الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياحة

عدنان الدراجي

2008 / 6 / 7
الادب والفن



أمسكت عصا غربتي ورافقت وحدتي مهجرا إلى ذاتي, لا ادري ما الذي جعلني اعقد العزم على خوض هذه المشقة إلا ان إملاقي هون علي الأمر فلا املك ما اخسره.
انحدرت سالكا أبين السبل مخترقا وجيب فؤادي بتمهل وحذر فرضته وعورة الطريق وتعرجاته المفاجئة, وخوفا من النكوص شحذت عزيمتي الصدئة باستذكار ما قيل وكتب عن هذه السياحة المرهقة.
بعد جهد طويت منعطف لزج قادني إلى مسلك نيسمي يتوسط المسافة بين مستنقع كدر آسن وسور عظيم أصم شاهق وهنا اتجهت بكلي إلى السور ملتمسا مدخلا يعصمني من روائح المستنقع القذر لكني لم أجد غير كوة ضيقة كأنها عين صقر.
كان السور شاهقا يداعب الغمام وصلدا أصما يتعذر ارتقاءه، وحيث لا سبيل إلى الخلاص إلا بتجاوزه فكان لابد لي من الانسياب خلال الكوة، دفعت بجسدي قدر ما أمكنني فيها فحشرت في مدخلها كسدادة قنينة إذ أبت ان تتسع لغير راسي.
استسلمت قانعا بخلاص راسي من قهر المستنقع الآسن, تذوقت النسيم العذب بتلذذ شره ثم عببته عبا فارتوت منه رئتي حتى إذا بلغت ذرة النشوة أغمضت عيوني لبرهة وحين فتحتها كان الزمن قد ذوى في تدرجات الأزرق النبيل.
وبعد قدر ما من الزمن المفقود انزلقت حزمة ضوء طافية اكتسحت المكان وسلبت ألوان الأرض والعشب والأزهار وتلألأ كل شيء بنبضات ضوئية شفافة رائعة.
كان تدرج الصفاء يضفي ألوانا نقية رقراقة خيل لي أنها تهزا من ألوان الدنيا جميعا, تجاهلت أنين جسدي المرهق وتشبثت بموقعي التهم الصور الضوئية الخلابة إذ كنت حريصا على نحتها في ثآليل ذاكرتي.
تحرر المشهد ببطء لذيذ عن لحظة ولادته الأولى حتى بدت الأشياء تذوب ببعضها لترسم لوحة ضوئية سرمدية تنبض بالحياة.
لم يداخلني البتة أي شك فيما يحدث أمامي فحواسي نشطة في عنفوانها ولا يعقل أن المنظر قد أسكرها كما أسكرني فهاهي مشدودة إلى مواضعها في راسي رغم اكتسابها قدرة العوم.
وللمرة الأولى منذ علمت أنني أنا أبصرت نفسي بعيوني متحررا من وساطة المرآة إذ رمقتني عيوني حين توسلت إليها لتعود إلى محاجرها فانبهرت لما شاهدت من انعكاس الضوء المتلألأ على صفحة وجهي.
لم أجد غيري خلال رحلتي حتى بلغت السور وحين دسست رأسي المتلصص في الكوة وتحررت من ظلمة المستنقع وروائحه تملكتني رغبة التحدث إلى احدهم, أطلقت عيوني تجوس المكان لكنها لم تبصر إلا ظلالي الضوئية فتأوهت متحسرا لوحدتي لكن سرعان ما أسرني صوت صاف كنبضة ضوء.
قال مالك تتأوه؟
قلت ألا ترى شقائي!!
قال أتندب حظك وبيدك أن تتحرر من قيودك.
قلت أين قيودي؟ لا أراها.
قال حين تراها ستتحرر ويفتح لك باب السور على مصراعيه.
قلت كيف أجد قيودي؟ قال هذا شأنك.


د.عدنان الدراجي
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري