الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى النكبة، هل من نكبة جديدة؟ دعوة لإستراتيجية فلسطينية جديدة -2-

سلامة كيلة

2008 / 6 / 9
القضية الفلسطينية


إذا كانت الإستراتيجية الفلسطينية التي أخذت تتبلور منذ سنة 1974 تنطلق من العجز عن مواجهة المشروع الصهيوني والدولة الصهيونية، الأمر الذي فرض الانطلاق من "الشرعية الدولية" كما جاءت في القرار ،242 بعد أن فرض النضال الفلسطيني بعد انطلاق المقاومة تحوّل منظمة التحرير الفلسطينية إلى ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، حيث أصبح الهدف هو الإفادة من "الضغط الدولي" من أجل انسحاب الدولة الصهيونية من الضفة الغربية وقطاع غزة، من أجل إقامة "الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس". فقد تبيّن أن "الضغط الدولي"، حتى حينما كان الاتحاد السوفييتي قوة مهمة، يتوقف حينما تصل الأمور إلى الدولة الصهيونية. وبالتالي كانت السنوات منذئذ هي سنوات التنازلات المتتالية والتراجع العسكري والسياسي، وانهيار البنى المشكلة للمقاومة. ولأن نصل إلى حافة الهاوية التي نحن أمامها.
وإذا كان يصعب الفصل بين الدولة الصهيونية والإمبريالية (والأميركية الآن)، وبالتالي فإن كل الميل لتأسيس إستراتيجية خارج ذلك لن يؤسس إلا لأوهام، ويقوم إلى انهيارات وصدمات. فإنه يصعب كذلك الفصل بين دور الدولة الصهيونية والتصور الإمبريالي للسيطرة على الوطن العربي، وبالتالي فالدولة الصهيونية ليست حلاً للمسألة اليهودية بل هي مركز تجميعهم لتحويلهم إلى جيش في خدمة الإمبريالية.
وانطلاقاً من ذلك سوف نلمس أساس خطل الإستراتيجية التي قامت عليها المقاومة الفلسطينية منذ نشوء حركة فتح سنة 1959. حيث قررت فلسطنة الصراع، أي نقله من كونه صراع عربي ضد الإمبريالية والصهيونية إلى صراع بين الفلسطينيين والدولة الصهيونية. وربما من حق أي شعب أن يؤسس حركة تحرره، لكن مشكلة الفلسطينيين أن حركة تحررهم لم تنطلق من فلسطين، بل انطلقت من خارجها، أي من الأرض التي تحكمها دول عربية جرى الافتراض مسبقاً أن ليس لهم دور في النضال من أجل فلسطين، أو على الأقل لهم دور الداعم. فكيف يمكن أن تبنى مقاومة من أرض تحكمها نظم باتت ليست هي التي تواجه الدولة الصهيونية، رغم أن ردود الفعل الصهيونية سوف تطالها؟
ورغم انسياق مجمل منظمات المقاومة وراء هذه الإستراتيجية، حتى من كان منها قومياً، فقد بدا أن الهدف المركزي من تشكيل المقاومة هو تكتيل الشعب الفلسطيني خلف القوة المبادرة (أي حركة فتح) من أجل الضغط لكي تصبح هي الممثل الشرعي والوحيد، كما جرى سنة 1974. وبالتالي للضغط على النظم العربي وبها، وعلى المجتمع الدولي من أجل الحصول على دولة في حدود سنة 1967 فقط. فهذا أقصى ما جرى التفكير فيه، رغم كل الشعارات التي رفعت، والتطرف اللفظي الذي لف التجربة.
حيث أن تلك الإستراتيجية لا تؤسس لتحرير فلسطين لأنها تحصر النضال في الإطار الفلسطيني أولاً، وتؤسس على مراهنات خارجية، لها علاقة الوضع الدولي، وبضغوط النظم العربية.
وما من شك في أن الإستراتيجية الفلسطينية لازالت تدور في هذا الإطار. حيث يجري التمسك بـ "هدف" بان عن أنه وهمي ومستحيل (رغم أنه جزئي). وبدت قوى المنظمات الفلسطينية هشة وفاقدة الهدف ومرهقة. وتحول جزء كبير من كادرها إلى بيروقراط يعتاش على رواتب المانحين. ويخضع لسلطة فئة كومبرادورية لا ترى مصيراً سوى استمرار العلاقة مع الدولة الصهيونية. وجرى تجاهل اللاجئين، وفلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948، والبطش وممارسة كل أنواع النهب والفساد مع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة. وبالتالي باتت الإستراتيجية الفلسطينية معلقة بإرادة المفاوض الصهيوني والداعم الأميركي.
ولقد سيطرت حركة حماس في الانتخابات الأخيرة لأنها بدت كقوة مقاومة من أجل كل فلسطين، لكنها أصبحت قوة سلطوية بلا منازع، وباتت تخضع المقاومة لأغراضها السلطوية. وتقبل ما كانت ترفضه لدى حركة فتح، أي دولة في حدود سنة 1967. الأمر الذي كرس انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية بما يخدم الرؤية الصهيونية التي كانت تعمل على التخلص من القطاع وقضم الضفة الغربية. وبدا أنها أيديولوجيتها الأصولية هي الحاكم وليس أيّ من النوازع الوطنية. ولم يعد هناك خيار للمقاومة سوى إطلاق صواريخ، لا تفيد سوى في الضغط الذي لا معنى له، أو كـ "فشة خلق". وبالتالي دون إستراتيجية عسكرية بعد فقدان الإستراتيجية السياسية.
وضاع اليسار، حيث فقد طابعه الفكري، وتماهى هدفه مع هدف السلطة، وكذلك تقاربت سياساته. كما ضاع في اليومي، وفي التفاصيل الهامشية. لقد قلّد حركة فتح إلى أن بات ممزقاً، وأفضى فقدانه الهوية الفكرية إلى تسرّب كادره إلى السلطة أو إلى حماس. وبالتالي بات هامشاً ليس أكثر.
إستراتيجية جديدة:
هذا الوضع يفرض صياغة رؤية جديدة تنطلق من الواقع والوقائع. فلقد أثبتت سياسة سادت فشلها، وأفضت إلى نتائج مدمرة. رغم كل البطولات والتضحيات والنضال العنيد. وإذا كان الشعب الفلسطيني قد أسمع العالم صوته، فقد بدا مبحوحاً ومضطرباً. لكنه في كل الأحوال فرض القضية الفلسطينية على شعوب العالم.
ماذا يفيد ذلك إذا كانت قوى المقاومة قد انهارت؟ وإذا كانت السلطة الفلسطينية قد قدمت التنازلات باسم هذا الشعب؟ وإذا كانت لازالت تفاوض على أوهام؟
لقد أصبحت هناك قضية، لكن لم تجد من يتابع لتحقيقها. لهذا بات من الضروري بناء إستراتيجية جديدة، على الأقل على ضوء التجربة الطويلة الماضية، وانطلاقاً من وعي حقيقي بالواقع والوقائع. وإذا كانت بنى وممارسات وسياسات قوى المقاومة بدت هشة وتعاني من مشكلات عميقة، فإن أساس الرؤية كان خاطئاً، وربما أسهم ذلك في كل المشكلات الأخرى (مثلاً طبيعة العمل العسكري، والطابع البيروقراطي التي صيغت فيه كل التنظيمات، والشكلية وتخلف الوعي).
فالصراع هو صراع عربي ضد مشروع إمبريالي الدولة الصهيونية هي أداة فيه. وبالتالي يجب أن يتحدد دور الفلسطينيين ضمن هذا الإطار وليس في استقلال عنه. وهو ما يستدعي الفعل في الواقع العربي من أجل انتصار قوى مقاومة، حيث لن يثمر صراع دون القوى العربية والأرض العربية.
ويجب أن يكون واضحاً بأن هذا الصراع لا يحتمل الحل الوسط، ولا يحمل هذه الإمكانية بالأساس. فإما أن ينتصر المشروع الإمبريالي، وينهب المنطقة، ويصيغها وفق مصالحه، ويكرس النظم الملحقة به كنظم رأسمالية تابعة، أو تنتصر الطبقات الشعبية في الوطن العربي. وفي إطار هذا الصراع يمكن إنهاء الدولة الصهيونية، وإيجاد حل ديمقراطي للمسألة اليهودية في فلسطين. وحل كل أعراض القضية الفلسطينية، كقضية اللاجئين والأرض.
وإذا كان ذلك يفترض تغيير الوضع العربي، وهذا ما يحتاج إلى حوار عميق في الإطار العربي، فإن الوضع الفلسطيني يحتاج إلى تغيير كذلك، وهو يفترض إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة تحررية، وكجزء من حركة تحررية عربية، في سياق السعي لتغيير موازين القوى في الصراع ضد المشروع الإمبريالي الصهيوني الكومبرادوري العربي.
هذه الإستراتيجية الجديدة يجب أن تقوم على المبادئ التالية:
1) إن إنهاء الدولة الصهيونية هو عنصر أساسي، بصفتها دولة تمثل المصالح الإمبريالية والرأسمالية العالمية، وكذلك بصفتها كيان استيطاني، ودولة تقوم على أساس الدين، وعنصرية. ويجب أن يكون واضحاً أن أي حل لا ينطلق من هذا الأساس لن يكون ممكناً، وهو وهم لأن هذه الدولة تمثل مجمل المصالح الإمبريالية في المنطقة وليست حلاً لما أسمي بـ "المسألة اليهودية". وما دام التطور والوحدة في الوطن العربي لن يتحققا إلا في إطار هزيمة السيطرة الإمبريالية، يكون ضرورياً أن يُنهى وجود هذه الدولة.
2) إن هذا الحل يتطلب تحديد رؤية واضحة للمسألة اليهودية التي أصبحت مسألة عربية بامتياز. وهو يعني أن الحل يجب أن ينطلق من تأسيس دولة ديمقراطية علمانية، تقبل اليهود كمواطنين، ليس بصفتهم يهوداً بل بصفتهم باتوا يعيشون على هذه الأرض، و لكنه يفرض عليهم النضال من أجل إنهاء هذه الصيغة من الدولة الموصفة أعلاه، أي كونها جزء من المشروع الإمبريالي ودينية وعنصرية، لمصلحة دولة ديمقراطية علمانية.
3) إن إنهاء الدولة الصهيونية ينهي مأساة اللاجئين، الذين يجب أن يعودوا إلى أرضهم ويحصلوا على التعويض عن الضرر الكبير الذي لحق بهم. وأن تحل كل المشكلات المتعلقة بالملكية والسكن الناتجة عن ذلك من خلال مبادئ العدل، وفي إطار لا يفضي إلى نشوء أضرار جديدة. وربما تلعب الدولة الجديدة دور محوري في هذا المجال.
4) النضال يقوم على أسس وطنية طبقية، ويهدف إلى إنهاء الدولة كونها قامت على الاحتلال، وينهي سيطرة الرأسمالية كي ينقطع ارتباطها بالمشروع الإمبريالي، ولكي يكون ممكناً إعادة بناء الاقتصاد بشكل سليم، يستوعب المشكلة التي أوجدها الاستيطان. وهو جزء من النضال القومي الطبقي في الوطن العربي.
5) إن كل ذلك يفترض إعادة الترابط بين أشتات الشعب الفلسطيني، في الشتات وأرض 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة، وأن يسعى لتوسيع الترابط مع كل السكان "اليهود" الذين هم معنيين بالصراع ضد المشروع الإمبريالي الصهيوني. ونخصص هنا العرب الذين يدينون بالديانة اليهودية والذين هم جزء من تاريخ هذه المنطقة، ومن نسيجه الديموغرافي. لكن أيضاً مع الاشكناز المناضلين ضد طبيعة هذه الدولة.
6) وما من شك في أن هذا الميل لتحقيق الترابط يفترض العمل على تصعيد النضال من أجل حل "السلطة الفلسطينية" التي تتكيف مع الرؤية الصهيونية، وتحرر قوات الاحتلال من أعباء كبيرة، كما أنها –في استمرارها في المفاوضات التي هي دون جدوى- تعطي الغطاء الكامل للدولة الصهيونية لكي تستمر في السيطرة على الأرض وتوسيع الاستيطان في ظل "حياد دولي"، وربما دعم دولي كبير.
7) لقد غدت منظمة التحرير الفلسطينية بلا جدوى، وأصبحت غطاءً لسياسات السلطة، خصوصاً بعد "تعديل" برنامجها ليتوافق مع اتفاق أوسلو. وبالتالي غدت تحت سيطرة السلطة ذاتها، لهذا يجب تجاوزها لأنها لم تعد تمثل النضال الفلسطيني.
8) هذه الإستراتيجية الجديدة تستلزم قوى جديدة. وإذا كان من غير المنصف شطب الكل، والمصادرة على الجميع، يمكن التأكيد على أن فعل القوى ودورها مرتبطان بإعادة صياغة رؤاها وبناها بما يتوافق مع هذه الإستراتيجية. ولسوف ينتهي كل من سيبقى متكلساً ومتقوقعاً حول ما هو قائم. وبالتالي لا يجب المصادرة على أحد، لكن يجب التأكيد بأن الاستمرار مرتبط بالتغيير، وبالقدرة على إعادة بناء الذات بالتفاعل مع كل القوى الحية المعنية بذلك.
9) لليسار، وللقوى الماركسية دور مركزي في هذا المجال. وإذا كانت حركة فتح قد هزلت وتحول قادتها وكثير من كادرها إلى سلطة، ولم تثبت حركة حماس أنها البديل الممكن، وأن أوهامها الأيديولوجية هي أهم من المسألة الوطنية، وأنها لا تختلف من حيث المصالح والمآلات عن قيادات حركة فتح (وليس غريباً أن تكون هذه القيادات من أصول اخوانية كما حركة حماس)، فإن المبادرة يجب أن تكون من الماركسيين والقوى الماركسية. لكنها لن تكون جديرة بهذا الاسم إذا لم تنطلق من الواقع والوقائع، وبالتالي أن تؤسس على هذه الإستراتيجية. وأن تكون المبلور لها والفاعل فيها، والمؤسسة لتحالف واسع قادر على تحقيقها، والقادرة أساساً على تصعيد النضال وفق إستراتيجية حقيقية، تلحظ النضال الشعبي والطبقي دون أن تتجاهل الفعل المقاوم. تطور النضال ضد النهب والاستغلال الرأسمالي، كما النضال ضد الكيان الاستيطاني. وضد التمييز الديني والعنصري، كما ضد القتل والتدمير الذين تمارسهما الدولة الصهيونية. وتنطلق من أنها جزء من نضال الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في الوطن العربي.
لم يعد ممكناً الاستمرار في الصيغة الراهنة للمقاومة التي فقدت فاعليتها وبات جزء مهم من كادرها كادراً لسلطة فاسدة وتزين الاحتلال. ولهذا لا بد من إعادة بناء جدية تطال الرؤية والأهداف كما تطال البنى والسياسات. وما من شك في أن الماركسيين هو المعنيون أكثر من غيرهم في هذا الإطار.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه


.. بسبب سقوط شظايا على المبنى.. جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ت




.. وزارة الصحة في غزة: ما تبقى من مستشفيات ومحطات أوكسجين سيتوق


.. مسلمو بريطانيا.. هل يؤثرون على الانتخابات العامة في البلاد؟




.. رئيس وزراء فرنسا: أقصى اليمين على أبواب السلطة ولم يحدث في د