الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكوام عظم في الأرض.. واِثْري* في السماء

محمد بوزكَو

2008 / 6 / 13
حقوق الانسان


في الأسابيع الماضية استطاع اثري الريف الطلوع في السماء مشعلا بريقا فريدا.. وقد بين أن الريف يزخر بطاقات متجددة كانت خامدة أو أًريد لها أن تخمد.. لكن بمجرد الانتهاء من بناء المركب الرياضي تم بناء فريق شرس بدا وكأنه خرج من صلب الاسمنت المسلح الذي استعمله السيد العزوزي في "اِبيلان" الملعب..
اثري الريف طلع إلى القسم الأول لكرة السلة، وزوق السماء بضياء باهر...
وقبل أيام من ذلك طلعت نجوما أخرى خارقة صمت الكذب.. رفات نجوم قتلهم رصاص عهد الرصاص.. وبدل أن يطلعوا في السماء طلعوا من غياهب أرض اغتصبوها حفرا بالجارفات وخنقوها بوضع أبناء لها في رحمها وهم جثة هامدة.. شباب كان يحمل قلم الرصاص متوجها لداره فإذا بالرصاص يحمله عنوة إلى الدار الأخرى..
طفل لم يكن له من متعة سوى أن يلعب "بولار" فاسترخصوا عليه ذلك وسرقوا منه طفولته دون أن يتمكنوا من حرمانه من أدوات لعبه التي اصطحبها معه في جيبه.. عله يجد مكانا آخر للعب..
شاب بدل أن يقبل على الحياة قلبوه في الحياة.. غرسوه في الأرض كما تغرس البطاطس وفي جيبه بطاقة تعريفه الوطنية.. تمسك بتعريفه وبوطنيته كبطاقة شرف... لكن الرصاص حوله إلى نكرة لا وطن له غير تراب القشلة البارد ولا بطاقة لديه سوى الفراغ.. فلم يكن إلا دودا وكومة عظم...
شباب ورجال أكلهم ترابهم.. جثث تحولت إلى أسمدة لإنعاش النبات.. عظام قاومت سلطة الزمن بعد أن قهرتها سلطة البشر.. فاسطع يا "اثري" في السماء وأرسل أشعة الحقيقة على هذا الريف..
كان ذات خميس أسود.. كنت "زوفريا" على صغر سني.. أكتري بيتا مع أبناء قريتي الصغيرة قرب "بوبلاو".. كنا نحط كالطائرات كل صباح في ثانوية المطار.. لنحصل المعرفة.. إلا ذلك الصباح عوض التحصيل المعرفي حصلنا أمام جحافل من مختلف القوات العسكرية بعضنا تمكن من الانفلات والبقاء في دار الفناء وبعض منا فنا عمره وانتقل إلى دار البقاء.. وأصبح تحصيل حاصل..
أبي أراد أن يتفقدني.. شدَ الكار وهوَد من قريتنا إلى المدينة.. وبعد أن سلم لي بعض النقود انصرف مطمئنا على كوني لازلت حيا بعد أن نصحني بأن أعمل عقلي... أعرف أن لدي عقل.. لكن لا أعرف كيف علي أن اعملُه.. هكذا قلت في قرار نفسي وودعت والدي الذي بدا لي أن لا عقل له، هو الذي أتى في يوم الرصاص لزيارتي..
قصة ذلك اليوم ستظل موشومة.. عساكر يخيطون الشوارع.. سيارات إسعاف تخترق الصمت.. وجوه صفراء تعكس لون الشمس.. وريحة الموت تنبعث من الأزقة ممزوجة بلون الرصاص..
الآن طلعت ريحة أخرى، ريحة أكوام عظم دفنت خلسة.. بعد أن أزهقوا روحها خلسة.. أكوام عظم كانت قبل ذاك الخميس إخوة لنا.. أبناء لنا.. أحفادا لنا..أصدقاء لنا.. فإذا بهم ذاكرة لنا..
أكوام عظم قاموا كي يقاوموا النسيان.. قاموا ليصيحوا.. القتل لا يَقتُل.. والموت لا يعني الفناء.. كما أن الحياة لا تعني دائما العيش..
كرة السلة دخلت سلة الذكريات.. ورفات أدخلوها سلة المهملات..
شباب انتصر بالريف للرياضة.. ورصاص في الريف اختصر الحياة..
زغرودة لسلة الآن.. كانت يوما للموت زغرودة..
صاحت "باثري" حناجر .. ورصاص أسكت حناجر..
12 يناير عيدنا.. وبعد أسبوع صار عزاؤنا..
قبلنا بعيدك يا يناير.. وما قبلنا بغير الحياة في يناير..
فلا من قُتل يُنسينا في الحياة.. ولا الحياة تُنسينا في من قُتل..
ويبقى السؤال..
كيف نصَيِر الموت حياة..؟
أو..
كيف نواجه النسيان..؟
كي لا ننسى.. علينا أن نتذكر الطريق الذي قطعناه..
كي لا ننسى علينا أن ننام قيللا..
كي لا ننسى.. علينا أن ننسى النسيان..
كي لا ننسى..
سطع "اثري" في سمائنا ليرسل نورا فاضحا.. كاشفا حقيقة الكذب...
كي لا ننسى.. علينا أن ننبش قبورنا...
..وأن نعطي الكلمة لجثثنا...

* النجم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا


.. حملة اعتقالات إسرائيلية خلال اقتحام بلدة برقة شمال غربي نابل




.. بريطانيا.. تفاصيل خطة حكومة سوناك للتخلص من أزمة المهاجرين