الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليت لنا نبل البهائم

محمد جمول

2008 / 6 / 11
كتابات ساخرة


في ما يسمى لغة الجسد عند الحيوانات، هناك حدود يلتزم بها الحيوان ويعبر عنها جسديا. وهي ما يفترض أنها معادلة لما يسمى "الأخلاق" عند الإنسان. فمثلا حين يتعارك كلبان عراكا جسديا" حتى الموت" كما في لغة الإنسان، تنتهي المعركة حالما يستقر الكلب المنتصر على جسد الكلب المهزوم بعد أن يطرحه أرضا. فحين يهدأ المغلوب تحت جسد المنتصر، ينهض الكلب المنتصر ويترك المهزوم مبتعدا عنه، وكأنه يريد أن يقول له " لا أريد أن أهين "حيوانيتك" أو " كلبيتك" أكثر من ذلك.
ومن يعملون في ترويض الحيوانات المفترسة، يعرفون الحيز المكاني الذي يجب عدم تجاوز حدوده كي لا يعتدي عليه هذا الحيوان. فما دمت تحترم حدوده لن يؤذيك. ولكن حين تتجاوز الحد المسموح به فقد تصبح ضحية الخطأ الذي ارتكبته. وبراعة مروض الحيوانات المفترسة تكمن في معرفة هذه الحدود بدقة وعدم تجاوزها.
مشهدان رأيتهما كانا كفيلين بزعزعة كثير من المسلمات الأخلاقية الإنسانية التي نعرفها وبإعلاء شأن بهيمية الحيوان وغريزته النبيلة. كان المشهد الأول منذ أكثر من سنة، وموضوعه فتاة متهمة بالزنا في كردستان العراق. المشهد تناقلته أجهزة الهواتف المحمولة وفيه ينهال الحضور على جثة الفتاة الهامدة، التي بدا أنها فارقت الحياة قبل ساعات، رجماَ بكل ما وجدوه حولهم من حجارة وعصي وقطع مخلفات البناء.
والمشهد الثاني كان ما عرض من مشاهد عما جرى في مدينة حلبا اللبنانية خلال أحداث الأسبوع الثاني من شهر أيار/ حزيران الماضي ( وما أقوله هنا مجرد عن أي موقف سياسي تجاه أي من الطرفين. فما قدمته الصورة يتجاوز السياسة وخلافاتها ليشير إلى خلل كبير في الإنسان حين يتخلى عن غريزته الفطرية ولا يرتقي إلى المستوى الأخلاقي المطلوب).
ما قدمته الصورة كان عددا من جثث لشباب يغطي الدم أجسادهم، بعضهم يبدو فيه بقية حياة وبعضهم فارقها. وحول هذه الجثث عدد من الشباب والرجال الذين ينهالون عليهم ضربا بالعصي والحجارة وكل ما تيسر. إنه أمر يكشف كم يستطيع الإنسان أن يكون حاقدا وأداة قتل عمياء ودون الحيوانات بكثير وأقل نبلا منها إن لم يكن خاليا من أي نبل.
ومن المؤكد أن ما هو أسوأ من ذلك بكثير أن لا يجد الإنسان صعوبة من الناحية الأخلاقية في أن يضع سيارة ملغومة في شارع معين أو سوق تجاري ويختار لانفجارها التوقيت الذي يمكن أن تحصد فيه أكبر قدر من الأرواح التي لم تكن تعرف قبلها بقليل أنها على بعد خطوات من الموت. بالمقابل حين يمر نمر مفترس بقطيع من الحيوانات يكتفي بقتل واحد منها وتناول وجبته والمضي من دون التعرض لما يزيد عن حاجته. بالتأكيد لن يعبث أو يمثل بما يبقى من الجثة.
هذا كله يغري المرء بالقول لو تطورت الغرائز الحيوانية بشكلها الطبيعي عند الإنسان لكان أفضل وأجمل بكثير من هذه الحالة التي عملت فيها الغرائز الطائفية والمذهبية والسياسية على تشويه غريزته الحيوانية الفطرية. ولو اكتفى بتطور غريزته الحيوانية النبيلة لما رضي الجلاد أن يمارس ما يمارسه من تعذيب للسجناء وامتهان آدميتهم بالشكل الذي يريده سيده الذي حظي بولائه. ولما كان استسهل، بهذه البساطة، قتل المختلف عنه طائفيا أو مذهبيا. ولما كان صدق ما وُعد به من أجر وثواب زائفين، لقاء ما يقوم به من قتل وفتك، يجعلانه يعتقد أن غابة العصر الحديث لم تعد تتسع إلا له ولقطيعه الذي مُنح حق محاسبة الناس على الأرض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي


.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-




.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر


.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب




.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند