الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهاتف

رغد علي

2008 / 6 / 12
الادب والفن


د. رغد السهيل
انطلقت البدايه من جهاز الهاتف ,حين هدأت كل الأصوات وبقيت رنة الهاتف ,ليجيب العجوز الأرمل..وما أن ينساب الصوت الرقراق الى أذنيه ,حتى تنشط كل قواه. هذا الصوت الناعم كأنه زقزقة عصافير الصباح الباكر يطلبه هو ..نبره طفوله و عذوبة ايقاع ..وغزل مع رجل تجاوز الثمانين من عمره ..صوت كهذا فيه الف نداء ثم اغراء واغراء .. فى دقائق عاد ماء الشباب الى شيخوخته ..فانتصبت قامته , وهب غروره من رقدته ..تواصلت بينهما الهواتف ,انقلبت رأسا على عقب كل حياته..صار يراهق ..يتلفت يمينا و يسارا ,يبحث عن بناته ,فان كن بعيدات أدار قرص الهاتف ,وان سمع اقداما قادمه أغلق سماعة الهاتف ..مشكلته كيف ينفرد بحبيبته ؟ان انتصاف الليل يحل المشاكل ,الناس فيه نيام ,لا يسهر الا العاشق الولهان ,مع صوت عبر الهاتف ..لكن احاديث الخفاء والظلام لا تخلو من النواقص والسفاسف ..فهبط من قدره ..ونسى نفسه , اختلت ارادته وفقد توازنه .
عشق فى خريف العمر قد يكون القاتل ..أو السراب الكاذب ,لكنه ابدا ليس الهادىء الساكن ,رجل يعانى الوحدة ,فجأة تستيقظ كل حواسه ,تعود اليه ثقته ,كيف لا يفقد صوابه؟ تترنح خطواته , تتسارع خفقاته , يشكو الغرام وآهاته , فقدان الشهيه والأرق ونوباته ,وان تعطل الهاتف كانت مصيبه المصائب ,سمعه ممتاز لكن الثقيل فقط هو ذلك الجهاز العاجز..فيشترى جهازا جديدا لعل سمعه يزداد قوة و حدة ,هكذا أفكاره محصورة فى شوؤن الهاتف ..
بدل هواياته من الاستماع للاحاديث الدينيه ,وقراءة الأدعيه ,وأداء الصلوات ,وقضاء ما فاته ,الى التغنى بالأغنيات الحديثه ذات الايقاعات المخبولة المجنونه ,العصر عصر السرعه..وصاحبنا صار سريع التأقلم مع التغير المفاجىء ..حتى ان لهجته بالحديث تبدلت ,من الجديه والرصانه ,الى قصائد الغزل و عباراته ,تناسى يومه وزمنه ,يخلق أخطاء لمن حوله ليبرر تصرفاته ..أقنع نفسه أن الجميع مقصرون فى حقه , فبناته لا يعدون طعامه ,لذا صار يضرب عن الطعام ,ليثنت هذا لذاته ,كما أن بناته لا يغسلون ثيابه ,لذا هو لا يرتدى النظيف من ثيابه ,يدور على أقرباءه يشكو من بناته ..فهن يزعجنه ولا يحترمن تصرفاته !!يكذب كثيرا ,ويستغرب الأخرون انقلاب أحواله وادعاءاته ..
أما الحبيبه المصون ..ترفض لقاءه رغم انقضاء الشهور وهى معه عبر الهاتف ..لأنها من أصول رفيعه تحجبها عن الظهور ..تطلب منه خطوه مباشره ,واضحه صريحه ,ليثبت لها نبل غاياته ..انها لا تأمن للرجال وتريد الدليل على صدقه والبرهان ..وتمضى عليهما الشهور على هذا الحال ,حتى صار الغرام مرضا تتضخم أعراضه ,لا تعرف الزوال .
وأخيرا هدد الحبيبه بالأنفصال ,لو لم تلقاه بذلك المقهى فى ناصيه الشارع, ولأنها عاشقة مثله خافت أن ينفذ وعيده , كان الأتفاق على اللقاء أخيرا..طار فرحا,بدأ يهيأ نفسه للقاء موعود ,بدل من لون شعره الى السواد,وقصر من شاربه قليلا ,ودخل فى قلب زجاجة العطر ,لابد أن يكون لائقا بشابة جميله غضه ,كل ما فيها سيعود به الى ريعان شبابه ,فهى التى بشبابها ستخلق له شبابا جديدا من قال ان الشباب لا يعود؟ ان الحياة مع شابة رائعه تعنى شباب دائم ..
دخل المقهى قبل موعده ..جلس ينتظر والنار فى قلبه ,لا تمضى الدقائق الا كسنوات عليه ,فالأذن تعشق قنل العين احيانا ,لكنه يجد نفسه فى مكان كل رواده من الشباب ,ها هى ضحكاتهم ..حركاتهم ... وخطواتهم ,شعر كأنه غريب بينهم كأن المكان ليس مكانه ..لكنه أصبح شابا هكذا اصبح حال شكله ,ثم ان روحه خضراء طرية….وفيما هو فى أفكاره واذا بالصوت الرقراق من خلفه يسأله هل هو فلان ؟ اتسعت ابتسامته وانفرجت أساريره وما أن التفت حتى رآها..انها كتله متحركه من الأصباغ والألوان ,كانها تريد ان تخفى ما انكمش وما تقلص منها ,هامتها منحنيه ذات ندبه واضحه فى ظهرها ..تستند فى وقفتها الى عكازتها , !!! بكل بساطة اجاب : لا لست أنا !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب


.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا




.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم