الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على إسمك يا جاهين

رمضان متولي

2008 / 6 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


النخل في العالي والنيل ماشي طوالي
معكوسة فيه الصور، مقلوبة … وأنا مالي
يا ولاد أنا ف حالي زي النقش في العواميد
زي الهلال اللي فوق مدنه بنوها عبيد
وزي باقي العبيد بجري على عيالي

أبيات الشاعر والفنان النابغة صلاح جاهين التي كتبها منذ عقود في ملحمته الشهيرة "علي إسم مصر" قدم فيها صورة لهذا البلد القديم قدم الحضارة نفسها، الذي تقلبت فيه الأحوال من حال إلى حال لكنه لم ينضب أبدا ولم يعجز أبدا عن إنجاب هذا النوع من الأبطال الذين لا يذكرهم التاريخ ولا تحفر أسماؤهم مثل الفراعين على أعمدة المعابد والمسلات، هذا النوع من الأبطال العاديين جدا والذين تطاردهم الشرطة في أزقة الأحياء الفقيرة وفي حواري القرى، تغتصب أراضيهم وكرامتهم، وتهدم بيوتهم الهزيلة التي لا نجد لها أثرا في الحفريات ولا تجذب اهتمام السائحين وعلماء الآثار.
مصر اللي عمر الجبرتي لم عرف لها عمر
وطلع لقاها مكان مليان عوام وزعر
جعيدية غوغاء يجيبوا تملي وجع الراس
وخليط أفارقه هنادوة روم ملل أجناس
والترك في القلعة والمماليك خدودهم حمر

صلاح جاهين أكد أن هؤلاء الأبطال لا يولدون إلا في النكسات ودون أن يلتفت أحد إلى وجودهم، لا ترك القلعة ولا مماليك السلطان، فهم يشبهونك ويشبهونني، ويشبهون ذلك العامل الذي قتل برصاص السلطة الطائش في أحد الإضرابات، يشبهون ذلك الفلاح الذي سلبت أرضه واقتيد إلى المأمور ليضرب بالفلقة أمام زوجته وأبنائه. وقد يكون هؤلاء الأبطال من نسلك أنت الذي تبيع المناديل وتمسح العربات في إشارات المرور. هؤلاء الأبطال يولدون في لحظة ويصنعون التاريخ ولا يلمعون كالشهب في الأحداث الجسام، إنهم يولدون في صمت ودون أن تقام الاحتفالات الصاخبة لمولدهم، ويصنعون الأحداث الكبرى دون أن يعوا تماما ما يفعلون، إنهم أبطال المعارك الكبرى وصناعة المصائر الذين لا تسجل الأحجار مآثرهم، ولا يولدون إلا عندما يسود الإحباط واليأس، وقد استطاع جاهين أن يصف لحظة الميلاد في ملحمته الخالدة:
القاهرة في اكتئاب والأنس عنها غاب
من عتمة تخرج لعتمة كأنها في سرداب
أو قرية مرمي عليها ضل هجانة
الحظر م المغربية بأمر مولانا
ومصر في الليل بتولد والبوليس ع الباب

هكذا ينبغي أن نتعلم أن مسألة انتظار البطل المخلص الذي يجب أن يكون شخصية لامعة أو مرموقة لها مآثرها ما هي إلا خدعة ضرورية نلجأ إليها تعبيرا عن عدم إدراكنا بأن أبطالنا الحقيقيين هم نحن أنفسنا، لكن التجربة بجميع عناصرها الموضوعية والذاتية لم تفرض علينا بعد أن نواجه مأساة المعركة، وهي المأساة التي لا يمكن لأحد أن يحدد نتائجها سلفا، ولأننا أبطال عاديون جدا، لا نخوض المعارك من أجل المعارك، ولا نأبه بأن يخلد التاريخ أسماءنا، نحاول باستمرار أن نتجنب المواجهة، وكلما وجدنا صخرة نختبئ وراءها من العواصف نتشبث بها حتى تحاصرنا الأعاصير من جميع الاتجاهات:
مصر الرمال العتيقة وصهدها الجبار
والنيل كخرطوم حريقه وحيد في وسط النار
في إيدين بشر نمل رايحه وجاية ع الضفة
فيهم مطافي وفيهم كدابين زفة
وفيهم اللي تعالى وقال أنا حكمدار

لكن العاملة التي انكفأت وانحنى ظهرها أمام آلات النسيج في المحلة، وزميلها الذي احترق وجهه أمام صهد الأفران في مصنع الحديد والصلب، والفلاح الذي تشققت قدماه ويداه والتهبت وجنتاه من لفح الشمس وأصبح هزيلا كأعواد الحطب من طغيان السلطة، يولدون من جديد أبطالا في معارك الضرورة لا يخدعهم الكذابون، ولا تفل عزيمتهم مياه المطافي ولا يردعهم غرور الحكمدار.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ