الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوباما: ظاهرة امبريالية جديدة؟

ناجح شاهين

2008 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


باراك حسين أوباما شغل الدنيا بأخباره. وهو أمر ليس بالغريب بالنظر الي أنه الآن المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي الأمريكي لرئاسة الولايات المتحدة. لكن الغريب حقا هو أن الناس "التقدميين" هنا في الولايات المتحدة، وهناك في أطراف العالم لا يملون من تكرار اللعبة التي لا تنتهي. أعني لعبة المراهنة على تغيير الرؤساء في الولايات المتحدة، أو حتى على تبادل كرسي الرئاسة بين الحزبين –ان كانا في الحقيقة حزبين- الذين يحكمان أمريكا منذ الأزل وقد يظلان في الحكم الى أبد هذه الدولة ما لم يحدث تغير بنيوى لا توجد حتى الساعة أية مؤشرات على قربه.
أود أن افحص هنا أية فرص لأن يكون أوباما بسبب اسمه أو لونه أو أي شيء آخر محملاًًًًً بأية ثمار تنزع نحو التغيير أو حتى التعديل في السياسات الراهنة لأكبر دولة في العالم. لكن قبل ذلك أود –وإن يكن ذلك من نافل القول- أن أذكر بطبيعة الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة وبريطانيا ومعظم دول النخبة "الديمقراطية" من شاكلة ألمانيا وفرنسا. أولاًًًً تسود هذه البلاد سياسيات اصطلح على تسميتها بالليبرالية الجديدة أو "المحافظة" الجديدة. وليس بسر أن جدول أعمال هذه السياسات يتركز محليا في لجم الدولة عن التدخل في الاقتصاد القومي بأي شكل يمس بقدرة الشركات الكبيرة على حصد أرباح غير مسبوقة. ويدخل في هذا الاجهاز على ما تبقى من دولة الرفاه التي ولدت على أنقاض الحرب الامبريالية الكونية الثانية عام 1945. أما خارجيا فُتطلق الليبرالية الجديدة متحللة من كل قواعد النظام العالمي السابق المؤسس على تقاسم الهيمنة نتيجة وجود قطبين، تطلق حربا شعواء على مستضعفي العالم –وما أكثرهم- بغرض إعادتهم الي دائرة الاستعمار المباشر أو شبه المباشر. ولا يستثنى من ذلك الا بعض أوروبا وبعض الدول العملاقة مثل الصين التي تشكل في واقع الحال " الخطر" الجدي الوحيد الذي يتهدد الهيمنة الراهنة. في هذا السياق جاءت قصص سلوفينيا وكوسوفو وأفغانستان وسلسلة طويلة توجتها عملية احتلال العراق التي كان من المحال تخيلها –حتى على سبيل الافتراض- حتى العام 1990. لكن العالم تغير وتبدل، والقرن الواحد والعشرون تم استهلاله بموسيقى تذكر بموسيقى القرن التاسع عشر. نحن في زمن آخر، ولا نعرف ان كان سيطول أم يقصر، وان كان ذلك ليس تماما في طي الغيب، اذ أنه يعتمد على ممانعة ومقاومة المستضعفين في كل مكان.
لماذا يجب الافتراض أن أوباما بوصفه فردا من أبناء الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة يريد تغيير الواقع؟ أم أن بعض الناس يريد أن يزعم أن أوباما مرشح اليسار، أو السود، أو الطبقة العاملة الأمريكية، وقد تم زجه بخبث شيطاني "يساري" الى داخل صفوف الحزب الديمقراطي الأمريكي بغرض الانقلاب على ذلك الحزب، أو حتى على الطبقة الحاكمة كلها؟ اذا كان هناك من يفكر بطريقة المؤامرة الى هذه الدرجة فإن علينا أن نتبرع ونخبره بأنه في هذه الحال لن يكون سعر أوباما أكثر من تكلفة الرصاصة التي ستخترق جمجته وتنثرها في الشارع كما فعلت مع آلاف من الناس –وخصوصا – السود من قبل.
اذن دعنا نطرح هذه الفرضية جانبا باعتبار عدم جديتها وخلوها حتى من روح الدعابة الأصيلة. ما هو برنامج اوباما المعلن، وما هو دوره الواقعي المحتمل؟
بالنسبة للشق الأول من السؤال فإن أوباما قد أسر قلوب البيض في كل مكان بأطروحته المليئة بالتسامح حول ضرورة تجاوز الماضي العنصري والعمل في جو من الإخاء –ربما المسيحي- والمحبة من أجل حياة أفضل لكل الأمريكان. ليست خطورة هذا الطرح بالطبع في لمسة "فوكو" الداعية الي الفهم والتسامح، فقد يكون الرجل قد أخذ الفكرة مثلاً من صديقه -الى حد ما- الراحل ادوارد سعيد. انما الخطورة تأتي من الاستنتاج الضمني أن الولايات المتحدة الحالية قد تجاوزت العنصرية بالفعل وأنها مجتمع يعامل أفراده على قدم المساواة بغض النظر عن دينهم أو لونهم أو أصولهم الاثنية. ولعل أكبر دليل على صدق ادعاء مرشح الرئاسة هو امكانية انتخابه هو بالذات رئيسا للدولة. أما أكبر دليل على أنه هو شخصيا لا يصدق "الفرية" التي افتراها على أمريكا، هو أنه أصيب بالذعر عندما بدأ التركيز على اسم حسين الذي "يلطخ" اسمه، وبدأ يزعق بأعلى صوته منكرا أية علاقة بالاسلام، بل ويبين أنه لو كان أصبعه مسلما لقطعه من فوره. طبعا لا يخفى على القارئ أن الرجل لا يملك خيارا، فالمجتمع الأمريكي بالطبع متعصب جدا من كثير من النواحي. ولا فرصة فيه لشخص تلتصق به تهمة الآسلام. الولايات المتحدة ولا شك سوف ُتسعد كثيرا بأن ُينتخب رئيس اسود وسوف تقتل كل سود العالم بعد ذلك دون أن يجرؤ أحد على اتهامها بالعنصرية. كيف لا وهي انما "ُتحكم" عن طريق رجل أسود، نعني هذا ما سيتم تسويقه من قبل نخبة "الواسب" التي تقوم الآن بتلميع أوباما.
اقتصاديا هل وعد أوباما مثلاُ بإعادة الاعتبار لدولة الرفاه؟ بالطبع لا. وقد قامت السيدة كلينتون في هذا المضمار بتوزيع دعاية واضحة في صالح بعض الممارسات المندرجة في ذلك الاطار مثل التأمين الصحي –أكثر من أربعين في المائة من أمريكا بدون تأمين صحي علما أن زيارة الطبيب تكلف ما بين مائة وخمسمائة دولار في المتوسط- أما أوباما فقد تجنب مجرد ذكر هذه المواضيع التي يمكن أن تزعج أساطين رأس المال في هذه البلاد.
اذن لعل أوباما مختلف في السياسة الخارجية: اسرائيل أو العراق أو الصين أو روسيا؟ لست في صدد مصارعة رجل القش وأعني بالطبع موضوع اسرائيل. حتى أنا –بوصفي فلسطينيا- لا أستطيع لوم أوباما على ابداء الولع التام باسرائيل فهذا جزء من السباق نحو القمة في سياسة تتبارى في كل دورة انتخابية جديدة في تقديم المزيد لاسرائيل. وهو ما خلق الانطباع المضحك عند بني جلدتي أن كل رئيس أمريكي جديد يكون أسوأ للعرب من الذي قبله، وأحسن –من باب الاحسان- بالطبع لاسرائيل. والصحيح أن هذه أغلوطة. فكل رؤساء الولايات المتحدة منذ حرب 1967 يعشقون اسرائيل لأسباب ليس هنا موضع نقاشها. لكن بسبب أن الرئيس الجديد يجب أن يقدم المزيد لكي يتميز، يقع المشاهد –وحتى الدارس أحيانا- تحت الانطباع الخاطئ بأنه أكثر انحيازا لاسرائيل. أوباما هنا لا يشذ عن القاعدة، وولعه باسرائيل لا يجب أن يغضب أحدا. حتى الجمعيات التعسة المؤيدة لحل "عادل" للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة لا تنكر أنه لا مجال لأن يكون الرجل مختلفا عن غيره. تهمه معاداة السامية ترسل بصاحبها الى السجن، ناهيك عن أن تحمله على جناح فراشة ورديه الي البيت الأبيض.
بقي أمامنا في منطقتنا العراق وايران. طبعا الرجل سوف يعيد القوات الأمريكية الى الوطن بعد استقرار الوضع. هل سيستقر الوضع؟ طبعا لا. وهذا يعني أنه يقول: سوف يدخل الجمل الى ثقب الابرة حالما تتربع الدائرة. لا بد أن الرجل قد تلقى بعض دروس المنطق في شبابه الباكر، اذ ان ذلك سيسعفه في محاولته لحل المشاكل مع ايران بالسبل المنطقية ما أمكن. وسوف يجعل الخيار العسكري الاحتمال الذي "نريد تجنبه الى أبعد حد". طبعا يمتاز أوباما من كل شخص آخر –بمن فيهم كلينتون- بأنه قلما يخبرنا بأسباب غضبه من ايران.
يريد الرجل توحيد الجبهة الغربية من جديد ومعاملة أوروبا باحترام من أجل تحسين الفرص الاقتصادية في مواجهة العملاق الصيني الذي لا يستطيع أحد أن ينافسه، والذي تدين له الخزينة الأمريكية بالذات بآلاف المليارات من الدولارات. لا بد من تصالح الاخوة البيض لقتل التنين الآسيوي الهائل. وأيضا مواجهة صحوة الدب الروسي. هذا باختصار هو "فكر" الرجل السياسي. ولا أدري ان كان هناك من خبراء يستطيعون التفريق بينه وبين بنت لونه أستاذة ستانفورد سابقا السيدة كونداليزا رايس التي تتفوق على كل أقرانها البيض في عنصريتهم وولعهم بالحروب.
حتى اللحظة حاولنا تتبع ما يقوله الرجل. أما الان فنريد أن نطل على بعض احتمالات الواقع. هذا الواقع يثير المخاوف لدى كافة شرائح المجتمع الأمريكي. فمن البادي للعيان أن أزمة العقار، والأزمة المالية، وبطء الاقتصاد "ومزاج" السباق نحو القاع –في وضع الناس البسطاء- من أجل تحقيق ربح تنافسي -في عالم معولم- وصل بالفعل الى الحضيض، لا بد لكل ذلك من ضحايا على صعيد الطبقات الفقيرة من عمال وأقليات، محليا، ناهيكم عن شعوب بأكملها في المستوى الخارجي ستدخل خانة الجوع حرفيا. ومنها على سبيل المثال بعض من أشقائنا في مصر واليمن والسودان والصومال...الخ
لعل وجود رجل أسود ليقوم بغسل كل هذا الغسيل القذر أمرا مريحا للطبقة الحاكمة في هذه البلاد. واذا فات احدنا الأمر، فقد يجدر التذكير بأن فكرة الرغبة في وضع واجهات سود في السياسة الأمريكية، أصبحت شائعة حتى لدى الجمهوريين المفترضين أكثر تطرفا باتجاه العنصرية واليمين عموما. وفي هذه المرة اذا كانت الولايات المتحدة مقبلة على مرحلة قمع داخلي أشد وعلى حروب "تحريرية" أخرى، فقد يكون رئيس أسود ذا فوائد متعددة. من هذه الناحية لن يكون أداء الحزب الديمقراطي بقيادة أوباما أقل رجعية وامبريالية من أداء حزب "العمال" البريطاني بقيادة توني بلير الذي أحرج المحافظين هناك كونه لم يترك لهم فرصة لمهاجمته من اليمين فبدأوا يهاجمونه من مواقع يسارية. انه مكر التاريخ أن بريطانيا العجوز ما زالت تملك قصب السبق في " اختراع" وصفات سياسية تتجاوز حدود المتوقع. ولعل هذه البلاد على الرغم من هيمنتها الواضحة على العالم ما تزال طبقتها الحاكمة تتعلم من حكمة الجدة العجوز. ألم تأت الريغانية مباشرة تلهث على خطى التاتشرية؟ أوباما ومستشاروه ليسوا خاليي الذهن تماما من مثال توني بلير، لكن لعل رئيسا أسود في قيادة المركب "الرأسمالي" في اسوأ لحظاته أن يكون في المحصلة النهائية أكثر اثارة حتى من حزب مسوم بأنه حزب "العمال".










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد يختبران مدى التوافق بين عمار وريم ????


.. بحثا عن غذاء صحي.. هل المنتجات العضوية هي الحل؟ • فرانس 24 /




.. خروج مستشفى الأهلي المعمداني عن الخدمة بعد العملية الإسرائيل


.. إسرائيل قطعت خدمات الاتصالات على قطاع غزة منذ نهاية شهر أكتو




.. أمهات المحتجزين الإسرائيليين ينظمن مسيرة في الكنيست