الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل بدأت الألفية الثالثة عام 1968 ؟

عصام عبدالله

2008 / 6 / 12
الطب , والعلوم


لا تتزامن نقاط التحول الحاسمة في التاريخ البشري مع السنوات التي تبدأ أرقامها بأصفار ، وهو ما يعلمنا اياه " علم تاريخ الأفكار " ، فقد بدأ القرن التاسع عشر مبكرا عن عام 1800 وبالتحديد مع الثورة الفرنسية عام 1789 . وبدأ القرن العشرون متأخرا عن عام 1900 ، إذ انه بدأ فعليا مع الحرب العالمية الأولي عام 1914 . أما القرن الحادي والعشرون فقد تعددت بداياته ، بتعدد زوايا الرؤية والخلفية الإيديولوجية ، وهناك من يقرنه بسقوط المعسكر الشيوعي عام 1989 ، وآخر بالحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، وثالث بالاحتجاجات الطلابية عام 1968 ، أي قبل أربعين عاما من الآن .
وحسب افتتاحية مجلة " فكر وفن " في عددها الأخير (88) ، التي خصصت ملفا كاملا عن جيل 68 ، وتصدر عن معهد جوته : " فإن الحركة الطلابية لم ترتبط بحدث تاريخي معين بقدر ارتباطها بيقظة ما أو بنهضة ، أي بتغير نوعي ومفاجئ حصل في وعي العديد من البشر ، وكان عام 1968 بالطبع ، غنيا بالأحداث السياسية : بلوغ الحرب في فيتنام أكثر مراحلها دموية ، ربيع براغ ، آثار حرب الأيام الستة عام 1967 ، اغتيال مارتن لوثر كينج في الولايات المتحدة وأخيرا الاحتجاجات الطلابية في ألمانيا وفرنسا . ويبدو أن ما جري في هذه السنة قد ترك آثارا جلية لدي البشر بغض النظر عن جنسيتهم ، لونهم ودينهم . " .
أول من قدم قراءة مستقبلية لأحداث عام 1968 المفكر والمؤرخ الإنجليزي ( الماركسي ) " إريك هوبسباوم " ، في كتابه الهام عن تاريخ القرن العشرين - Age of Extremes : فإن الخط الفاصل الذي كان يميز بين الصراعات الداخلية والصراعات الدولية قد أختفى ، وهو الخط الذي بقى واضحًا طوال القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب الباردة، إلى حد كبير. كما أن الجيوش الأجنبية لم تكن تعبر الحدود بدعوى حل صراع داخلي ينشب في نطاق دولة مستقلة ذات سيادة، وكان هذا يمثل القاعدة الذهبية للنظام الدولي، وهي قاعدة حققت استقرارًا نسبيًا للعالم، إلا أن موازينها قد اضطربت، وتآكلت فاعليتها منذ عام 1989، على نحو ما حدث في يوغوسلافيا سابقًا. وهو يحذر من أننا سنواجه عملية ارتداد ونكوص إلى قرون غائرة خلت، بسبب انحسار الموجة التاريخية الطويلة التي تدفقت نحو بناء «الدولة - الأمة»، وتدعيم قوتها، وهي الموجة التي بدأت منذ القرن السادس عشر واستمرت حتى عقد الستينات من القرن العشرين .
تمثل دلائل هذا الانحسار في ظهور تغير مهم ، وهو أن المواطنين أصبحوا أقل استعدادًا لإبداء فروض الطاعة والولاء لقوانين الدولة، ظهر ذلك في ثورة الطلاب في الكثير من العواصم الأوروبية ربيع عام 1968، وهي ثورات ناصبت العداء للمؤسسات الحاكمة القائمة آنذاك. إن قوة الدولة الحديثة بلغت ذروتها عندما كان الاحتجاج الاجتماعي يتم في الإطار المؤسسي، وباعتباره جزءًا من العملية السياسية، لكن هذا الأمر انتهى في أوربا في عقد السبعينيات، والدليل هو العجز في القضاء على الميليشيات المسلحة والمنظمات الإرهابية داخل حدود الدولة، على الرغم من وجود حكومات قوية.
ويخلص «هوبسباوم» إلى أن الحرب الباردة أدت، في شكل أو آخر، إلى الاستقرار النسبي للعالم، وعندما وضعت أوزارها سادت العالم حالة من عدم اليقين، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي اقترن بتدمير نظام العلاقات الدولية الذي كان سائدًا، وبموجبه كان الجميع يعرفون قواعد اللعبة التي تم الاتفاق عليها بدءًا من معاهدة «ويست فاليا» عام 1648.
فإذا كان نظام الدولة القومية الحديثة، اعتمد أساسًا على مبدأ «السيادة» وفقًا لـ «وست فاليا» التي ربطت كلاً من السيادة القومية والهوية الوطنية بالصفة الإقليمية، أو قل ربطت السلطة بالمكان، وأصبحت للدولة حدود معترف بها من جانب الدول الأخرى، فإن هذا الأمر ظل على هذا المنوال حتى ظهر الناشطون غير الحكوميين الذين انتشروا في الأنظمة الدولية بسرعة رهيبة، مما أدى إلى التقليل من شأن مبدأ «السيادة» نفسه عن محيط التأثير في النظام الدولي، لقد حل الاستقلال، استقلال هؤلاء الناشطين، محل «السيادة» وصار الأفراد والمؤسسات والحركات يناضلون من أجل نيل حريتهم واستقلالهم عن «سيادة» الدولة، بل التنافس مع الدولة في الهيمنة على المواضيع الساخنة، والتسابق في إبرازها أمام العالم عبر وسائل الإعلام والاتصالات.
ولأن أهداف تلك الأطراف المستقلة عن الحكومات لا ترتبط بمكان معين أو إقليم محدد، فإن المسألة «السيادة» الإقليمية أصبحت غير ذي بال، إذ أن أهدافًا مثل حماية البيئة أو حقوق الإنسان أو الحرية الدينية لا تتطلب سيادة على منطقة معينة، بقدر ما تتطلب سيادة من نوع آخر: هو هيمنة هذه الأطراف على تلك الأهداف وترويجها إعلاميًا. هكذا تآكلت «السيادة» على جميع الجبهات، خصوصًا مع تطور حقوق الإنسان، ومعايير التدخل لأسباب إنسانية ، بل أن هناك من يرى أن نهاية نظام الدولة «الويست فالي» وبداية عصر ما بعد ويست فاليا «أو ما بعد الحداثة السياسية» مرتبط بانقضاء فكرة السيادة رغم أن العالم لم يتخل بعد كليًا عن إطار «ويست فاليا».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الثروة الحيوانية مهددة في موريتانيا بسبب نقص المياه وضغوط مر


.. قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي في مهب الحرب، هروب للاستثمارات و




.. بيل غيتس يراهن بشكل كبير على الطاقة النووية لهذه الأسباب.. م


.. احتجاجات في غرب الجزائر بسبب نقص مياه الشرب • فرانس 24




.. الطب الشرعي يفجر مفاجأة في وفاة فتاة البراجيل