الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار رجعي وظالم ومجحف!

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2004 / 1 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


     قرار مجلس الحكم الإنتقالي العراقي المرقم 137، الذي إتخذه في دورته للشهر الماضي برئاسة السيد عبد العزيز الحكيم، والذي فرض تطبيق أحكام جديدة في قضايا الأحوال الشخصية، وألغى بموجبه القانون المدني السابق،الذي ينظم قضايا الأحوال الشخصية،منذ 40 سنة ونيف، وأحالها الى رجال الدين ورؤساء العشائر، الذين أحلهم مكان المحاكم التي تفصل في قضايا المرأة هذه، حيث نص على تطبيق أحكام الشريعة الاسلامية في ما يخص الزواج، والخطبة، وعقد الزواج، والأهلية، واثبات الزواج، والمحرمات، وزواج الكتابيات، والحقوق الزوجية، من مهر، ونفقة، وطلاق، وتفريق شرعي، أو خلع، والعدة، والنسب، والرضاعة، والحضانة، ونفقة الفروع، والأصول، والأقارب، والوصية، والايصاء، والوقف، والميراث، وجميع المحاكم الشرعية (الأحوال الشخصية)، وطبقا لفرائض مذهبه. والغى كل القوانين والقرارات والتعليمات والبيانات واحكام المواد التي تخالف الفقرة (1) من هذا القرار..
    بقراره هذا أرجع مجلس الحكم  قضايا الأحوال الشخصية للمرأة العراقية أربعة عقود للوراء، وقضى على كافة مكتسباتها، التي حققتها بنضالها وتضحياتها، مجسدة في القانون الذي أصدره  الفقيد الزعيم عبد الكريم قاسم، في اوائل الستينات، وأنصف المرأة العراقية، ومنحها حقوقا واسعة،فأعتبر بحق أكبر مكسب وطني ديمقراطي..
    إن القرار المذكور، الذي مرره الإسلاميون، مستغلين غياب عدد من الاعضاء في مهمات رسمية خارج العراق وداخله، لطرحه  والحصول على الاغلبية في المصادقة عليه،لا يمكن وصفه بأقل من قرار رجعي متخلف، ظالم ومجحف بحق العراقيات، اللواتي يشكلن أكثر من نصف المجتمع العراقي.
    والمخزي في العملية أنه في الوقت الذي يتحدث الجميع عن عراق الديمقراطية والعدالة والمساواة، طرح المعنيون القرار للتصويت بعيداً عن الشفافية والديمقراطية، من دون طرحه على المجتمع للحوار والمناقشة، ومن دون مشاركة المنظمات النسوية العراقية المعنية بالقرار، وأن الأجنبي – بريمر- كان أحرص من بعض العراقيين على حقوق نساء العراق، فاعترض على القرار، واستخدم " الفيتو " ضد اصداره  رسميا!
    والمؤكد ان هذا القرار الخاطئ،الذي يكرس الطائفية والعشائرية والتفرقة في المجتمع،  ويضعف الأسرة العراقية ويمزقها ويعقد مشاكلها، قد أثلج صدرالدكتاتور صدام حسين، الذي أصدر، إمعاناً في جرائمه النكراء، وخلال فترة وجيزة من إستيلائه على الحكم، اكثر القرارات ظلامية ووحشية في تأريخ العراق الحديث،كي يكرس دونية المرأة في المجتمع ، ويؤطر المجتمع العراقي، عبرها، بفكره المتخلف، ونهجه التسلطي التدميري الهادف الى اذلال الشعب وتركيعه وشل طاقاته النضالية للخلاص منه. فوردت في تشريعاته العديد من النصوص القانونية، التي شكلت انتهاكاً خطيراً لحقوق المرأة، وللدستور نفسه، فضلاً عن المواثيق والاعراف الدولية، ومنها: السماح بقتل المرأة بدعوى "الدفاع عن الشرف" و"غسلاً للعار"، واعدامها  خارج نطاق القضاء، وبدون محاكمة وبيد فدائيي صدام، وبشكل وحشي- بقطع رأسها عن جسدها بالسيف.وسلب المرأة كانسان اهم حقوقها، وهو حقها في الحياة. وسجل النظام حافل  بإقتراف عمليات القتل والإغتصاب والتعذيب المستمر ضد المرأة في سجونه ومعتقلاته البشعة، وبشتى الانتهاكات السافرة لحقوق الانسان خاصة المتعلق منها بحقوق المرأة، ووضعها داخل الاسرة والمجتمع،ومنها القرار الصادر عام 1981 والذي نص على منح مبالغ مغرية للمتزوجين من النساء الموسومات بالتبعية الايرانية، ان هم طلقوهن. والقرار الصادر في تشرين الاول 1982 ونص على اعتقال زوجات واطفال العسكريين الرافضين للحرب، واعتبارهن رهائن. ومرسوم "مجلس قيادة الثورة" في كانون الاول 1982 ومنع بموجبه النساء من الزواج باجانب، وحرم على العراقية المتزوجة من اجنبي تحويل المال اليه او تسجيل العقار باسمه. والقانون الذي صدر بعد حرب الكويت ومنع سفر المرأة بدون محرم، حتى لو كانت تحمل اعلى شهادة اكاديمية..وضمن هذا النهج المقيت غمطت قوانين النظام البعثي  وقراراته الجائرة حقوق المرأة في التقاعد والضمان الصحي والاجتماعي، وحرمتها من تولي وظائف في القضاء، وفي المناصب العليا في الدولة،الى جانب دعوة الطاغية سيئة الصيت بأن تلزم المرأة بيتها، وغيرها من الإنتهاكات الخطيرة للدستور، ولحقوق الانسان، والتي عطلت من دور المرأة الفاعل، وإمتهنت كرامتها، وحطت من منزلتها في المجتمع العراقي، وأعادتها كمواطنة عراقية نصف قرن للوراء !
       كان يفترض بمجلس الحكم الإنتقالي العراقي ان تكون من أولويات مهامه إلغاء القرارات المذكورة، ويرفع عن المرأة العراقية كل ما لحق بها من حيف وغبن وإساءة،إحتراماً منه لتضحياتها، وللتخفيف من معاناتها..وكان يستوجب أن يسعى جاهداً كي تمنح الدولة العراقية الجديدة المرأة، دستورياً وقانونياً، كامل حقوقها، وترفع من شأنها ومنزلتها في المجتمع، تقديراً لما تنهض به من أعباء إجتماعية كبيرة ومضاعفة، كأم وزوجة وأخت، كربة بيت ومربية وراعية لأطفالها، كعاملة، وموظفة، وسياسية، ومواطنة فاعلة في خدمة التنمية الوطنية الشاملة..ومن هذا المنطلق كان يتعين على مجلس الحكم ان يهيئ الأرضية ويعد لإصدار تشريعات قانونية تكفل للأمومة والطفولة، وللأسرة العراقية، الحقوق والضمانات الكاملة، وتصونها من كل إنتهاك، وبالتالي تؤمن للمرأة دوراً فاعلاً في التنمية الوطنية، الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، من خلال:إعادة النظر فوراً في القوانين التي تميز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وبضمنها قوانين الخدمة المدنية والوظيفة العامة، بما يوفر فرص متساوية بين الرجل والمرأة  في العمل الحر والشريف، والمساواة في الإجور، وضمان حقوق المرأة في الأمومة، والتقاعد، والضمان الإجتماعي والصحي، وإلغاء وتحريم سياسة التمييز الطائفي والعنصري،القومي والعرقي والإثني والجغرافي والفكري والسياسي ضد المرأة، بموجب نصوص دستورية وقوانين عراقية جديدة، ووفقاً للإلتزامات الدولية.. إلغاء جميع النصوص القانونية التي تخفف من عقوبة قتل المرأة بدافع الشرف،وغسلاً للعار، وإعتبار هذه الجريمة عادية يستحق مرتكابها عقاباً كاملاً..  وقف كل أشكال العنف ضد المرأة في المجتمع وفي الإسرة، وبضمنها الضرب،والإهانة، والتحرش الجنسي، وختان الإناث، وغير ذلك.. ضمان حقوق الجنسين، بالغي سن الرشد، بالتساوي في إختيار الشريك، ومنع الزواج  بالإكراه، والزواج المسمى  " كصة بكصة "، و" النهوة"، وجعلها جريمة يعاقب عليها القانون.. إلغاء تعدد الزوجات، وجعل الزواج المتعدد من الرجال والنساء جريمة يحاسب عليها القانون.. منع الطلاق الظالم،وإلغاء حصره  بيد الزوج، وكذلك النصوص المتعلقة بأحكام النشوز.
    من المؤكد ان المرأة العراقية الطامحة  أن يطول التحول الديمقراطي قضيتها، ستتصدى بكل جرأة وشجاعة لمثل القرار المذكور،وفعلاً باشرت ممثلات نحو 80 جمعية نسوية بالتظاهر والإعتصام إحتجاجاً وإستنكاراً للقرار المذكور. وستواصل العراقيات خوض النضال، تحت قيادة منظماتهن النسوية المجاهدة ،حتى إسقاطه، الى جانب تحقيق كافة مطاليبهن العادلة. والواجب الوطني والإنساني يلزم كافةالأحزاب السياسية التقدمية، ومنظمات المجتمع المدني، والقوى والمنظمات والإتحادات والنقابات المهنية، والشخصيات الإجتماعية والوطنية والديمقراطية،التي تعتبر الموقف من قضية المرأة هو أحد أبرز معايير الإنسانية الحقة، والوطنية الصادقة، والنضال الوطني الديمقراطي الحق، ان تدعم نضال المرأة العراقية، وتسنده، وتتعاطف وتتضامن مع مطاليبها المشروعة!..وسوف لن يغفر شعبنا العراقي لكل من يتنكر لحقوق المرأة، ويحط من منزلتها في المجتمع، أو يقف حجر عثرة لإعاقة دورها الفاعل في عملية التقدم الإجتماعي، متمسكاً بالتقاليد الرجعية البالية والمجحفة بحق أمهاتنا وزوجاتنا وشقيقاتنا وبنات أعمامنا وأخوالنا !
-----------                                          
* طبيب وكاتب أكاديمي عراقي، مقيم في السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج