الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبضات على هامش الحصار (3)

سائد السويركي

2008 / 6 / 10
القضية الفلسطينية


نبضات على هامش الحصار (3)
عن الثورة ، وأشياء في غزة تدعى الألم

في ذات العتمة في غزة ، في ذات النظر بلا عينين ولا رؤية ، في ذات المشهد منذ سنين ... ذات المشهد يتكرر ، حين تمر جنازات للشهداء ، تمر سريعا ، يطلق أحد ما ألف رصاصة ... طفل يسأل ؟ لماذا يطلق المسلحون النار في السماء ، امرأة تسأل ... شهر كامل لم يبصر أطفالي ظل جناح دجاجة ، لا يوجد في الثلاجة غير فراغ مسكون بالجوع ، لا يوجد في الثلاجة غير الماء الآسن ، لا يملك أطفال المرأة غير الشرب من الصنبور المالح في غزة .... هذي أشياء لا تصلح للشرب .
في ذلت المشهد ، حين تمر جنازات في غزة ، تجري السيارات بطيئا ، فيما يقف التجار على الأرصفة الفارغة الحمقاء ، هذا التاجر لا يملك إلا الجدران ، انتهز الفرصة كي يخرج للمشهد مذعورا ، هذا ما فعلت إسرائيل في القرن الماضي ، لم تترك غير عصافير ميتة ، لم تترك إلا أشجارا ملقاة في الشارع للنار ... سيكسر أطفال هذي الأشجار ، شيئ في غزة يصلح للتدفئة بهذا الليل البارد .
وتمر جنازات في ذات المشهد في غزة ، أحد التجار يسأل عن معنى الجغرافيا حين تكون بلا معبر ، في غزة فهم الناس بداهة ، أن الناس بلا معبر سيموت كثير منهم ، وسنحسب يوميا عدد القتلى فوق أصابع كسرها التيه وضيق الرؤية ، والألم الفاضح ، والمحتل ... حين يكون الناس بلا معبر ، يتساءل طفل في الغرفة في المستشفى ... هل جاء دوائي عبر المعبر ؟ رد الطفل الآخر فوق سرير أبيض في ذات المستشفى في ذات الغرفة : يا طفلي ... في غزة لا يأتي غير الموت .
في ذات المشهد حين تمر جنازات في غزة ، يقف الناس بسوق الزاوية ، البائع ما نام من الأمس ، كان القصف شديدا ، حتى الأطفال انكمشوا تحت القصف ... لا تقلق يا ولدي سيكف القصف قريبا ... طفل يخشى أن يذهب للحمام وحيدا .... ورضيع يبكي من صوت القصف الغادر ... يتساءل ماذا تعني هذي الأصوات ، لا يعرف أحد أن يقرأ وجه القصف إلا من عدد القتلى حين تسير بعشر جنازات في غزة في ذات المشهد .
هل يكفي الدمع لنصرخ أن الموتى هم نحن الموتى في كل مكان ، هل يكفي القلب ليصرخ ، هذي النار الأزلية فينا ، هل يكفي هذا الجسد المتعب والمحروق ليعلن أن اللحم ينوء بقصف الإخوة ... أيضا قصف الأعداء .
لا يدرك معنى الموت القاسي غير الآباء ، هل يكفي هذا العمر لندرك أن النكبة لا زالت تتجدد في كل شرايين القادة والباعة والتجار الجوالين المهزومين المكسورين ... هل يكفي هذا الرأس ليفهم أن الوطن يضيع الآن بلا معنى ... هل تكفي كل عصافير الدنيا كي تفهم أن الشجرة تصبح وطنا ... من يقتلع الشجرة يقتلع الوطن المصلوب على نار الدبابة في غزة ... هل يكفي كل فراش الأرض ليفهم ... أن العتمة تعني نوم الصياد مفتوح العينين .
هل تكفي غزة كي تفهم أن الأشياء الآن تصير بلا معنى ... الأشياء الآن بغزة تعني أن الجوعى لن تكفيهم كل حجارة هذي الأرض حين تشد على البطن . أحد الجوعى همس بأذن الصمت .." فليضع القائد حصوة لأشد جبال الأرض على بطني ... لكن القائد لا يفعل " .
هل يكفي غزة أن تعلم أن الغضب وإطلاق النار على الغيم لا يعني شيئا .
غزة تصرخ في الصم ... من يهدر عمري باسم الله وباسم الثورة دون حساب للغد .

في غزة أشياء تدعى الألم الآن ... لا زال البسطار يهيمن ... باسم البسطار سنغلق هذا المعبر ، نفتح هذا المعبر ، نغلق نفتح لا فرق .
باسم البسطار تعود الخوذة والدبابة للمشهد ، ما عادت غزة تملك أكياسا سوداء ، ما عادت غزة تملك وعي الحكماء المذعورين من الغد ...
في غزة أشياء تتحرك تدعى الناس ... أحدا ما قابلت اليوم ... جاء من المعبر كي يلقي نظرة فوق الشاهد للقبر ... جئت لأقرا بعض القرآن على قبر أمي ... وحين أعيد البسطار إلى المعبر صار الرجل سجينا في شيئ يدعى غزة .
في المشهد أيضا بضع نساء من روسيا ... جئن إلى المعبر .. ليرين الحاجز والدبابة والجندي .. وبضع بساطير للجند الواقف فوق القلب بغزة .. قالت إحداهن : منذ سنين لم أبصر بنت .. متزوجة في غزة ... وحين انفض المولد والسامر علقت روسيا في المعبر ... لم يسمح هذا الجندي لهن .. بالعودة .
في المشهد أيضا سيارات تحمل ميكروفونات تطلق أصواتا قد بحت .. تعلن أن الميت حين يموت فهذا يعني النصر ... لم أفهم كيف نفسر هذي الطبخة عبر أثير السيارات .. صاحت إحدى السيارات .. القائد البطل .. صحت كيف يكون المظلومون أبطالا في هذا العصر ... كيف تكون الأم المكلومة في غزة .. أم فقدت خمسة أطفال .. بطلة ؟!
كيف يكون الأطفال الجوعى أبطالا .. أشباح تلحق كسرة خبز يتلوون الآن من الجوع الفاجر والكافر ليسوا أبطالا ... بل مظلومون .

في غزة ألم يتحرك في كل مكان .. فيما السيارات الناعقة توزع كل نياشين الأبطال على الفقراء القتلى ... أرصفة تتبقى للجوع ... وبيوت لا تدري ماذا تطبخ للغد .
يكوينا هذا الوعي .. هذا المنطق في هذي الجغارافية المدعوة غزة .. نرش الموت على السكر .. ونرش السكر فوق الموت .. كي نؤمن أن الموت يجيئ بأجمل معنى .
في ذات العتمة حين تمر جنازات للشهداء .. تمر سريعا .. لا يسأل أحدا أحدا كيف نوظف هذا الموت لنحيا ... بالبسطار يعيش الناس بغزة ... بالدبابة يمضي الناس إلى الموت سعيدين قليلا .. بالزنانة يفقد عشر شباب أرجلهم .. أحد ما لا يسأل نفسه .. لماذا نستنزف هذي الأرض بهذا الشكل القاسي ... أحد ما لا يسأل ... إن كان القاتل في الجهة الأخرى يدرك ماذا يعني القتل .. فلماذا لا نسأل أنفسنا .. هل أدركنا يوما قيمة الحياة ؟ .

تفاصيل عن ثورة تحلم بالنصر

تفاصيل مدوية تنمو الآن بغزة .. بالأمس جاء الثوار إلى الحارة ... كانت زنانة خلف الغيم تصور أحلام الناس ... وتعد الأطفال الجوعى .. وتصور حتى شكل مذيع النشرة في الأخبار .
جاء الثوار ... في غزة ثوار لا تؤمن إلا بالطخ الجامد .. حتى بالفرد الصدئ يطخون على الزنانة ... أحد ما لا يجرؤ أن يصرخ ... يكفي ، أحد ما لا يجرؤ أن يسأل .. كيف سيسقط فرد صدئ هذي الزنانة من وسط بيوت الناس ... أحد ما لا يعرف طعم النوم وهو يعد كوابيس الأولاد من الطخ الجامد .
سارة ذات العامين .. صحت الليلة من رائحة البارود الجامد في الغرفة بعد الطخ الجامد عالزنانة فوق الغيم .. سألت .. هل يوجد في الحارة جند توراتيون .. لم أعرف كيف سأخبرها أن الناس يطخون على الغيم فحسب ... سألت سارة .. هل هذي الثورة يا أبتي .. قلت لها لا أدري .. أربكت الحالة ذهني .. أو خفت قليلا من أحد سيقول .. هذا ضد الثورة .
هل هذي الثورة يا أبتي ألا يعتذر الثائر عن قتل ثلاثة أطفال خطأ في بيت حانون .. هل هذي الثورة ألا تعرف من أين يجيئ القاتل .. كيف يجيئ القاتل .. ماذا أكل القاتل .. ماذا كتب القاتل .. ماذا يعني القتل وكيف ينام القاتل بعد القتل ..
سارة تسأل أيضا ... هل هذي الثورة تخشى الأسئلة السهلة والصعبة .. ، ماذا يعني إطلاق الصاروخ من خلف المدرسة على اسديروت ... بضعة كيلومترات تفصلنا عنهم يا أبتي ... إلى أين سيصل الصاروخ برأيك ...سيصل إلى بيتي يا بنتي ,هل ستعتذر الثورة إن متنا يا أبتي منها ... لا أعتقد ... لن يعتذروا أبدا يا بنتي ... قالت سارة ذات العامين في ذات المشهد ... فيما رائحة البارود تصيب الجيران بحالة إغماء ... ولماذا ترك الثوار السيارة جنب بيوت الجيران .. قلت ...خافوا من نيران القصف يا بنتي ...ترك الثوار الجيبات ... تركوا أسئلة أخرى في وعي البنت ذات العامين ... ومضوا مع عشر جنازات في غزة نحو المقبرة الشرقية ...ألف رصاصة صارت في الجو الآن .. فيما الفقراء يعدون فراغ الثلاجات .. ما عادت قصة عمر بن الخطاب تدرس .. كيف يمر الحاكم في الليل يتفقد جوع الناس .. ويحمل كيس طحين بيديه إلى المرأة حتى يعفي الأطفال من الأحلام بقدر لا يغلي فيه .. غير حجارة هذا العصر المفزع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد