارسي وهذا ماشاهدناه في ترجمة رائعة الروائي الايراني محمود دولت آبادي من قبل المرحوم محمود دسوقي شتا.  وتعاطف المصريون مع الزعيم الايراني الراحل محمد مصدق حيث زار القاهرة بدعوة من  نحاس باشا، آخر رئيس وزراء في العهد الملكي المصري. كما ابدى الايرانيون تعاطفا مع مصر في العدوان الثلاثي عام 1956 و في حربي عام 1967 و عام 1873، رغم العلاقات المقطوعة بين نظامي الشاه و جمال عبدالناصر.  فانبثاق الايديولوجية القومية في اوائل القرن العشرين في ايران و البلاد العربية وبلوغها الذروة في الخمسينات والستينات من هذا القرن لعبت دورا هاما في تأرجح العلاقات بينهما. فهذا مانراه للعيان في علاقة ايران مع كل من سورية والعراق و مصر.
 وكانت العلاقات حسنة بين النظامين الايراني والمصري في النصف الاول من القرن العشرين حيث صاهرت الاسرة البهلوية، اسرة الملك فاروق في اوائل الاربعينات وذلك  بعد زواج الشاه محمدرضا البهلوي - لذي كان وليعهدا انذاك- مع الاميرة فوزية بنت الملك فؤاد و شقيقة الملك فاروق. لكن العلاقات انقطعت بعد وصول الضباط الاحرار الى الحكم في مصر واشتد العداء بين حكم الشاه محمدرضا البهلوي الذي كان صديقا للولايات المتحدة الامريكية واسرائيل و النظام القومي الثوري العربي بقيادة جمال عبدالناصر. وقد تم اعادة العلاقات في عهد الرئيس المصري السابق انورالسادات مع النظام الملكي في ايران في اواسط السبعينات؛ غير ان حدوث الثورة الايرانية ادى الى انقطاع ثاني لهذه العلاقات التي لم تدم اكثر من 5  سنوات. والانكى في الامر ان الفرمان الخاص بقطع العلاقات جاء من زعيم الثورة الاسلامية في ايران اية الله الخميني ذاته، احتجاجا على توقيع السادات لمعاهدة كمب ديفيد التي انهت الصراع بين مصر و اسرائيل. وقد توترت العلاقات بين ايران الثورة الاسلامية و مصر المتحالفة مع اسرائيل و الولايات المتحدة الامريكية بعد ان آوت مصر الشاه الهارب من وطنه و المنبوذ من جميع اصدقاءه و حلفاءه في العالم بما فيهم الامريكيين انفسهم. ومات الشاه في مصر بمرض السرطان و دفن في مسجد الرفاعي بالقاهرة.
ووضعت ايران اسم خالد الاسلامبولي على احدى شوارع العاصمة طهران، فيما حولت مصر اسم شارع مصدق في القاهرة الى شارع الشاه محمدرضا البهلوي.
 وقد بدأت العلاقات المصرية - الايرانية تتحسن بعد ان اصبح خاتمي رئيسا للجمهورية الاسلامية في ايران وذلك في سياق سياساته الاصلاحية القائمة على ازالة التوتر مع الدول العربية والعالم. وفعّلت حكومة خاتمي، مركز رعاية المصالح الايرانية في القاهرة
و قامت الحكومة المصرية بنفس الاجراء، حيث تحول هاتان المركزان الى شبه سفارات نشطة خاصة في المجالات التجارية
و الاقتصادية.
 الان و بعد ربع قرن من القطيعة بين الدولتين المصرية و الايرانية اصبحنا امام وضع دولي يختلف تماما عما كان عليه قبل ربع قرن، لا بل مع بضع سنوات مضت.  فقبل عامين قرر مجلس بلدية طهران - المحسوب على الاصلاحيين انذاك- تغيير اسم شارع خالد الاسلامبولي تمهيدا لاعادة العلاقات بين البلدين غير ان معارضة المتشددين حالت دون ذلك. 
 ويبدو ان سقوط نظام صدام حسين اقنع الجناح البرغماتي في تيار المحافظين بانه لامفر من اعادة هذه العلاقات بعد ان اصبح الشيطان الاكبر جارا لايران في شرقها وغربها. ويبدو ان الطيف المتشدد  بين المحافظين و المعارض لتغيير اسم الاسلامبولي اصبح في اقلية لايمكن له ان يؤثرعلى الدبلوماسية الايرانية تجاه مصر برغم المظاهرات و الاحتجاجات التي يقوم بها هنا و هناك وهي تذكرنا بمعارضته لتوقيع ايران البروتوكول الاضافي لمعاهدة حظر نشر الاسلحة النووية والتي لم تثمر عن اي شيء بعد اتفاق الاصلاحيين
و المحافظين البرجماتيين في السلطة على توقيعه.
 فما من شك بان ايران اتخذت قرارها هذا بعد مشورتها مع حلفاءها في العالم العربي واعني بحزب الله لبنان و حركتي حماس و الجهاد الاسلامي الفلسطينيتين حيث شجع هؤلاء ايران لاعادة العلاقات ؛ كما انها تنظر بايجابية لدور مصر في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية
و اهتمامها بالمنظمات الاسلامية هناك ؛ مما حدا بالرئيس الايراني محمد خاتمي ان يطلب لقاء نظيره المصري حسني مبارك على هامش قمة مجتمع المعلومات في جنيف السويسرية.
 فمن الجانب المصري الذي كان يعارض سابقا اعادة العلاقات مع ايران؛  يبدو ان الضغوط الامريكية الاخيرة - وخاصة من قبل المحافظين الجدد- على السلطة والوضع الاقتصادي المتردي وخشية الحكومة من القوى الاسلامية بما فيهم اخوان المسلمين، لعبت دورا في تغيير سياساته تجاه ايران التي كان يتهمها بدعم الفصائل الاسلامية الراديكالية في مصر.
 الان يبدو ان حتى سفراء البلدين قد تم تعيينهما حيث  تتحدث الانباء هنا عن تعيين محمد شريعتي المستشار الاعلى للرئيس خاتمي سفيرا لايران في القاهرة؛ وان موضوع الاعلان عن اعادة العلاقات المصرية - الايرانية ليست الا مسالة وقت. كما و انه من المقرر ان يزور الرئيس حسني مبارك، طهران في الشهر القادم للمشاركة في الاجتماع الاقتصادي للدول الاسلامية الثماني في طهران. انتهت                
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن