الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو أنته حميد؟

سعدون محسن ضمد

2008 / 6 / 12
كتابات ساخرة


لا أعرف إن كان سيتزوج حميد اليوم. فالساعة تقترب من الواحدة ظهرا، وبقي على موعد زفافه ساعات طويلة قد يحدث خلالها أي شيئ. حتى أنني وطنت نفسي على فكرة أن يتم اجتياح العراق من قبل سكان كوكب آخر. أنا لا أمزح لكن الأمر مع حميد مختلف دائماً. فقط لأنه شاب عراقي تعاكسه ظروف هذا البلد (الجحيم) دائماً ودائما تحول بينه وبين تحقيق أبسط أحلامه كلفة.
تحول الموضوع لنكته بين مجموعة الأصدقاء بعد أن قرر حميد أن يتزوج. فقد تمثلت المشكلة الأولى باعتراض الأصدقاء على هذا الزواج، لأسباب اقتصادية طبعاً، ذلك أن حميد (المعلم في إحدى مدارس بغداد) لم يحدث وأن كان على وفاق مع ميزان مدفوعاته. وما أن احتجَّ حميد بمشروعه الاقتصادي الذي سيعدل أحواله، حتى انهار هذا المشروع. حميد الذي تعود على سوء الحظ لم يرضخ بسهولة. أقصد أنه اقترض مبلغاً جيدا من المال من أجل الزواج.
اقترب موعد الزفاف وتقرر أن يكون يوم الجمعة، جمعة ما، كباقي الجمع الكثيرة. لكن ما أن تحدد الموعد حتى اختلفت هذه الجمعة. وتصاعد العنف في مدينة الصدر حيث يسكن حميد وخطيبته. حميد طبعاً لم يقتنع بتأجيل الزواج إلى أن أعلن حضر التجوال. عند ذاك أسقط بيده وأجَّل حفلته إلى الجمعة التالية، التي وما أن أحيل الموضوع لعهدتها حتى تلبدت بالمشاكل والقذائف والعبوات. وهكذا استمر العنف بوتيرة مذابح متصاعدة، والتأجيل بوتيرة معنويات (متهابطة).
الأحداث وهي تعاكس حميد لم تتوقف عند منع زواجه، بل اصرت على أن تحجز بينه وبين خطيبته بأسوار الكونكريت، والعبوات الناسفة، وحفلات القنص العشوائي التي يقال بأنها لم تكن تفرق بين المقاتل والعريس. هكذا أصبح صاحبي موشكاً على الجنون وهو حبيس بيته الذي كانت العواصف الترابية تجعله أشبه بالمقبرة. وبعد أكثر من شهر قرر صديقي أن يسرج ظهر سيارته المتهالكة ويهجم بها اتجاه بيت العروس، وسط ميدان مخيف من القنص والقذائف والعبوات.
كانت فكرة الزيارة جنونية. فبحسب رواية البطل، يبدوا أنه اضطر لترك سيارته بمنتصف الطريق، متحولاً إلى خيار المشي، الذي سرعان ما بدا عليه بأنه الآخر خيار مميت، ما دفع بصاحبنا للمناوبة بين الركض والاختباء والانبطاح. بل وحتى تسلق بعض الكتل الكونكريتية أو القفز على الأسلاك الشائكة. هكذا كانت الرحلة مميتة إلى أن وصل حميد لغايته، ووقف بين يدي حبيبته، لكنه وقف شارد الذهن مشغول القلب والقالب، فرحلة العودة تحولت لكابوس بالنسبة له ما شغله عن التباحث بأمور الزواج مع عروسه.
المهم في كل هذا السرد هو الوصول لعقدة الأزمة. والتي تمثلت بحفلة الرجوع للبيت. فحميد يقول بأن جيبه كان خاليا إلا من الأتربة، وسماء بغداد كانت مغبرة بشكل لا يطاق، والموت يحتفل بجثث ضحاياه بشكل عشوائي، ووسط هذه المعضلة وجد نفسه مرددا بين إنقاذ سيارته أو تركها والعودة إلى بيته ركضا واختبائا، وهو لم يحسم بعد خيارات زواجه مع عروسه. تجارب الموت والحياة بقيت تتكرر خلال رحلة العودة إلى أن اضطرت حميد لأن يرفع رأسه وسط غبار العاصفة الترابية وأزيز الرصاص ليخاطب ربه وهو لا يعي ما يقول:
(لو آني الله وأنته حميد، تقبل اسوي بيك هيج؟؟).
هذه هي العقدة. فجملة حميد تعبر عن محنة ونكبة وانهيار، وهي تختصر فلسفة كاملة علينا ان نتوقف عندها، هي فلسفة الأدوار بين الخالق والمخلوق. بين السبب الإلهي والنتيجة العراقية على وجه الخصوص. أريد أن أقف بجانب صديقي لأردد معه ببساطة بالغة:
كيف... ولماذا حدث لنا كل هذا الذي حدث بمرأى ومسمع منك يا رب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?