الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغزل الفرنسي السوري والمعارضة السورية

بشار السبيعي

2008 / 6 / 14
السياسة والعلاقات الدولية


في مقال نشرته جريدة "وحدة الإستخبارات الإقتصادية" الأمريكية على الإنترت الإسبوع المنصرم يحمل عنوان "لماذا بشار الأسد يشعر كالديك المنتفش"، صرحت الجريدة أن مايتوقعه الرئيس الفرنسي ساركوزي من دعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى إحتفال ثورة الرابع عشر من تموز الفرنسية المعروفة بثورة الباستيل، يعود على فرنسا بمكتسبات سياسية وإقتصادية في سوريا لتضعها في مركز مفضل في إستقطاب تلك الموارد المالية. فقد أُعلن الأسبوع الماضي عن عزم شركة فرنسية ببناء معملين للإسمنت في سوريا تفوق قيمة إستثمارهما بليون ومائتي مليون دولار أمريكي. بالإضافة إلى عزم شركات فرنسية كانت قد بعثت مستشارين مهندسين إلى دمشق لدراسة بناء أول مترو للمواصلات العامة في دمشق. وأضافت الجريدة نفسها أن الشركة الفرنسية الأوربية المشتركة Airbus للطائرات المدنية تنوي إعادة بناء أسطول شركة الطيران العربية السورية وتزويده بطائرات جديدة.

لابد من الذكر هنا أن الرئيس بشار الأسد قد أتقن اللعبة السياسية التي طالما لعبها والده الرئيس الراحل حافظ الأسد. فقد كان الرئيس الأب يعرف تماماً كيف يتعامل مع عامل الوقت في حلّ الخلافات الديبلوماسية بينه وبين دول الغرب، بإنتهاز الفرص المناسبة في الوقت المناسب. فعندما دعت الحاجة الملحة إلى القفز من خندق الصمود والتصدي والوحدة القومية العربية التي طالما نادى به الرئيس الراحل حافظ الأسد والإلتحاق بخندق القطب الأحادي الممثل أنذاك بالولايات المتحدة وعزمها على شن "عاصفة الصحراء" حرب الخليج الأولى لإخراج قوات الرئيس صدام حسين من الكويت، شاركت القوات المسلحة السورية بعتادها الكامل إلى جانب القوات الدولية في تلك الحرب.

أما اليوم فهناك عامل جديد إستطاع الرئيس السوري بشار الأسد إستخدامه لأغراض سياسية. فالعامل الإقتصادي اليوم لايقل أهمية عن العوامل الأخرى في عالم السياسة الدولية. فقد أصبح إستغلال النفوذ الإقتصادي للشركات العالمية الخاصة في الأنظمة الديمقراطية الغربية لإستثمار رأس مالها الخاص سلاح ذو حدين. فاليوم في عصر العولمة والإقتصاد الدولي المتشابك، والتنافس على رأس المال العالمي عبر بورصات العالم الإلكترونية، تتضارب مصالح الحكومات الدولية في مابينها لإستقطاب النمو الإقتصادي الداخلي وبذلك تفتح الباب للأنظمة الإستبدادية لإستعمال ذلك السلاح الإقتصادي لصالح أنظمتها وإطالة أعمارها.

ليس هناك مايدعو للمفاجأة من تصرف الرئيس الفرنسي ساركوزي، فمع الركود الإقتصادي العالمي وإرتفاع أسعار البترول والأغذية وإنخفاض القيمة الشرائية عبر العالم لابد لدول الغرب المتقدمة أن تعيد ترتيب أولوية مشاكلها الدولية لترفع الإنعاش الإقتصادي الداخلي لبلدانها إلى المرتبة الأولى، ومن هذا المنظور السياسي تُنحَرُ المبادىء والأخلاق الإنسانية على منحر تمثال الفيلسوف الإغريقي Epicurus المتواجد في العاصمة الباريسية في متحف اللوفر وتذهب في عداد الضحايا المفقودة في عالم العهر السياسي.

فعامل الوقت في الأنظمة الإستبدادية هو أكبر حليف لها. لأن الديكتاتور لايخشى على كرسيه من إنتخابات موعودة أو تغيير داخلي، فهو واثق في إستمرارية حكمه ويستطيع تأجيل أخذ القرارات السياسية الضرورية والمطروحة عليه من قبل الدول المواجهه لنظامه إلى أن تأتي حكومة أخرى في تلك البلاد عبر صندوق الإقتراع و تنهج سياسة أخرى تكون إما في صالحه أو مماثلة لخليفتها. في حديث خاص في سوريا منذ زمن عندما كان الرئيس حافظ الأسد حاكماً، قال لي أحد المقربين من دائرة الحكم أن الرئيس يملك من "الصبر والحنكة السياسية وبعد النظر" مالم يرى في أي قائد أخر. وتابع "فهو لايخشى من التغيير الداخلي ويستطيع أن يؤجل ماتفرضه عليه الضغوط الدولية إلى أجل مسمى". كانت هذه السياسة المحورية لحافظ الأسد في تعامله مع إسرائيل. فقد كان يعرف تماماً أن الحكومات الإسرائيلة تختلف في أساليبها وطبيعتها ولاتختلف في جوهرها. فكان يستغل ضعف وزراء الحكومة الإسرائيلة وظروفها واحدة تلو الأخرى لأكثر من ثلاثين عاماً من حكمه ويتعامل معهم كل حسب سياستهم وظروفهم الزمنية لخدمة إستمرارية الحكم في سوريا.

المهم اليوم ليس ماتفعله فرنسا أو سوريا من رقص إباحي في عالم السياسية الدولية، ولكن ماتفعله المعارضة السورية في الخارج لتسليط الضوء على خشبة المسرح السوري لإظهار مطالبها على الساحة الدولية لكبت جماح وشهوة النظام السوري في تشريع حكومته اللاشرعية على الساحة الأوربية. فكما يستغل النظام السوري الظروف الإقتصادية والدولية لتثبيت شرعيته، يوجب على المعارضة السورية في الخارج أن تكون له بالمرصاد مستغلة طبيعة الأحكام الديمقراطية للدول المتواجدة فيها. فليس هناك اليوم من مانع أن تقوم المعارضة السورية في الخارج بنتظيم إحتجاج أو إعتصام مدني في باريس في يوم زيارة الرئيس بشار الأسد أمام مبنى السفارة السورية أو القصر الرئاسي الفرنسي لتثبت وجودها على الساحة الدولية وتلفت الأنظار إلى مطالبها الشرعية وعلى رأسها حقوق الإنسان والتغيير الديمقراطي لنظام الحكم وممارسات الأنظمة الأمنية التعسفية ضد المواطنين السوريين في الداخل.

لابديل من الوحدة الوطنية ضمن صفوف المعارضة السورية في الخارج، فاليوم لم يعد هناك من رقيب أو سليط على حرية الرأي والتعبير في العالم الغربي. العمل الوطني للخلاص من الأنظمة الديكتاتورية يتطلب التضحية الشخصية والعائلية في صفوف المعارضة السورية في الخارج بكل أطيافها وتياراتها، ولن تستطيع المواقع الإلكترونية في عالم الإنترنت بكل جمالها وأناقتها أن تخترق حائط الظلم والإستبداد المبني بالحديد والنار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير