الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لن تجلب روما الربيع لتصحر الغذاء العالمي

بدر الدين شنن

2008 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


كان من الطبيعي أن تعلن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ( الفاو ) عن عجزها ، في مواجهة هجوم احتكارات الأغذية الدولية ، على حقوق المجتمع الإنساني بالحصول على مقومات الحياة الغذائية ، حيث بات نحو مليار إنسان ، والعدد مرشح للزيادة بمئات الملايين ، معرضون لمخاطر الموت جوعاً ، نتيجة تحكم هذه الاحتكارات بكميات ونوعية إنتاج الحبوب والمواد الغذائية الأخرى وبالتلاعب بأسعارها ، ركضاً وراء معدلات ربح جشع ، دون أي اعتبار إنساني . هذا الهجوم الذي يترافق مع تمادي الاحتكارات الدولية في مجمع صناعة الأسلحة وإنتاج الطاقة في هجومها الزاحف للسيطرة على العالم با سم الحرب على الإرهاب .

وقد أ شار الأمين العام للأمم المتحدة ( بان كي مون ) في خطابه في مؤتمر القمة الدولية المنعقد في روما ، في بداية أيار الجاري لبحث أزمة الغذاء الخطيرة وإيجاد الحلول لها ، إلى أن أزمة الغذاء الناشبة الآن هي ( من صنع أيدينا ) ، أي أنها مصطنعة . كما أ شار المدير العام ل ( الفاو ) السيد ( ضيوف ) بهذه المناسبة إلى أن الجوع المنتشر في العالم هو ( جوع سياسي في طبيعته ) . وهذا ما يضعف و يكذب الأسباب التي علل بها عدد من المؤتمرين الحالة الكارثية الراهنة ، مثل تحويل كميات من الحبوب إلى إنتاج الوقود الحيوي أو زيادة عدد سكان العالم وزيادة الاستهلاك الغذائي . كما يشير إلى فشل الحلول الترقيعية للأزمة ، مثل جمع التبرعات والصدقات من الدول الغنية ، المسؤولة تاريخياً وأخلاقياً عما يكابده وسيكابده ضحايا هذه الاحتكارات .

لقد قارب السيدان كي مون وضيوف جانباً من الحقيقة فقط . أما المقاربة الأدق والأشمل ، فهي تشير بأصبع الاتهام إلى النظام الرأ سمالي الاحتكاري الدولي الراهن ، الذي تقوده الاحتكارات الإمبريالية العابرة للقارات ، بعد إنزياح الكتلة الاقتصادية المغايرة المنافسة ، التي كان يمثلها الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية ، والتي كانت تحول دون تحكم هذه الاحتكارات المطلق بمصائر المجتمع الإنساني ، وانفلات توحشها دون راع كما هو جار الآن .

وإذا ما توسعنا قليلاً في المعنى ل ( الجوع سياسي في طبيعته ) فإنه يتضح أن الغلاء وأزمة الغذاء ليس قدراً لامفر منه ، بل إن هناك قوى دولية سياسية اقتصادية ، لمصلحة أهدافها الخاصة ، قد قررت صنع هذه الأزمة . وبالمقابل ، أن هناك قوى سياسية اقتصادية نزيهة لها مصالح مغايرة تستطيع أن تحل الأزمة واتباع نمط اقتصادي عادل خال من الأزمات المماثلة . كما يتضح ، أن ما ترتكبه احتكارات صناعة الأسلحة والطاقة واحتكارات المواد الغذائية ، علناً ، يتجاوز السياسي الاقتصادي والأخلاقي ليصل إلى المستوى الجرمي المتوحش . فهذه الاحتكارات ومعها بقية الاحتكارات ، وخاصة ، في مجالات الاتصالات والمواصلات والمعلومات ، والأدوية ، والتكنولوجيا العامة والفضائية ، والإعلام ، التي تمتلك الثروات والقدرات المادية الهائلة ( 550 شركة عابرة للقارات تسيطر على 40 % من الاقتصاد العالمي ) التي تتحكم بمصير العالم الآن ، هي التي تتحمل كامل المسؤولية عن مصائر الجنس البشري على كوكبنا ، وذلك عبر سياسات وممارسات الحكومات والإدارات المتواطئة معها والعميلة لها .

وليس بخاف على أحد ، أن الأنشطة الاحتكارية المتعددة الوجوه والآليات والأهداف الدموية الجشعة ، هي التي أفضت إلى أن يكون الإنفاق العسكري الدولي على حساب الإنسانية أمناً وغذاء وصحة وتعليماً وسكناً وعملا ، حتى وصل في عام 2007 إلى ( 1200 ) مليار دولار ، لتستخدم في ارتكاب جرائم الحرب والمجازر المتعددة الأشكال لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية ، وأفضت إلى هدر قيم غذائية بمئات المليارات للمحافظة على معدلات الأسعار الاحتكارية ، كما أفضت ايضاً إلى رفع سعر برميل البترول أربعة أضعاف عما كان عليه قبل الحرب على العراق عام 2003 ووصل إلى 135 دولار ، وهو المنتج بتكلفة بخسة . إذ أن كافة البترول ، على سبيل المثال ، في المملكة السعودية ( 1,5 ) دولار وفي ليبيا ( 3 ) دولارات وفي المكسيك ( 13 ) دولاراً وفي العراق أقل من ( 1 ) دولار . في وقت يموت فيه ( 900 ) إنسان كل نصف ساعة من الجوع . و( 300 ) مليون طفل ينامون كل ليلة دون طعام . وهناك الآن أكثر من مليار إنسان مهددون بالانقراض جوعاً في القارات الفقيرة .

وتجاه هذا الافتراس الاحتكاري المتوحش لمصائر وحياة مئات الملايين بل والمليار من البشر ( في فردوس العولمة الرأ سمالية ) ، ماذا تفعل ميزانية ( الفاو ) التابعة للأمم المتحدة لإنقاذ الجياع في العالم ، وهي لاتتجاوز ما تنفقه قبضة من البلدان " المتقدمة " لمدة أ سبوع على إطعام الكلاب والقطط المنزلية ؟ . وماذا تفعل العشرون مليار دولار التي يطالب بها السيد ( كي مون ) مؤتمر روما لمكافحة الجوع في البلدان التي تحتاج للإنقاذ الغذائي الفوري وجلب الربيع لتصحر الجوع الزاحف ؟ .

على أن الأكثر فظاعة في تأثيره المتوحش على المجتمع البشري ، هو مايقوم به مجمع صناعة الأسلحة ، الذي يلعب دور القاطرة والدرع الحامي المسلح لأنشطة الاحتكارات الإمبريالية الأخرى . فهو من أجل تصريف منتجاته التدميرية ، يمارس - كما يحدث في الشرق الأوسط - أحط أ شكال التآمر والتحريض لإشعال الحروب الأهلية والدولية الثنائية والإقليمية . وتقوم فروعاً تابعة له بفبركة الأكاذيب السياسية والإعلامية ، لإثارة النعرات القومية والطائفية والحساسيات الموروثة ، لتوتير الأجواء ودفعها نحو الحرب ، ويلعب دوراً تكاملياً فاعلاً مع الاحتكارات الأخرى لتأمين المصالح المشتركة ، إن داخلياً على مستوى المركز المالك لقرارات اقتصاد الاحتكار والحرب ، أو على مستوى الأطراف ، التي تعتبر ثرواتها وقيمها الجيو سياسية مواضيع وأهداف ومسارح عمليات لحروبه المصطنعة . بدلالة أن إجمالي مبيعات مئة شركة منتجة للأسلحة عام 2007 ما يفوق ( 300 ) مليار دولار . ومن بين هذه الشركات ( 40 ) شركة تعمل في الولايات المتحدة الأمريكية وتستحوذ على 63 % من المبلغ الاجمالي المذكور .. مثال .. إن إنتاج طائرة ف 22 المقاتلة يساوي ( 120 - 130 ) مليون دولار .

ومن خلال الدور القذر الذي يمارسه مجمع صناعة الأسلحة ، تفتح وتعبد الطرق أمام احتكارات أخرى لجني أرباح أ سطورية تبلغ آلاف المليارات من الدولارات ، على حساب ملايين الضحايا ، التي تتساقط في مجازر الحروب والمجاعات والأمراض المعدية والتلوث البيئي الأكثر بشاعة وإذلالاً .

وفي هذه الملحمة المريعة ، التي تتداخل فيها مفاعيل الحروب والنهب القرصني لثروات الشعوب وتقرير مصير فقراء العالم بالموت جوعاً ، تلعب الأنظمة المحلية في الأطراف ، سيما الأكثر تخلفاً وا ستبداداً دوراً تابعاً وسخاً في الاستجابة لمتطلبات الاحتكارات الدولية . فهي أي الأنظمة ، لاتكتفي بضرب وسحق القوى السياسية المعارضة لها وحسب ، وإنما تحجم ، أو تهمل ببلادة غبية ، عن إقامة بنية اقتصادية تنموية تلبي الحدود الدنيا من احتياجات شعوبها ، وفي مقدمها احتياجاتها المعيشية ، تتداخل أيضاً مهام التحرر من الهيمنة الاستعمارية العسكرية والاقتصادية والسياسية ومهام التحرر من الاستبداد والتخلف ، وتستدعي قوى سياسية نضالية من طراز جديد .. قوى تحمل رؤى علمية تستوعب الواقع الإنساني المزري وآفاقه ، محلياً وإقليمياً ودولياً . وتحمل البرنامج العلمي لتغييره ، وتفتح آفاقاً لحياة إنسانية خالية من كل أ شكال الهيمنة الاستعمارية .. من مآسيها ورذائلها وأزماتها ، وبناء مجتمعات متحررة ديمقراطية عادلة .. تعيش بسلام وإخاء وتكامل حضاري إنساني .

وعليه ، فإن مؤتمر روما ، كسابقيه من المؤتمرات التي عقدت تحت قيادة حكومات الاحتكارات الإمبريالية ، لن يجلب الربيع لتصحر الغذاء العالمي ولتصحر العدالة الإنسانية ، الناتجين عن هيمنة الاحتكارات الإمبريالية عامة والغذائية خاصة ، القائمة على أ سوأ أ شكال الاستغلال للشعوب لتحقيق أعلى معدلات الربح .. ولن يتحقق قلب معادلة سوء توزيع الدخل والغذاء من قبل حكومات هي آليات جسدت وتجسد هذه المعادلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار